التنمية البشرية في فكر اهل البيت عليهم السلام

م.د خديجة حسن علي القصير

يعد مفهوم التنمية من بين اكثر المفاهيم جدلا من قبل التيارات الفكرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكل منها يتناوله وفق رؤيته التي تختلف باختلاف الميادين والمناهج العلمية الخاصة بها. التنمية البشرية ﻤﺼطﻠﺢ ﻗدﻴم، ﺠدﻴد وﻴﻌد ﻤن أكثر المصطلحات ﺘداوﻻ، يعود مفهوم لفظة التنمية في تعبيره في اللغة العربية الى انه مشتق من كلمة (نمى) بمعنى الزيادة والانتشار، أي مأخوذة من نما ينمو نمواً بمعنى الزيادة في الشيء، فيقال مثلاً نما المال نمواً. وتوضع كمقابل لكلمة development في اللغة الانكليزية وهي ترجمة غير حرفية والتي تعني التطوير في مختلف الأبحاث والدراسات.

أما من الناحية الاصطلاحية فتختلف أراء الباحثين بشأن المصطلح وتعريفه كاختلافهم من ناحية مفهومها فهناك من ينسب كلمة التنمية باستعمالها لأول مرة من قبل (يوجين ستيلي) حين أقترح خطة لتنمية العالم سنة 1889 لأجل معالجة الأوضاع السياسية في تلك الفترة الزمنية.

في حين يرجعه البعض الى مفهوم "التنمية البشرية" عبر أدبيات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ وذلك منذ إصدار تقرير التنمية البشرية الأول عام 1990، وحسب برنامجها الإنمائي الذي يتسع مفهوم التنمية فيه الى ثلاثة ابعاد هي: تكوين القدرات البشرية، مثل تحسين الصحة وتطوير المعرفة والمهارات؛ استخدام البشر لهذه القدرات في الاستمتاع، أو الإنتاج – سلعاً وخدمات- أو المساهمة الفاعلة في النشاطات الثقافية والاجتماعية والسياسية؛مستوى الرفاه البشري المحقق، في إطار ثراء المفهوم المبين.

شهدت التنمية البشرية تطورات تاريخية عديدة طرأت على مفهومها تحولت من خلاله من افكار التنمية من المفهوم الكلاسيكي الذي ركز على النمو الاقتصادي الى مفهوم التنمية البشرية المستدامة الذي ركز على الوجه الانساني للتنمية وهموم الناس وحقوقهم وواجباتهم الاقتصادية والاجتماعية. حيث اهتم الفكر التنموي على معالجة المشكلات الاقتصادية التي انبثقت عن خصائص وواقع حياة الدول دون ان تتعامل مع الانسان كمستهلك ومنتج او فيما يتعلق باحتياجات غالبية الناس.

واعيد مفهوم التنمية بطرق شتى ليعكس التداخل بين الجوانب الاقتصادية والجوانب الاجتماعية في حياة الناس، وما توصل اليه الفكر الاقتصادي في نظرته الى التنمية الشاملة كمحاولة للهروب من المفهوم التقليدي الضيق، وادخال القيم غير الاقتصادية في التعريف والنماذج والسياسات التنموية. وجاء مفهوم التنمية البشرية المستدامة ليمثل انتقاله من التنمية الشاملة المحدودة المعالم والاهداف الى تنمية بشرية ذات صفة توزيعية للمنافع ومؤكدة على حقوق الاسنان وخياراته ، وبهذا فالتنمية البشرية هي منهج يهتم بتحسين نوعية الموارد البشرية في المجتمع مع تحسين النوعية البشرية نفسها.

والذي يلفت الانتباه ان عالمنا اليوم يهتم بحقل التنمية البشرية ويوليه اهتماما واسعا ويفتح له المعنيين جامعات متخصصة تدرسه كمنهج اكاديمي ذو تأثير في افراد المجتمع، والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هل ان التنمية البشرية هي من صنائع الغرب وان المسلمين انما اخذوها منهم وعملوا على تطبيقها في مناهجهم ومؤسساتهم؟ والجواب عن هذا السؤال هو كلا التنمية البشرية لم تكن في يوم ما من ابتداع الغرب وانما موجودة في الفكر الاسلامي وجاء ذكرها في القرآن الكريم ولكن لم يأتي ذكرها صراحة وانما يمكن استنباط بعض مفرداتها من المفردة القرانية كما هو الحال في مفهوم التزكية الوارد في قوله تعالى (قد أفلح من زكاها)  والتربية في قوله تعالى: (وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا) ، وفي قوله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا)  فهو توجيه بضرورة ترشيد الاستهلاك والانفاق وعدم مجاوزة الحد الطبيعي في النفقة ليصل الفرد الى مستوى افضل ويتجاوز بعض ضوائقه المالية وغيرها.

ويزخر فكر اهل البيت عليهم السلام بالعديد من الامثلة الحية لمفهوم التنمية البشرية وتطبيقاته في حياتنا فهاهو رسولنا الاعظم وقدوتنا محمد صل الله عليه وآله وسلم يقول: ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً  لعل الله يرزقه نسمة تثقل الأرض بلاإله إلا الله  وفي هذا تنمية على اساس النوع وتحسين النسل والاكثار من العدد.

الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام يعطينا درسا تنمويا غاية في الاهمية عن تطوير الذات وكيفية تنظيم وقتنا واستثماره استثمارا امثل في قوله عليه السلام:" اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان، والثقات، الذين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها لذاتكم في غير محرم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات "ويعد الامام الصادق عليه السلام قدوة ومثالا تنمويا تجلت من خلاله انسانية المدرسة الصادقية المباركة فهو عليه السلام لم يهمل احدا بسبب اختلاف او انحراف بل افاض من علومه على الجميع حسب استعدادهم وطاقاتهم الاستيعابية فقد انتج معرفيا ما يفتح امام الامة الافاق ويحقق طموحات الوصول كما اهتم بالتوجيه الى ما فيه سلامة الدنيا والاخرة فوازن بين اتجاهي العلم والعمل ولم يقتصر على احدهما ليؤكد ضرورة المحافظة على تفعيل دورهما والا يهمل الانسان الدنيا لانه كما قال عليه السلام:" نعم العون الدنيا على الآخرة".

مما تقدم نستطيع ان نصف التنمية البشرية بأنها عملية توسيع الحريات الحقيقية التي يتمتع بها الناس وتتضمن الحريات؛ الحرية ضد التمييز، والتحرر من العوز، والتحرر لتحقيق الذات الإنسانية، والتحرر من الخوف، والتحرر من الظلم،  وحرية المشاركة والتعبير، والانتماء السياسية وحرية الحصول على عمل. وبهذا فلابد ان يكون الانسان هو الوسيلة والهدف النهائي للتنمية البشرية، ولابد أن تصب كل حصيلة انجازاتها لصالحة فهو خليفة الله في الأرض وهو الذي كرمه وفضلة بقوله تعالى:" ولقد كرمنا بني آدم... "

_______________________

 

المصادر/
د. نصر عارف ، مفهوم التنمية http:llwww. Islam on line . net . 2001    ،ص13.

رياض حمدوش ، مفهوم التنمية السياسية وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية، معهد الميثاق،ص3

رياض حمدوش ، مفهوم التنمية السياسية وعلاقتها بالتنمية الاقتصادية،ص3.

أسعد جواد كاظم، التنمية البشرية المستدامة ودعوة الفكر الاقتصادي إلى رحاب الإنسانية،جامعة البصرة، كلية الإدارة والاقتصاد، 2002، ص1.

سورة الشمس، الآية:9.

سورة الإسراء، الآية:24

سورة الاعراف، الآية:31

العاملي، وسائل الشيعة: كتاب النكاح، أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ح2، ص3.

الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول، الناشر: مؤسسة الأعلمي، بيروت، 2002، ص302

محمد صادق السيد محمد رضا الخرسان، الامام الصادق عليه السلام والتنظير للتنمية البشرية، ط3، مطبعة الكلمة الطيبة، النجف الاشرف، 2014، ص92-93.

سورة الاسراء، الآية: 70.