دولة الأدارسة.. قبس من نور أهل البيت (ع) في المغرب العربي

سعد عبد الحسين
بزمن الدولة العباسية، قام بالمدينة الحسين بن علي بن الامام الحسن (عليه السلام) مع ثلاثة من اولاد عمّه، هم ادريس وعيسى  وسليمان ابناء عبد الله ابن الحسن (عليه السلام)  بثورة على حاكم المدينة في عهد الهادي العباسي حفيد المنصور.

خلعوا والي المدينة وسيطروا على المدينة وبموسم الحج ذهبوا الى الحج ولفتح مكة، فلقيهم جيش العباسيين هناك فقُتلَ الحسين بن علي واهل بيته واصحابه، وجمعت رؤوسهم، وكان مقتلهم بمكان يقال له فخ، على بعد ثلاث أميال من مكة، ورَثاهم دعبل الخزاعي في تأتيةٍ شهيرة:

أفاطم لو خلت الحسين مجدّلا ***وقد مات عطشانا بشط فرات

إذا للطمت الخد فاطم عنده*** وأجريت دمع العين في الوجنات

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي*** نجوم سماوات بأرض فلاة

قبور بكوفان واخرى بطيبة*** واخرى بفخ نالها صلواتي

واخرى بأرض الجوزجان محلها*** وقبر بباخمري لدى الغربات

وقبر ببغداد لنفس زكية*** تضمّنها الرحمن في الغرفات

اما ادريس فأنه هرب من واقعة الفخ الى مصر، ومنها الى المغرب العربي الاقصى، بمدينة تدعى وليلة، وكان فيها والي للعباسين ولكنه رحب بأدريس  واكرمهُ وخلع طاعة العباسيين، فاجتمع الناس على ادريس وبايعته القبائل المغربية كلها، فانتشرت دولته على كل المغرب وما حولها من المدن التي كانت مسيحية ويهودية،  فعظمت دولة الادارسة بالمغرب لحب الناس لاهل البيت النبوي الشريف.

ولما بلغت الاخبار الى الرشيد العباسي في بغداد خاف من تعاظم دولة الادارسة بالمغرب، وتعاطف الناس معهم، فارسل اليه رجل اسمه الشماخ  وزوده بالمال والسم، وأوصاه بالتظاهر بالتشيع للعلويين وان يتقرب من ادريس ثم يدس له السم، وفعلاً حدث ذلك ومات أدريس بالسُم سنة 175 هجري.

مات ادريس الاول ولم يترك ولداً سوى حملاً من احدى زوجاته البربريات، وكان له مولى اسمه راشد، وكان راشد هذا عاقلاً اميناً شجاعاً كريماً فقام بجمع المشايخ ووجهاء الناس وقال لهم:

علينا ان ننتظر المولود الجديد فأن كان ولداً نحسن تربيته حتى يبلغ مبالغ الرجال فنبايعه ببركة لآل البيت المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) وان كان انثى نظرتم لأنفسكم خليفة تختارونه من بينكم.

فقال المشايخ هذا رأي سديد وانت عندنا عوضاً عن ادريس الى ان تلد الجارية حملها ويكون ما اشرت عليه. وفعلاً ولدت الجارية ولداً سماه راشد ادريس الثاني وقام بتربيته احسن تربية فحفّظهُ القرآن الكريم حتى ختمه وهو بعمر الثمان سنوات وعلّمهُ علوم الحديث والفقه ودرّبهُ على ركوب الخيل والقتال والرمي بالسهام، ولم يبلغ احد عشر عاماً إلا وكان ادريس الثاني رجلاً بايعهُ اهل المغرب العربي جميعاً والتفَّ حوله الناس والقبائل العربية من افريقيا والاندلس.

ولما كثرت الوافدة عليه ضاقت به عاصمته وليلة، فبنى مدينة فاس وأنشأ فيها مدارس وجوامع واسواق، وقال للناس من بنى موضعاً وزرعه فهو له. فعظم ملك ادريس الثاني وازدادت شعبيته ومحبّته بين الناس فازدهرت بزمنه مدينة فاس، واتخذها عاصمة لملكه، وامتد ملكه لكل المغرب وبلاد الاندلس.

مات ادريس الثاني بعمر 36 سنة وترك 12 ولداً ذكراً فاعتلى كرسي الخلافة بعده ابنه الاكبر محمد الذي قسم البلاد على اخوته ومعهم امراء.

وهكذا ظلت دولة الادارسة بين ابناء ادريس الثاني واحفاده حتى عام 305 هجري اذ زحف عليهم جيش عبيد الله المهدي الخليفة الفاطمي الاول، فتوزع سلطان الادارسة بين الفاطميين والامويين في الاندلس، فقسم من المراكش سقط بأيدي الفاطميين والغربي بأيدي الامويين.

وللأدارسة في المغرب العربي اعمال جليلة فبهم نُشر الاسلام، وبلغ اقصى البلاد وازدهرت العلوم والحضارة، وبنوا المساجد والجامعات، وعمَّ في عهدهم الامن والرخاء، فحكموا زهاء 150 عاماً من سنة 803 الى سنة 949عاماً. وأسسوا مدينة فاس التي اصبح مسجدها مقدساً وشهيراً لدى الناس. وبنوا جامع القرويين المعروف اليوم بجامعة القرويين وهي جامعة دينية اسلامية مثل جامعة النجف بالعراق والازهر في مصر وجامع زيتونة في تونس.

................................................

المصدر/

كتاب دولة الشيعة للمرحوم محمد جواد مغنية.