مواقف الرجال في الثورة الحسينية

صباح محسن كاظم

لعلّ أهم الخصال التي يتحلى بها الإنسان هو وقوفه لجانب الحق عند المنازلة والصراع بين أنصار الحق من الرسل والأنبياء والأئمة والصالحين وبين من يرتكن للباطل والظلم والشر، لاريب أن النصرة الإلهية والغلبة والسمو لفسطاط الحق وإن خسر المنازلة.. فالشهادة خلود ومنزلة لا ينالها إلا ذو حظ عظيم.

وفي أهم مفصل بتاريخ الإسلام بعد شهادة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. وشهادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، انعقدت الإمامة لسيد شباب أهل الجنة وهي المراتب الإلهية التي حباها الله لأهل البيت عليهم السلام. كما ورد عن قدوتنا محمد صلى الله عليه وآله، لذا اتّبعهم ووالاهم من كان يؤمن بالرسول العظيم وعاندهم وحاربهم وقاتلهم من الأوغاد والمنحرفين عن العقيدة والدين.

وفي كتاب مميز بطرحه ((مواقف الرجال في الثورة الحسينية)) تأليف مشترك بين " أ. د. عباس جبير سلطان التميمي - أ.د.انتصار لطيف حسن السبتي " صدر  في دمشق - دار تموز ٢٠١٩  بـ١٨٦ صفحة، بمباحث أغنت الموضوع بكل الجوانب تفصيليا ً تُعبر عن جهد علميّ دقيق بالتقصي الدقيق لكل حيثيات واقعة الطف تاريخياً بكل مواقف الرجال من نهضة الإمام الحسين الشهيد بكل مراحل الملحمة المقدسة.. حيث ورد بالمقدمة ص٧: ((تسلط هذه الدراسة الضوء على المواقف الثابتة والصادقة للرجال، وهم يعطون عهدهم إلى من وجدوه أهلا لقيادتهم، ممتزجة بقناعة لا يمكن فصلها، لهذا فقد ثبت هؤلاء ليصبحوا مدرسة يتوافد عليها من يريد أن يسجل له التاريخ سفراً من أسفاره الخالدة، وبالتأكيد فأن هذا الثبات على المبادئ ثمنه غالياً وهو التضحية بكل غالٍ ونفيس وفي مقدمة هذه التضحية هو الجود في النفس وهو غاية الجود)).

لاريب أن تلك الدراسات المهمة التي تفحص المواقف وتعيد تحليل الأحداث لتستنتج الضرورات القصوى من أهداف الملحمة الحسينية الخالدة.. وبالتالي تفهم الأجيال المعاصرة واللاحقة أن الصراع بين الحق والباطل يستمر ولا يخلد إلا من يتبع المنهج المحمدي العلوي الحسيني إلى يوم الموعود.. الذي تنتظر الشعوب طلته البهية لإنهاء الصراع بين أصحاب المسيرة الحقة، وبين أصحاب المطامع من الذين يستأثرون بالمال والمصالح الدنيوية.

وقد استعرضَ المؤلفان "التميمي -السبتي" مواقف الرجال من حِجر بن عدي بأول مبحث بالكتاب إلى موقف النصارى من ثورة الحسين، هذا السِفر القيّم النافع يحتاج معرفة حقيقية تاريخية وكتابة واقعية فلقد زيف أصحاب الزيغ من مؤرخي الانحراف الأموي للتاريخ الإسلامي، وبذلك حاولوا طمس الحقائق وإلباس الباطل ثوب الزيف وبرقع الخديعة التي انطلت - للأسف - على الاجيال بكل الأزمنة لذا ساهم الإعلام الأموي بتضليل الأمة والابتعاد عن الحقيقة التي لم تغب عن المؤرخين والباحثين والمفكرين الذين يتحلون بصدق القول، وحمل الأمانة التدوينية دون التدليس او التشويه للمعاني السامية للثورة الحسينية ورجالها بكل الأزمنة.. ففي دراسة الشخصية الأولى حجر بن عدي يؤكد المؤلفان في ص١١: ((وجاء موقف حجر بن عدي اتجاه ما يحصل ليثور على هذا التميز الذي كان منافياً للدين وتأكيداً للجاهلية والرجوع إليها، فانتفض على ممثل السلطة الأموية وواليها المغيرة بن شعبة في مسجد الكوفة متصديا ً له بقوله "إنا نشهد أن من تذمون وتعيرون لأحق بالفضل وأن من تزكون وتطرون أولى بالذم"  فكانت الرصاصة الأولى التي توجه إلى السلطة الأموية بأن الحق يعلو ولا يعلى عليه...)

وبالطبع هناك أيضاً من النساء العلويات ممّن تأسينَ بفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين أو بجبل الصبر زينب عليها السلام، وقد درس الدكتور عباس والدكتورة انتصار مزايا كل الشخصيات الشريرة اللئيمة المنحرفة.. التي ساهمت بأبشع فاجعة بتاريخ الإنسانية، بمباحث الكتاب وفق رؤية محايدة  لتقدّم للقارئ رؤية واقعية عن فسطاط الشر ودوافعه الآثمة التي تخلو من الرحمة بارتكاب آثام إبادة آل النبي الأبرار الأخيار من المنحرف شمر ذي الجوشن والعصابة التي انتهكت الحرمات والكرامات الذين سودوا صفحات التاريخ بفعلهم..

فيما قدّم المؤرخان رؤية للمواقف الأبيّة للأبطال مثل الحر وكل أنصار سيد شباب أهل الجنة، ثم بالفصل الأخير من صفحة ١٧٠-١٧٩ التعريف بمواقف جميع المدن التي مرَّ بها الركب الحسيني أو أنصاره سواء بمدن العراق أو الشام  من مدينة تكريت ورفض أهلها ما جرى لسيد الشهداء ثم مدينة لينا ومدينة الموصل ومواقف أهل مدينة نصيبين بالشام وعين الورد وقنسرين ومعرة النعمان وعشرات المدن التي يستعرضها المؤلفان تؤكد: وقوف سكانها ضد هذه البربرية والحماقة والاستهتار والعدوان والظلم الذي تعرّض له سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام.