المرجعية الدينية: مشروع السماء في زمن الغيبة

 

 دراسة تعنى بمعالجة الشبهات المثارة حول أصالة المرجعية الدينية وصلاحياتها

تأليف: ضياء السيد عدنان الخباز القطيفي

نشر: دار العابدين|  1438هـ -2016 م

        تتعرض مرجعيتنا الشريفة لحملات مسعورة في أعقاب النصر الذي تحقق على يديها بعد فتوى الدفاع الكفائي المباركة التي صدرت عنها. وهذه الأقلام المأجورة تنقسم عموما إلى نوعين: منها ما هو مؤطر بإطار لا ديني، وهذه أمرها مكشوف؛ ومنها ما هو مؤطر بإطار ديني، وهذه أشد خطرا من الأولى. ويقول المؤلف أنه تصدى لتلك الحملات على صعيدين: المنبر الحسيني والكتابة.

   وقد قسم المؤلف كتابه إلى محطات سبع: نشأة المرجعية وتاريخها، ضرورة التقليد وحدوده، أهمية المرجعية وخطورتها، صلاحيات المرجعية وأدوارها، المرجعية بين محاولات النقد والتسقيط، دور الحوزة العلمية في حفظ المعارف الإلهية، وأخيرا السيد الخوئي...شموخ في وجه الإعصار. وقد قسم كل محطة إلى عدة نقاط. وسنمر على أهم ما ورد في الكتاب.

    كان الغرض من المحطة الأولى تسليط الضوء على ما يتردد على ألسنة بعض المغرضين من أن المرجعية الدينية نظام اخترعه الشيعة الإمامية  في زمن الغيبة، وليس له جذور شرعية ولا دينية. وللجواب نقول أن هذا المشروع الإلهي رسمت أبعاده في القرآن الكريم وعلى أيدي أئمة أهل البيت الأطهار. ونجد إلماحات في القرآن لهذا المشروع في آيات مثل: (...فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)(النحل| 43) وفي آية النفر (... فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(التوبة|122).

وقد تصدى أئمة أهل البيت لرسم ذلك المشروع على مستويين: مستوى التنظير ومستوى التطبيق. أما بصدد التنظير، فقد حدد أئمة أهل البيت أشخاصا يتصفون بصفات محددة مثل الفقاهة ومعرفة أحاديث أهل البيت والنظر في حلالهم وحرامهم. وينبغي التركيز هنا على شؤون أربعة: الشأن الأول (حجية الفتوى) إذ قال الإمام العسكري(ع)(فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه). الشأن الثاني (نفوذ قضائه)، فقد قال الإمام الصادق(ع)(اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا ، فإني جعلته عليكم قاضيا). الشأن الثالث (ولاية التصرف في المجتمع الإسلامي)، فقد ورد عن الإمام الحسين(ع)(مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه)، كما ورد عن الإمام الصادق(ع)(الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك). الشأن الرابع (لزوم التسليم له)، فقد ورد عن الإمام الصادق(ع)(يُنظر إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله، وعلينا ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله، وهو على حدّ الشرك بالله).

    ولم يكتف أئمتنا(ع) بالتنظير، بل طبقوا مشروع المرجعية الدينية تطبيقا على بعض الأشخاص وأرجعوا الناس إليهم. وأمثلة ذلك كثيرة، منها : زرارة بن أعين الذي أرجع الإمام الصادق(ع) المرجعية إليه. يونس بن عبد الرحمن الذي أرجع الإمام الرضا المرجعية إليه. أبان بن تغلب الذي أرجع المرجعية إليه الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام). محمد بن عثمان العمري وأبوه اللذين أرجع المرجعية إليهما الإمامان الهادي والعسكري(عليهما السلام). أبو بصير الذي نص عليه الإمام الصادق(ع). محمد بن مسلم الذي نص عليه الإمام الصادق(ع). عبد الملك بن جريح الذي نص عليه الإمام الصادق(ع). زكريا بن آدم القمي الذي نص عليه الإمام الرضا(ع).

     وبذلك، فالاجتهاد بمعناه المعروف اليوم كان موجودا منذ زمن المعصومين(ع). ومن أدلة ذلك تدريب الأئمة(ع) أصحابهم على استنباط الأحكام، واهتمامهم(ع) بتعليمهم القواعد الكلية، وتصريحهم (ع) بعدم اعتبار شخص ما فقيها لمحض روايته عنهم، وأخيرا استفادة هؤلاء الأصحاب من القواعد العامة في مقام الإفتاء. وهذا ما أفادنا به أساطين الطائفة وجهابذة المذهب مثل السيد الخوئي(قدس سره) والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء(قدس سره) وغيرهما.

   وثمة هدفان من تأسيس المرجعية: الأول سد الفراغ الهائل الذي كان سيحدث عند غيبة الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف). أما الثاني، فإعطاء قوة للكيان الشيعي. فحذار من المهاترات ضد مرجعيتنا، والإصغاء لمن يحاول أن يوهن مقامها ويعترض على قراراتها.

 وعن ضرورة التقليد وحدوده، فلعراقة التقليد في تاريخ التشيع الدور الكبير في رد الشبهات بعدم جدواه. ويقول السيد الشريف الرضي(قدس سره)(والذي يدل على حسن تقليد العامي للمفتي أنه لا خلاف بين الأمة قديما وحديثا في رجوع العامي إلى المفتي....ومن خالف في ذلك كان خارقا للإجماع). وهنالك أقوال لشيخ الطائفة الطوسي(قدس سره) والشيخ علي بن بابويه القمي(قدس سره)والشيخ الحسن بن علي العماني(قدس سره) والشيخ الصدوق(قدس سره) وغيرهم.

  ولإثبات ضرورة التقليد، ثمة بيانان: البيان الأول التقليد ضرورة عقلية. ولذلك مقدمات أربع: الضرورة العقلية تعني حكم العقل بلزوم تحقق الشيء ووجوبه بالضرورة والحتم، كل مكلف يعلم بوجود نوعين من التكاليف في الشريعة المقدسة: التكاليف اليقينية والتكاليف النظرية، إذعان العقل  بعد الايمان، الامتثال والاعتناء بالتكاليف. البيان  الثاني: التقليد ضرورة عقلائية. ولذلك تفصيلات(لا يتسع المقام لذكرها).

  وهنالك بحوث أخرى يقدمها المؤلف مثل حدود مساحة التقليد، ومشروعية التقليد(وفيه رد على الإشكالات والشبهات)، وحاجة المعارف العقدية للتخصص.

وفي المحطة الثالثة: أهمية المرجعية الدينية وخطورتها وفيها يتناول المؤلف خمس نقاط: معنى المنصب الإلهي، موقعية منصب المرجعية بين سلسلة المناصب الإلهية، العلاقة بين المناصب الإلهية، خطورة المناصب الإلهية، ووظائفنا تجاه منصب المرجعية. وفي هذه الأخيرة، ثمة أربع وظائف: الوعي لمحاولات التسقيط والتوهين، (وفيه عدة أساليب)، والحذر من التصدي لما هو من شؤون الفقيه، والتشدد في تطبيق شرائط المرجعية، ولزوم الالتفاف حول المراجع العظام. ويسند الكاتب كل ذلك بأحاديث عن أئمة أهل البيت(ع).

   وفي المحطة الرابعة: لمن يعود حق تمثيل الدين؟، المرجعية ومنصب النيابة العامة، شمول المرجعية الدينية للمرجعية العقائدية، دور المرجعية في رعاية الوجود الشيعي، دور المرجعية عند تزاحم الملاكات.

وفي المحطة الخامسة: الأسس الموضوعية لنقد مواقف المرجعية، معالجة النقود الموجهة لمنصب المرجعية، قداسة الفتوى في الفكر الديني، المرجعية ونظرية المؤامرة، مواقف المرجعية في مواجهة الفكر المضاد، والمراجع العظام وروايات ذم علماء آخر الزمان.

وفي المحطة السادسة: الأسس العلمية للحوزة في حفظ الدين، دور الحوزة في حفظ الحديث، علم الرجال وقيمته الحوزوية، علم الأصول وقيمته الحوزوية، علم العرفان وقيمته الحوزوية، وعلم الفلسفة وقيمته الحوزوية.

 وفي المحطة السابعة: لماذا الدفاع عن السيد الخوئي(قدس سره)؟، السيد الخوئي بين مسيرتي العلم والمرجعية، علاقة السيد الخوئي بالقرآن الكريم، وتساؤلات حول فكر السيد الخوئي(وفيه دفع لبعض الشبهات حول فكر السيد الخوئي التي أثارها أحد المعاصرين على إحدى القنوات الفضائية).  

    ولا بد من القول أن قراءة بعجالة كهذه لا تغني البتة عن قراءة الكتاب بكامله. فقد وثق المؤلف كتابه بالآيات والأحاديث والمصادر. ومما يأخذ بلباب القارئ أسلوب الكاتب في طرح الشبهات والإشكالات ثم ردها بالاستناد إلى الأحاديث والروايات الموثقة.       

 

 

                                                       قراءة

                                                حيدر محسن الحلي