التجارة عند الامام علي عليه السلام

د. نمارق العكيلي

يعتمد الانسان في كسب قوته وتوفير كافة احتياجاته على بذل جهده في استنبات الزرع وإجارة نفسه للقيام بمختلف الاعمال والحرف والاتجار بما يمتلكه ومبادلته مع الآخر بعين او نقد بهدف تحفيز النشاط الاقتصادي.

وتعد التجارة واحدة من أبرز الأنشطة الإنسانيّة الاقتصاديّة قديماً وحديثاً، فهي العمليّة التي يتم من خلالها تلبية احتياجات الأفراد المادية من بضائع ومقتنيات، ومن عصر إلى آخر تطوَّرت العمليّة التجاريّة من حيث الشكل بل وحتّى المضمون.

وان من غير الممكن تصور العالم بدون التبادل التجاري سواء كان ذلك على صعيد الدول المتقدمة او النامية، كما ان الآراء التي تشير الى ان قيام التبادل التجاري يعود بالربح لدولة ما على حساب دولة أخرى واجه انتقادات عدة بل اثبت المتخصصون ان التبادل التجاري يعود بالنفع لكلا الطرفين لانه يعمل على امتصاص الايدي العاطلة عن العمل مما يساهم في تقليل معدلات البطالة وتحسين المستوى المعيشي للافراد ويساعد في عملية تبادل الخبرات بين الدول المتاجرة وبذلك تساهم التجارة بدفع عجلة التنمية الاقتصادية الى الامام.

ولا بد من الاشارة الى ان عملية التبادل التجاري خاضعة لمجموعة من الإجراءات والقوانين التي تضعها الدولة بغرض تحقيق اهداف عدة منها مالية – اجتماعية – اقتصادية – استراتيجية، ضمن ما يعرف بالسياسة التجارية، كما يمكن تعريف السياسة التجارية على انها مجموعة من الوسائل التي تلجأ اليها الدولة للتدخل في التجارة بغية تحقيق اهداف معينة خلال مدة زمنية معينة.

والتجارة هي واحدة من النشاطات الاقتصادية المهمة على مختلف الأزمنة بالاضافة الى الزراعة والصناعة، وقد أولى الإسلام أهمية بالغة لهذا النشاط كونها توفر فرصا أسرع وأسهل وأكبر للربح وتساهم في تعارف الشعوب وتمازجها وتبادل الخبرات وهذه المزايا في التجارة لا تتوفر في بقية الأنشطة الاقتصادية، فقد حث القران الكريم على التجارة وورد ذكرها في عدد من الايات القرآنية منها " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا "، وكذلك في قوله تعالى "إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ" ﴿٢٨٢ البقرة﴾، "إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ" ﴿٢٩ النساء﴾، "يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ" ﴿٢٩ فاطر﴾، كما أولى الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله اهمية بالغة بالتجارة.

 فضلا عن ذلك فإن التراث الإسلامي يشير الى وجود عشرات الاحاديث المتواترة عن الامام علي عليه السلام وتأكيده على ممارسة مهنة التجارة والتكسب من حلالها، فقد ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) في حديث له ان امير المؤمنين (عليه السلام) قال للموالي " اتجروا بارك الله لكم، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول الرزق عشرة أجزاء تسعة أجزاء في التجارة وواحد في غيرها".

 وعنه (عليه السلام) أنّه قال: "من توفيق الحرّ اكتسابه المال من حلّه"، كما روي عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جدّه، عن علي (عليهم السلام) قال: "الاكتساب من الحلال جهاد، وإنفاقك إيّاه على عيالك وأقاربك صدقة، ولدرهم حلال من تجارة أفضل من عشرة حلال من غيره"، وورد عن محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم رفعه، قال: قال علي (عليه السلام): "ما أجمل في الطلب من ركب البحر للتجارة"، كما ورد عن عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ المحترف الأمين".