السلام في دعوة الإمام الحسين عليه السلام الإصلاحية

نزار قانصوه
الصورة: صلاح السباح

تعدّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام الإصلاحية من أهمّ النهضات التي ساهمت في تغيير وجه العالم , وهذه النهضة التي حصلت في عصر معين وفي زمان معين لازالت تتردد حتى عصرنا الحاضر مع كل طلعة شمس ووجهة حقّ.

فهل الإمام الحسين عليه السلام كان مسالمًا في دعوته للإصلاح أم اتخذ القتال وسيلة للإصلاح ؟

ليس من السهل تحديد مفهوم الإصلاح بشكله العام ولكن اذا أردنا ان نعرّف الإصلاح يمكننا ان نقول انه نقطة تغيير نحو الأفضل بين زمنين في منطقة محددة.

وهذا الإصلاح لا يأتي بالسهل إنما يحتاج الى نقطة للعبور أو إلى ثورة في منهج تغييري لأن التغيير لا يأتي إلا من خلال العقل أي تغيير الواقع التفكيري عند شعب معين وربما هذا التغيير يحتاج الى انقلاب او حدث جلل وتضحيات للوصول إليه.

ولا شكّ في أنّ الإمام الحسين في دعوته للإصلاح لم يخرج من أجل الاستيلاء والسلطة والحكم إنما هي دعوة من اجل النهضة الإنسانية الكبرى في كل أبعادها فمشروعه الإصلاحي لم يكن بلسان التهديد والترهيب إنما كان بلسان الحق والإسلام والسلام.

والقرآن الكريم أكد على موضوع السلام في الخطاب القرآني لأن أساس الدعوة الإسلامية هو تحقيق سبل السلام في العالم والكثير من الآيات المباركة حاكت موضوع السلام منها :

يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ﴿١٦ المائدة﴾

لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿١٢٧ الأنعام﴾

وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ ﴿٢٥ يونس﴾

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ ﴿٢٣ الحشر﴾

وانطلاقًا من القرآن الكريم كان الإمام الحسين مسالمًا في دعوته للإصلاح ولم يلجأ  للف والدوران والمكر والخديعة من اجل الاستيلاء على السلطة بل أتى بلسان النصيحة والتذكير، فهو عليه السلام الذي كان يقول في وصيته لأخيه محمد بن الحنفيه (إني لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد ان آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق والله أولى بالحق ومن رد عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين).

ومن الدلائل على أن ثورته كانت ثورة مسالمة انه لم يختر الكوفة من اجل ان يخرج أهلها من طاعة يزيد لطاعته فلا يريد ان يرغمهم على ذلك بل يريد أن يصلح في تفكيرهم من اجل امتناعهم بأنفسهم من القبول ببيعة يزيد, فهذا يدلّ على عظمة ورقيّ تفكير الإمام الحسين عليه السلام وأن دعوته قائمة على إصلاح النفوس من خلال السلام لا من خلال القتل والترهيب والتهديد.

إن الإصلاح الذي تحتاج إليه الأمة الإسلامية في هذا العصر خصوصًا هو الإصلاح الذي أعلن عنه الإمام الحسين عليه السلام السلميّ الشامل المشتمل القائم  على إصلاح العقيدة، وإصلاح الأخلاق والسلوك، وإصلاح الثقافة والفكر والمعرفة، وإصلاح السياسة، وإصلاح الاقتصاد، وإصلاح المجتمع، وإصلاح الإعلام, فكل هذه الإصلاحات إن دلت على شيء فإنها تدلّ على السلام الكامل النابع من أركان الإسلام وصولاً للهدف الأسمى ألا وهو تعزيز قيمة الإنسان باعتباره الهدف الأسمى لتحقيق إنسانية الإنسان من خلال بسط السلام في الأمة الإسلامية..