أبعاد الرسالة الاسلامية / الجزء الأول

• الباحث السيد عبد اللطيف المغربي

 إن الحديث عن الاسلام بكونه رسالة سماوية الى البشرية جمعاء يدفع بنا بلحاظ منطقي الى القول أن اهمية الرسالة التي تدّعي الاصلاح او التغيير سواء على الصعيد الاجتماعي ، السياسي ، التربوي أو الحضاري و الشمولي  تكمن من خلال رصد أمرين اثنين :                                   

 الاول: الأبعاد التي تنطوي عليها ومدى عقلانية وعقلائية تلك الابعاد وواقعيتها.                                                                          

 الثاني: مدى تناسب وسنخية تلك الابعاد مع  حاملها والداعي اليها.                  

فالرسالة الاسلامية هي الرسالة التي ارتضاها الله لعباده أجمعين،حيث  شملت جميع الكلمات الوجودية ،واستوعبت كل مجالات الحياة،وآفاق الاخرة.

ونظرا لهذه الخصوصيات والاهداف السامية كانت ولابد ان تكون أبعادها مناسبة ومتوافقة مع هذه الخصوصيات التي ميزتها عن كل الرسالات السماوية السابقة، والاطروحات الوضعية القديمة والجديدة، فامتازت الرسالة بأبعادها وكمال حاملها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيث كانت السنخية بين الرسالة الكاملة والانسان الكامل.

البعد العالمي

و قد عبرت رسالة الإسلام عن عالميتها من خلال الآيات الشريفة حيث يقول الله تعالى في محكم كتابه } وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ{(الأنبياء/107)، فالاسلام جاء مثبتا للثوابت في الرسالات السماوية السابقة والذي يكمن في البعد التوحيدي حيث دعا النبي الاكرم – صلى الله عليه وآله وسلم- إلى توحيد الله عزوجل كما دعا كلا من نوح وابراهيم وموسى وعيسى- عليهم السلام -  وباقي قافلة النبوة والرسالة على مدى التاريخ البشري} قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِي{(الانعام/162)} لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى‏ قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظيمٍ{(الأعراف /59)} وَ إِلى‏ عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ  {(الأعراف/65)} وَ إِلى‏ ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ في‏ أَرْضِ اللَّهِ وَ لا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَليمٌ{(الأعراف / 73)} وَ إِلى‏ مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْميزانَ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ{(الاعراف /85)} وَ إِلى‏ عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ { (هود /  50)} وَ إِلى‏ ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَريبٌ مُجيبٌ {( 61/هــــــــــود)} وَ إِلى‏ مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَ لا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَ الْميزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحيطٍ{ (هود/84 ) وكذلك استخدامه لفظ الناس في خطاباته لبيان أن هذه الرسالة للناس جميعا لا للعرب أو الفرس او اي قوم وأن التفاضل يكون بالانتماء الى هذه الرسالة والعمل الصالح، قال عزوجل في كتابه الحكيم } يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُمْ وَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ (البقرة/ 21)} يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبينٌ{(168 /البقرة )} يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً وَ نِساءً وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقيباً {(النساء /  1)} إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنينَ خَصيماً  {(النساء/ 105)} يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبيناً {(النساء/174) اعترافه بالديانات السابقة ويتمثل ذالك في الحفاظ على الكنائس وغيرها، وخير دليل على ذالك بقاء الديانات السماوية الى وقتنا الحاضرفي البلدان التي حكمها الاسلام.

التفاضل بالاعمال الصالحة وليس الانتماء العرقي او اللغوي،فقد نصت الاية الكريمةان ملاك التفاضل هو التقوى قال -عزّوجلّ-:

}يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى‏ وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ { (الاية /13الحجرات).

 

البعد الإنساني

فالإنسان هو محل خطاب وحي السماء , والوصول به الى الكمال الحقيقي هو  مدار اهتمام المرسلين والأنبياء عظَّم القرآن شأن الأمانة  التي حملها الانسان وأوضح أهميتها حيث قال عز وجل:

} إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً {( سورة الأحزاب / 72)كرم الله النوع البشري وميزه على سائر مخلوقاته } وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً  {(الإسراء/70) فمراعاة البعد الإنساني في شريعتنا يتقدم على  كل الأبعاد , حتى دعت الشريعة إلى كل ما يحفظ كرامة الإنسان – حيا وميتا – , ومنعت كل مايستنقص منهاوقال تعالى} وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{ (الأنعام /151) و لقد جسد النبي الاكرم تكريم الانسان بشكل عملي في كل مسيرة حياته يروى انه (صلي الله عليه واله وسلم)أنه قام لجنازة مرت أمامه , فقيل له : إنه غير مسلم , فقال صلي الله عليه واله : ( أو ليس إنسانا ). البخاري باب الجنائز.

و قال أمير المؤمنين علي –عليه السلام – :الناس أحد أخوين : أخ لك في الدين أونظير لك في الخلق.

والرسالة الاسلاميةهدفها تحقيق وحدة إنسانية ذات قبلة واحدة، تؤمن بتعدُّد الثقافات، والعادات، والأجناس، والأعراق، إيماناً بتقدير الحكيم العليم، مما أثر إيجاباً على محاربة السخرية والتفاضل باللون، والجنس، والقبيلة، وكافة ألوان الهدم للبناء الوحدوي} ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون{ •} يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحيمٌ { • } يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى‏ وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ{(الحجرات/ 11-13) و  قال الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا فرق بين عربي وأعجمي وأحمر وأبيض إلا بتقوى الله سبحانه).

 ويتجلّى هذا البعد في عدة مجالات سنتعرّض لها في الجزء القادم من البحث إن شاء الله.

--------------------------------------------------------- 

المصدر: مجلة الروضة الحسينية/ العدد 48 لشهر جمادى الآخرة سنة 1433هـ