لوازم ما اتّصف به فاتح خيبر

خيبر عبارة عن منطقة زراعية في شمال المدينة المنورة وكان قاطنوها في عهد الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من اليهود وقد اتّخذوا عليها حصناً، وكانوا يعتدون على قوافل المسلمين رغم أن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)  عرض عليهم العيش المشترك بسلم وحسن جوار.
ولمّا بالغوا في عدائهم وتحالفوا مع أعداء المسلمين لتكوين جبهة عسكرية ضدّ المسلمين أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بردّهم عن طغيانهم وفتح حصن خيبر وكان ذلك في السنة السابعة للهجرة سنة 628 ميلادي، ولقد وصفَ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاتح خيبر وهو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) بأوصاف استحقّها دون غيره، فهل أنّ الذيْن سبقاه في قيادة معسكر المسلمين استحقّا عكس الصفات التي جاءت على لسان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حقّ عليّ (عليه السلام)؟
 
 يقول العلامة السيد محمد الكاظمي القزويني (قدس سره) في كتابه ردٌ على ردّ السّقيفة:
أما حديث الراية يوم خيبر فهو من الأحاديث المتواترة عند المسلمين عامة وقد أخرجه البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه والعسقلاني الشارح لصحيح البخاري والترمذي في صحيحه والحاكم في مستدركه والعسقلاني في إصابته وابن عبدالبرّ في استيعابه وأخرجه أحمد في مسنده والحلبي والسيد أحمد زيني دحلان في السيرة النبوية وابن كثير في البداية والنهاية وغير هؤلاء من مؤرخي السنة وحفّاظها فلا سبيل الى إنكاره.
وخلاصة هذه الغزوة على ما سجلها التاريخ أنه لمّا كان يوم خيبر أخذ الراية أبو بكر فرجع ولم يفتح، ولما كان من الغد أخذها عمر، فرجع ولم يفتح، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لأعطين الراية غداً الى رجل يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّار غير فرّار لا يرجع حتّى يفتح، فأعطاها علياً وكان الفتح على يده») فقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأعطين الراية غداً الى رجل يحبّ الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) نصّ في خلافته بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لدلالته على أنّ هذه الملكات والصفات لم تكن في أبي بكر ولا في عمر ولا في غيرهما من الصحابة أجمعين.
وإذا كان كذلك دلّ أبلغ الدلالة على أفضليته (عليه السلام) من أبي بكر وعمر، والأفضل أحقّ بالولاية العامة من غيره عقلاً ونقلاً، ولولا اختصاص عليّ (عليه السلام) بأقصى مراتب المحبّة لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعند الله وعند رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لزم إخراج جميع الصحابة وغيرهم عن هذه المحبّة، أو لَغَويّة التخصيص وعبثية الكلام من سيد الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعقل العقلاء الذي لا ينطق عن الهوى إن هو الاّ وحي يوحى.
وكل ذلك مما لا يليق بمنصب النبوة فلا يجوز حمل كلامه عليه، فإذا بطل هذا وذاك ثبت اختصاص عليّ (عليه السلام) بغاية هذه المرتبة وأنت إذا لاحظت قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كرّار غير فرّار دلّك ذلك على انتفاء هذين الوصفين عن أبي بكر وعمر وأشعرك بفرارهما وعدم كرّهما، وثبوت ذلك كله في عليّ (عليه السلام) خاصة، كما أنّ في تلافي عليّ (عليه السلام) واستيفائه ما فرّط به أبو بكر وعمر من واجب الجهاد والإقدام دلالة واضحة على امتيازه (عليه السلام) عليهما وانفراده بالفضل كلّه على من سواه، ولا مماراة في أنّ أقصى غاية المدح والتعظيم هو محبّة الله والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأحبّ إليهما أحقّ بالخلافة بل لا تجوز لغيره لقوله تعالى: «انّ أكرمكم عند الله أتقاكم» والأحبّ إليه لاشكّ في أنه أكرم الناس عنده.
وقال زين الدين أبي محمد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي في كتابه " الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم"
لقد ذكر مسلم والبخاري وغيرهما في أصحّ كتب القوم أنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال في خيبر لمّا فرّ الشيخان برايته: "لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، كرّار غير فرّار، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه، فدعا: إلي بعليّ فجيء به أرمد، فبصق في عينيه، فبرأتا وأعطاه الراية فمضى، وكان الفتح.
وقد عرض النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالهاربيْن بقوله (غير فرّار) وصرّح بمدحه في قوله (كرّار) وفي محبّة الله ورسوله التي هي عبارة عن كثرة الثواب، المستلزمة للأفضلية، المقتضية لثبوت الإمامة، ومحبّة الله وإن كانت لكل طائع إلا أنها تتفاوت فزاد الله عليّاً من فواضله بقطع شواغله، وتطهير باطنه، عن تعلقه بكدورات الدنيا ورفع الحجاب عن أحوال الأخرى.
قالوا: محبّة الله دليل فيها على نفي غيره من محبّته، لأنّه دليل خطاب، قلنا: لم يثبت تخصيصه بمجرّد القول، بل بحال غضبه عليه السلام عليهما.
وقد روى فرارهما وثباته الحافظ في حلية الأولياء عن سلمة بن الأكوع وابن حنبل في مسنده عن عبد الله بن الزبير وفي موضع آخر عن بريدة وفي موضع ثالث عن رجال شتى والبخاري في الجزء الثالث من صحيحه، ورواه مسلم في الكراس الأخير من الجزء الرابع والترمذي في الجزء الثالث وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي والثعلبي في تفسيره وابن المغازلي عن أبي هريرة تارة وعن الخدري تارة.
فعليٌّ الإمامُ الكرّار، حصل به الغنيمة وسرور النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأنصار، والهارب الفرّار حصل منه الهزيمة وغمّ النبيّ المختار، بظهور الكفار، وهذه صحاحهم تخبر إنما أحبّه الله لجدّه في الإقدام، وإخلاصه في جهاد الطغام.
يدلّ على ذلك قول الله سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ...»(التوبة 111) ثم أكّد ذلك بقوله: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ»(الصفّ 4) فأبان بما تحصل به محبّته، ثمّ أوضحها بقوله: «فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله...»(المائدة 54) ثم كشف في تمام الآية عن حال من يحبّ الله ويحبّه بقوله: «... وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (المائدة 54) وهذه نزلت في عليّ خاصّة.
ويقول السيد حامد حسين اللكنهوي في كتابه (نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار)
ففي حديث خيبر، فإنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعث أبا بكر إلى خيبر، فرجع منهزما ثم بعث عمر فرجع منهزما. فغضب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لذلك، فلما أصبح خرج إلى الناس ومعه راية وقال: لأعطينّ الراية اليوم رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله والرسول، كرّار غير فرّار، فعرض له المهاجرون والأنصار فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "أين علي؟". فقيل له: إنّه أرمد العينين، فتفل في عينيه، ثمّ دفع الراية إليه.
وذلك يدلّ على أنّ ما وصفه به مفقود فيمن تقدّم، فيكون أفضل منهما، ويلزم أن يكون أفضل من جميع الصحابة. والأفضل يجب أن يكون إماما. 
 
وتقول الباحثة (حسينة حسن الدريب) في كتابها "ولاية آل محمد (ص) بالعقل والنقل"
إنّ كلّ غزوة وسريّة ومعركة تسجّل للإمام علي (عليه السلام) فضيلة أو فضائل، وتسجل لمن قدّمهوهم عليه هزيمة أو رذيلة بل رذائل، وهذا ما أوردته كتب التاريخ والسير المعتبرة لدى أهل السنة.
فحديث الراية المشهور كما جاء في مسند احمد وغيره أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعث أبا بكر بالناس فانهزم حتى رجع, وبعث عمر فانهزم بالناس حتى رجع. أما الواقدي فقد أشفق أن يقرن اسم أبي بكر وعمر مع الهزيمة والرجوع دون فعل شيء لذلك روى الخبر هكذا: "دفع الرسول لواءه إلى رجل من أصحابه المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا، ثم دفعه إلى آخر فرجع ولم يصنع شيئا, فقال النبي لأعطين الراية غدا رجلا...".
ولا ينكر أحد من أهل الملّة قول الرسول هذا ولا ينكر واقعة إعطاء النبي الراية لعليّ بعد انهزام الشيخين, وبالرغم من كراهية القوم لعليّ، وحقدهم عليه، وبراعتهم بتحريف الوقائع التاريخية إلاّ أنهم عجزوا عن إخفاء تلك الحقيقة أو تحريفها. 
نستخلص من هذه الواقعة أشياء منها:
1- أنه يحبّ الله ورسوله ويحبّانه.
2- جبن الأصحاب وضعفهم ودوام انهزامهم وشجاعة وقوة الإمام (عليه السلام) حتى أنّ قوته كانت معجزة حين قلع باب خيبر، وهو باب لا يحركه أربعون رجلا.
3- تنبؤ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بذلك وهذا من علم الغيب عند الله بالنصر على يد الإمام (عليه السلام).
4- لفظ (كرّار غير فرّار) فهي صيغة (فعال) أي دائما وأبداً هو لا يفرّ من العدوّ كما فرّ غيره من الأصحاب في أحد وغيرها كما سنبين ذلك في محلّه إن شاء الله تعالى.