فاطمة الزهراء (ع) جوهرة النساء

الباحث: صباح محسن كاظم

الصورة: صلاح السباح

الكتابة عن الطاهرة المطهرة أم أبيها وروحه التي بين جنبيه فيها هالة من النور الإلهي لما من قدسية خاصة لسيدة نساء العالمين، بعبادتها، وتقواها، ومحبة رسول الله، والقرآن الكريم الذي أوصى بطاعة أهل البيت، فالزهراء عليه السلام هي الأم المقدسة للنسل الطاهر، تعجز كلمات الشعراء والأدباء بحقها، وما كتَب عنها من المسيحيين كسليمان كتاني، الفائز بالجائزة الأولى بالتأليف عن (فاطمة وتر في غمد) يفوق التصور برؤياه الحضارية عن الزهراء، وكذلك من علماء السنة، ومعظم الباحثين والمؤلفين من أتباع آل البيت لما حباها الله من خصال وسجايا ومناقب تستحق الذكر.

إن ربط الأجيال برموزها باستذكارهم ونشر مناقبهم وفضائلهم للإقتداء بالسيرة العطرة التي تتوهج ألقاً كلما نقبنا وفحصنا وتتبعنا ذكرهم الخالد.

المناقب بالقرآن والسنة النبوية

لعلّ معظم الآيات عن النبي وأهل البيت قد شملت الزهراء عليها السلام أم أئمتنا الأطهار، أم جبل الصبر زينب، إن التزام المرأة المعاصرة بخطى الزهراء قدم للبشرية خيرة النساء بكافة المجالات العلمية والفكرية  خلال قرون وعقود خلت.. حتى أن بعض المستبصرين بالمغرب كتبَ - كأدريس الحسيني والتيجاني - بفاطمة تشيّعتُ، فأكثر من 600 عالماً مستبصراً ذكر تأثره بالسيرة العطرة لسيدة نساء العالمين.

محطات عن كوثر الرسالة

إنّ الكوثر هو الخير الكثير، وهو يتناول بظاهره جميع نعم الله على النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) ولكن ما ذكر في أسباب النزول بالإضافة إلى الآية الأخيرة من سورة الكوثر يشيران بوضوح إلى أنّ هذا الخير يرتبط بكثرة النسل ودوامه، وقد عرف العالم كلّه أنّ نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد استمرّ من خلال ابنته الزهراء البتول كما صرّحت بذلك جملة من أحاديث الرسول  (صلى الله عليه وآله).

 وممّا رواه المفسّرون في هذا الصدد أنّ العاص بن وائل كان يقول لصناديد قريش: إنّ محمداً أبتر لا ابن له يقوم مقامه بعده، فإذا مات انقطع ذكره واسترحتم منه. وهذا قول ابن عباس وعامة أهل التفسير، وبالرغم ممّا ذكره الفخر الرازي من اختلاف المفسّرين في معنى الكوثر هنا فإنّه قد صرّح قائلاً : «  والقول الثالث : الكوثر أولاده .. لأنّ هذه السورة إنّما نزلت ردّاً على من عابه  (عليه السلام) بعدم الأولاد، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان (ثم قال): فانظرْ، كم قُتل من أهل البيت ؟! ثمّ العالم ممتلئ منهم ولم يبق من بني اُمية في الدنيا أحد يعبأ به، ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام) والنفس الزكية وأمثالهم. 

وتدلّ آية المباهلة على أنّ الحسن والحسين ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما دلّت النصوص المتضافرة عن الرسول (صلى الله عليه وآله) على أنّ الله تعالى جعل ذريّة كلّ نبيّ في صلبه وجعل ذريّة الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله) في صلب علي بن أبي طالب  (عليه السلام) وروت الصحاح عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال للحسن بن علي  (عليهما السلام): «إنّ ابني هذا سيّد، ولعلّ الله يصلح به بين فئتين عظيمتين».

الزهراء (ع) في سورة الدهر

مرض الحسن والحسين فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ناس معه فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك، فنذر عليّ وفاطمة وفضّة ( وهي جارية لهما  ) إن برئا ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام، فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض عليّ (عليه السلام) من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة  (عليها السلام) صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صياماً، فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك، فلمّا أصبحوا أخذ عليّ (رضي الله عنه) بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع قال: ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم ! وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك، فنزل جبرئيل ثم قال: خذها يا محمّد هنّأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة.

فالزهراء ممّن شهد الله لها بأنّها من الأبرار الذين يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً، وممّن يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً، وممّن يطعمون الطعام على حبّه، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وأنّهم إنّما يطعمون لوجه الله لا يريدون منهم جزاءً ولا شكوراً، وأنّهم ممّن صبروا في ذات الله .. وأنّهم ممّن وقاهم الله شرّ ذلك اليوم العبوس القمطرير.. ولقّاهم نضرةً وسروراً، وجزاهم بما صبروا جنةً وحريراً.

 الزهراء (ع) في آية التطهير

 لقد نزل الوحي بآية التطهير على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في بيت اُم سلمة ـ  رضوان الله عنها ـ وذلك حينما كان قد ضمّ سبطيه ـ الحسن والحسين ـ وأباهما واُمّهما إليه ثمّ غشّاهم ونفسه بالكساء تمييزاً لهم عن الآخرين والنساء، فنزلت الآية: ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) وهم على تلك الحال، ولم يقتصر (صلى الله عليه وآله) على هذا المقدار من توضيح اختصاص الآية بهم حتى أخرج يده من تحت الكساء فألوى بها الى السماء فقال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، يكرّر ذلك واُم سلمة تسمع وترى، وجاءت لتدخل تحت الكساء قائلة: وأنا معكم يا رسول الله، فجذبها من يدها وقال: لا، إنّك على خير وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد نزول الآية كلّما خرج إلى الفجر يمرّ ببيت فاطمة فيقول: الصلاة يا أهل البيت إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً، مستمراً على هذه السيرة ستة أو ثمانية أشهر ودلّت الآية المباركة على عصمة أهل البيت من الذنوب فإنّ الرجس هو الذنب، وقد صُدِّرت الآية بأداة الحصر فأفادت أنّ إرادة الله في أمرهم مقصورة على إذهاب الذنوب عنهم وتطهيرهم منها، وهذا هو كُنه العصمة وحقيقتها، وقد أورد النبهاني عن تفسير الطبري هذا المعنى بشكل صريح.  
مودّة الزهراء (ع) أجر الرسالة

وروى جابر (رضي الله عنه) أنّ أعرابياً جاء إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمّد! أعرض عليّ الإسلام، فقال: تشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله، قال: تسألني عليه أجراً ؟

قال: لا إلاّ المودّة في القُربى، قال: قُرباي أو قرباك ؟ قال: قرباي، قال: هاتِ اُبايعك، فعلى مَن لا يحبّك ولا يحبّ قرباك لعنة الله.

وفسّر مجاهد هذه المودّة بالاتّباع والتصديق لرسول الله وصلة رحمه، وفسّرها ابن عباس بحفظه في قرابته.

وذكر الزمخشري أنّ هذه الآية لمّا نزلت قيل: يا رسول الله مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم ؟ قال: عليٌّ وفاطمة وابناهم. 

الزهراء (ع) في آية المباهلة

أجمع أهل القبلة حتى الخوارج منهم على أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لم يَدْعُ للمباهلة من النساء سوى بضعته الزهراء ومن الأبناء سوى سبطيه وريحانتيه الحسن والحسين (عليهما السلام) ومن الأنفس إلاّ أخاه عليّاً (عليه السلام) الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى، فهؤلاء أصحاب هذه الآية بحكم الضرورة التي لا يمكن جحودها لم يشاركهم فيها أحد من العالمين، كما هو بديهيّ لكل من ألمّ بتاريخ المسلمين، وبهم خاصّة نزلت لا بسواهم. 
 
لقد باهل النبيّ (صلى الله عليه وآله) بهم خصومه من أهل نجران فانتصر عليهم ، واُمّهاتُ المؤمنين كنّ حينئذ في حجراته (صلى الله عليه وآله) فلم يدعُ واحدةً منهنّ، ولم يدع صفيّة وهي شقيقة أبيه، ولا اُمّ هاني وهي كريمة عمّه، ولا واحدةً من نساء الخلفاء الثلاثة وغيرهم من المهاجرين والأنصار.

 كما أنّه لم يدعُ مع سيديّ شباب أهل الجنة أحداً من أبناء الهاشميين ولا أحداً من أبناء الصحابة، وكذلك لم يدع مع عليّ أحداً من عشيرته الأقربين ولا واحداً من السابقين الأوّلين، وإنّما خرج وعليه مرط من شعر أسود ـ كما يقول الرازي في تفسيره ـ وقد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمِّنوا، فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى ! إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً لأزاله بها، فلا تباهلوهم فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ الى يوم القيامة.

قال الرازي بعد نقل هذا الحدث: هذه الآية دالّة على أنّ الحسن والحسين  (عليهما السلام) كانا ابني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وَعَدَ أن يدعو أبناءه فدعا الحسن والحسين (عليهما السلام) فوجب أن يكونا ابنيه.

لقد احتلّت فضائل الصدّيقة الزهراء عليها السّلام موقع الصدارة في عالم الفضائل، وأخذت مساحةً مباركة في الحديث النبويّ الشريف.. وقد دوّنها كلُّ المحدّثين والمؤرّخين والمفسِّرين والإعجاب يتملّكهم من هذه المرأة التي فاقت جميع النساء من الأوّلين والآخِرين وفي جميع المناقب والمنازل والمزايا.

باقة زاكية من الزهور النبويّة المُهداة إلى فاطمة (ع) مقتطفة من كتب العامّة
-مفتاح النجاء في مناقب آل العباء، للمحدّث محمّد بن رستم البدخشانيّ (ت 1141هـ) من أعلام السنّة في القُطر الهنديّ ( ق 11 ، 12 هـ ) بإسناده عن الإمام عليّ عليه السّلام، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لفاطمة: يافاطمة، إنّ الله ليغضبُ لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها 
-نُزُل الأبرار بما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار للبدخشانيّ وبإسناده عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أفضل نساء أهل الجنّة: خديجة بنت خُوَيلد، وفاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله.

-وعن سلمان الفارسيّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا سلمان، مَن أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنّة معي، ومَن أبغضها فهو في النار.

 يا سلمان، حُبّ فاطمة ينفع في مئةٍ من المواطن، أيسر تلك المواطن: الموت، والقبر، والميزان، والمحشر، والصراط، والمحاسبة. فمَن رضِيَتْ عنه ابنتي فاطمة رضِيتُ عنه، ومَن رضيتُ عنه رضيَ اللهُ عنه، ومَن غضِبت عليه ابنتي فاطمة غضبتُ عليه، ومَن غضبتُ عليه غضب الله عليه. يا سلمان، ويلٌ لمَن يظلمها ويظلم بَعلَها أميرَ المؤمنين علياً، وويلٌ لمَن يظلم ذريّتَها وشيعتها).
مقتل الحسين عليه السّلام للحافظ أبي المؤيد الموفّق محمد بن أحمد المكّيّ الخوارزميّ (ت 568 هـ) بإسناده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لعبد الرحمان بن عوف:
لو كان الحلمُ رجلاً لكان عليّاً، ولو كان العقل رجلاً لكان حَسَناً، ولو كان السخاء رجلاً لكان حسيناً، ولو كان الحُسْن شخصاً لكان فاطمة.. بل هي أعظم. إنّ فاطمة ابنتي خير أهل الأرض: عنصراً وشرفاً وكرماً.

وبإسناده عن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: نزل مَلَكٌ من السماء، فاستأذن اللهَ تعالى أن يُسلّم علَيّ، لم ينزل قبلَها، فبشّرني أنّ فاطمة سيّدةُ نساء أهل الجنّة (كنز العمّال في سُنن الأقوال والأفعال) لعلاء الدين عليّ بن حسام المتّقي الهنديّ (ت 975هـ) عن الإمام عليّ عليه السّلام، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لفاطمة سلام الله عليها: (ألاَ ترضين أن تكوني سيّدةَ نساء أهل الجنّة، وابناكِ سيّدَي شباب أهل الجنّة).
(ميزان الاعتدال في نقد الرجال) للحافظ المؤرّخ شمس الدين محمّد بن أحمد الذهبيّ (ت 748 هـ) روى بإسناده عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام، حدّثني أبي، حدّثنا جعفر بن محمّد عن أبيه، عن جابر الأنصاريّ مرفوعاً إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله:
لمّا خلق اللهُ آدم وحوّاء تبخترا في الجنّة وقالا: مَن أحسنُ منّا.. فبينما هما كذلك إذ هما بصورة جارية ( أي بنت ) لم يُرَ مِثْلُها، لها نور شعشعانيّ يكاد يطفئ الأبصار، قالا: يا ربّ، ما هذه ؟ قال: صورة فاطمة سيّدة نساء ولْدك. قال: ما هذا التاج على رأسها ؟ قال: عليٌّ بعلها. قال: فما القِرطان؟ قال ابناها.. وُجِد ذلك في غامض علمي قبل أن أخلقك بألفَي عام.
مسند أحمد ابن حنبل الشيبانيّ المروزيّ أحد أئمّة أهل السنة الأربعة (ت 241هـ).
بإسناده عن عبدالله بن الزبير قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّما فاطمة بضعةٌ منّي، يُؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها (أسنى المطالب في فضائل عليّ بن أبي طالب للمحدّث إبراهيم بن عبدالله اليمنيّ الشافعيّ، المعروف بـ « الوصّابيّ » روى بإسناده عن بُرَيدة، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لعليّ وفاطمة ليلة البناء (أي الزواج والزفاف): (اللهمّ باركْ فيهما، وبارك عليهما، وبارك نسلَهُما).

وهكذا يظهر من هذه الروايات، التي هي غيض من فيض، مدى تعظيم الرسول المصطفى صلّى الله عليه وآله لشأن ابنته فاطمة الزهراء عليها السّلام لأنها المعصومة، القديسة، الطاهرة، أم الأئمة، التي لها مكانتها وتخصيصها من بين سائر النساء؛ وذلك لمعرفته صلّى الله عليه وآله بفضائلها أوّلاً، وثانياً لِما أُمر به مِن الله جلّ وعلا ببيان ذلك للناس، كي يُوالوها ويتولَّوها، ويوقّروها ويُحبّوها. وهي سر من اسرار الله. وليّة الله والشفيعة يوم المحشر، وسبب السعادة بل من أسمى أسباب نوال مرضاة الله تبارك وتعالى.

فما أحرى بالأمّة أن تفتخر بها، وتقتدي بها، وتنشد فضائلها ومواقفها، وتتشرّف بذِكْرها والولاء لها، وتتباهى بشخصيتها في المحافل العالميّة؛ إذ هي القدوة الكبرى والأسوة العظمى..