دَور علم التاريخ في خدمة الدعوة الاسلامية

د. ولاء محمد 

اتجهت الدراسات الإنسانية بكل فروعها وخاصة التاريخيّة لدراسة علم التاريخ مع العلوم الأخرى، وإلقاء الضوء على دوره في خدمة الدعوة الإسلامية.

وأصبحت الحاجة مُلحّة لتظافر الجهود بين العلوم الشرعية، والعلوم الاجتماعية معرفيّاً لوضع منهجية واضحة لمواجهة كل ما يخالف الدين والعادات والتقاليد، والتطرف الديني. 

وما أشدّ حاجتنا للتعرف على علم التاريخ وأهميته في تصحيح الواقع المأزوم واستشراف المستقبل الناهض، وبذلك نستطيع ان نأخذ دورنا للعثور على الجوهر الحقيقي للتكامل بين العلوم في مثل هذا الصراع الثقافي والسياسي، لإثبات عظمة رموزنا وتاريخنا العربي الإسلامي.

العلاقة بين الدعوة الإسلامية والتاريخ

يأتي التاريخ كأحد فروع العلوم الإنسانية، وكأداة لإبراز القيم الإيجابية، لِيُبيّن دور الماضي في تكوين الشخصيّة السويّة، والتأكيد على الرموز الإسلاميّة المهمة في التاريخ لِيُقتدى بها، كما أن وعي الإنسان التاريخي يبدأ من إدراكه لنفسه وشعوره بإنسانيته، وماضيه كرصيد تاريخي مجيد.

وإذا كان التاريخ بعامته يحتل مكانه وأهمية بين العلوم فإن التاريخ الإسلامي جدير بالاهتمام والدراسة من جميع جوانبه، فقد اهتم الدُعاة بدراسة التاريخ لإشارة الرسول (صلى الله عليه وآله) لدور القرآن التاريخي، بالإضافة لأحاديث الرسول وأفعاله الموصي بهما، وتدوين سيرته كقدوة للمسلمين لثبات السنن الإلهية، فالإسلام دين دعوة وهدفه نشر العقيدة الحقّة لتحقيق السعادة للإنسانية.  

ومن جانب آخر فإن العلاقة وثيقة بين الدين والتاريخ، لأنها تمثل المقوم الأساسي للهوية الثقافية، وهي المرجعية الحقيقة للمجتمع الإسلامي، وتتضح العلاقة من خلال رؤية الإسلام للوجود الإنساني، فالدين يقدم تصوراً لبناء المجتمع البشري، وهو نظام يتضمن معتقدات تعزّر الإيجابي وتنبذ السلبي.. وهذا يفسر لنا الدور الأساسي للدين في الأزمات الكبرى.

بناءً على ذلك، ينظرُ الدين للتاريخ على إنه يستقرئ حياة المجتمعات في الماضي وما حدث بها ليجعل منها عِبرة، فيذكرُ رجل الدين أمثالاً في الماضي، ويضربون بها المثال على صحة أو خطأ الاتجاه الذي يسير صوبه المجتمع، ويستشرف للأمة  المستقبل، وبذلك يستطع الداعية وضع حلول مستقاة من الماضي تتناسب مع الواقع المُعاش، وتكمن اهمية هذه الحلول في مدى ضمان عدم تواجد هذه المشكلات في المستقبل.

أهمية دراسة التاريخ للداعية  

تكمن أهمية التاريخ في أنه أداة نوعيّة لإبراز القيم الايجابية، وبذلك يبرز دور الماضي في تكوين الشخصية السويّة، وبناءً على هذا يكون التأكيد على الرموز المهمة في التاريخ لتكون أسوة حسنة، ومن الجدير بالذكر ان فكرة التاريخ تعالج الأحداث التي تقع ضمن الواقع، في حين أن علم التاريخ يستند على العقل في النقد، والاستنتاج لتفسير الظواهر، وبذلك يخلق الوعي التاريخي، ويكون وثيق الصلة بين الإنسان والزمان.

من جهة اخرى، التاريخ هو القادر على أن يجعل الداعية يفهم ما يحيط به من أحداث حاضرة في ضوء الماضي، وهي أداة للداعية للجمع بين الأسباب والمقدمات والنتائج، لوجود تشابه في حياة الفرد والتاريخ الإنساني العام، ويُعتبر التاريخ للداعية جزءاً من ثقافته ويعينُه على استنباط الأحكام الفقهية مما تشابهه من مثيل في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للإحاطة بالأحكام الصحيحة. 

وقد اهتمَّ الدعاة بدراسة التاريخ، وذلك لإشارة نبيّنا العظيم لدور القرآن التاريخي بقوله: "القرآن فيه خبر من قبلكم، ونبأُ من بعدكم، وحكم ما بينكم". حيث جاء القرآن الكريم بأمثلة تاريخية عن الأمم الغابرة، وذكر حوادث الشعوب، وذلك لتأكيد العِبر الدينية، كما تناول القرآن الكريم التاريخ بنظرة عالمية تتمثل في توالي النبوات، وكان لذلك أثرة في الالتفات لتاريخ الأنبياء. 

لقد استمدَّ المؤرخون الكتابة التاريخية من منظور الفكر القرآني للتاريخ الذي سرد في كثير من آياته أخباراً عن الأمم السابقة لأخذ العظات "فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا".

ونختم هذا الحديث بالتأكيد على ضرورة علاقة علم التاريخ بالدعوة الإسلامية من حيث معرفة أساليب الدعوة ووسائلها ومشكلاتها في الماضي، وكيفية تعامل الداعي مع كل ذلك للاستفادة منه في الوقت المعاصر.