مشاورة الناس

د. سعد عبد الحسين                                     

قال  رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): من شاور الناس شاركهم بعقولهم  وقال تلميذ النبوة امير المؤمنين (عليه السلام): ما  تشاور قوم الا وهدوا الى رشدهم. المشورة والاستشارة مطلوبة  لان كل انسان يرى وينظر الى الموضوع من زاويته. وبالأدب الانكليزي يقال:

Not everybody see the same picture

ليس كل انسان يرى نفس الصورة

وقد تنظر انت من الامام ولم تشاهد الخلف  وبالمشورة  سيتم التعبير عن الامر وزوايا الصورة كاملة من كل الجوانب.

المصيبة عند المؤمن عطاء الهي  لان المصيبة تنزل على قدر الايمان فاكثر الناس مصيبة هم الانبياء فالأولياء فالمثل فالأمثل كما ورد في الحديث الشريف . لذلك يقول الامام علي (عليه السلام) نحن نشكر الله في الضراء كما نشكره في السراء ففي عطاء الله نعمة التفضل وفي أخذ الله نعمة التطهير. بالمصيبة سوف يطهر المذنب من الذنوب وتتساقط سيئاته وسوف يثاب على صبره على المصيبة ودعائه لله تعالى لذلك قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):

عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤمنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَه

المرض تكفير للمؤمن وللكافر تعزير كما قال الامام الحسين (عليه السلام) المؤمن في المصيبة ينظر الى ما بقي عنده من نعم فيشكر الله تعالى عليها ويشعر باهميتها لذلك يصبر ويشكر وتهون عليه المصيبة. اما الكافر فينظر لما فقد ويأتي الشيطان ليهول له حجم ما فقد فيصاب بالاحباط والقنوط  وينسى بقية نعم الله عليه فيجزع وهنا سوف يعاقب لعدم الصبر. أذن كل انسان ينظر للمصيبة من زاوية.

قيل ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ذبح شاة ودعا المسلمون بعد الصلاة للاكل في بيته فجاءوا بعد الصلاة الى بيت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) واخذ يوزع الطعام ولما انتهى قالت له احدى زوجاته وهي تحمل ذراع الشاة لم يبقى من الطعام الا هذا كلٌ ذهبَ الا هذا. فقال لها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بل قولي كلٌ بقي الا هذا. اي ان كل الطعام ذهب للضيوف صدقة، الا هذه القطعة سوف نأكلها نحن فيذهب اجرها. أذن هي نظرت بمنظور الدنيا ورسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) نظر بمنظور البقاء والحسنات للآخرة.

ولكن السؤال هو مَن تستشير ومَن تشاور؟

المشورة يجب ان تكون اولاً عند انسان كبير في السن لان الحياة تعطيه دروس وتجارب وتطلعه على تجارب الاخرين ايظاً فتصبح لديه حكمة عالية ويبدأ عقله يسيطر تماماً على تفكيره وآرائه.

الانسان بمرحلة الطفولة يفكر بقلبه. اي ان العاطفة تسيطر عليه وهي عنده اقوى من العقل. بمرحلة الشباب يتنازع العقل والعاطفة والعاطفة دائما ً تغلبه لذلك قيل اذا بهدك امران  ولم تعرف الصواب بينهما فلاحظ ايهما اقرب الى هواك فخالفه فأن اكثر الصواب بخلاف الهوى .

الهوى من القلب الذي يميل الى العواطف اما العقل فيريد حقائق واقعية على الارض فيكون تقييمه للامور اصح. بمرحلة النضج الكامل اي بعد عمر الاربعين سنة تتكامل سيطرة العقل على تصرفات البشرية فيبدأ التصرف العقلاني تاما ولذلك قيل ان معظم الانبياء بعثوا بعد سن الاربعين اي بعد تكامل عقولهم. 

الشرط الثاني في المشورة هو ان يكون الشخص المستشار مؤمن لأن المؤمن ينظر بنور الله تعالى ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) اتقوا ظنون المؤمنين فأن الله جعل الحق على السنتهم. المؤمن ينظر نظره واقعية اما غير المؤمن فأن الشيطان يجعله ينظر للأمور نظرة زائفة فقد يبعد له القريب ويقرب له البعيد وقد يكبر له الصغير ويصغر له الكبير  لذلك لا يجعل اتباعه ينظرون لحقائق الامور.

الشرط الثالث للمستشار هو العِلم  لأن العلم يقدم  للمتعلِم تجارب الآخرين  وآراء العلماء قديماً وحديثاً فيوسع نظرته للحياة ويجعل المستشير أقرب للصواب.