التدبر..

إن المتابع للساحة الاسلامية وخاصة في عصرنا الحاضر الذي أخذ فيه الاعلام الشيعي بالظهور الى سطح الاحداث يلاحظ حدوث العديد من التغيرات في المواقف تجاه الاسلام بشكل عام وتجاه المذهب الجعفري بشكل خاص، وذلك لمساهمة هذا الاعلام بمختلف قنواته المقروءة والمسموعة والمرئية في دحض الاكاذيب والتلفيقات التي ألصقت بالإسلام وبالمذهب الجعفري على وجه الخصوص.

ومن بين تلك التغيرات ما انتشرت أخباره في الآونة الاخيرة من مواقف لعدد من علماء المذاهب الاسلامية الاخرى وإنصافهم للمذهب الجعفري ومعتنقيه، حتى وصل الامر بالعديد منهم الى اعتناق المذهب او الدعوة إلى اعتناقه أولا ومن ثم الدعوة الى معاداة أعدائه أو على أقل تقدير عدم مناصرة أعدائه في أضعف الإيمان.

وقد شهدت الساحة في الايام الاخيرة تصريحات واضحة المعاني وجلية الدلالات من قبل رجل يعد من أبرز الأعلام الاسلامية وهو الشيخ أحمد الكبيسي الذي دعا الله وأمام الملأ أن يحشره مع علي(عليه السلام) مطالبا المسلمين - من خلال من وجّه إليه الحديث- إلى السير في أحد طريقين وعدم دمج الفريقين (أتباع علي عليه السلام، وأتباع معاوية) تحت خيمة واحدة تدعى (الاسلام)، مشددا على ضرورة التفريق بين المؤمنين وبين المرتدين الذي أضرّوا بالإسلام أيما إضرار، وأكد أن كل ما لحق بالإسلام وجعله يعاني ما يعاني الى يومنا هم أولئك المرتدون ومن سار في ركابهم وأيّدهم.

وقد لاقت تلك التصريحات من الشيخ الكبيسي ردات فعل كبيرة ضدّه من قبل بعض النواصب، كما أثارت إعجاب البعض الآخر من المسلمين لشجاعة الشيخ في قول الحق وتفسيرات أخرى لا طائل من ذكرها هنا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذه الحالة هو: ما السر وراء هذا التحوّل؟ ومن أين ظهرت هذه الآراء لمثل هؤلاء العلماء الكبار؟

إن الاجابة عن هذه التساؤلات بسيطة جدا وقد ذكرها الشيخ في حديثه المشار اليه آنفا، ويتمثل ذلك بالقراءة المتفحصة والبحث الدقيق عن الحقائق التاريخية والتخلّي عن رواسب الماضي الموروثة خطأ.

نعم؛ إنها القراءة الدقيقة المتفحّصة للإسلام المحمدي، واستعمال المنطق العقلائي العلمي في البحث، سعيا لإزالة الشوائب وتعرية التاريخ الاسلامي مما أُلحق به زورا على أيدي بعض المتآمرين على الأمة ممن هم محسوبون زورا وبهتانا عليها.

ونحن في هذا الشأن لا نريد ان نوجّه دعوة الى المسلمين بالتخلّي عن معتقداتهم واتباع معتقدات وآراء غيرها دونما دليل، بل نريد من كل مسلم غيور على دينه أن يحذو حذو أولئك الاعلام المسلمين الذي أتعبوا أنفسهم في البحث الجاد عن الحقائق فوصلوا الى ما وصلوا اليه، والتخلي عن العصبية القبلية، واعتناق الآراء والمعتقدات دونما تدبّر ودون إعمال الفكر فيها.

كما نأمل من كل المسلمين اليوم وبخاصة العاملين في قنوات الاعلام الاسلامية كونها تقف في صدارة الواجهة الدعائية للإسلام، ومن بعدهم العلماء والباحثين الاسلاميين كونهم القادة الذين تتأثر  بنتاجات بحوثهم الأمة، الى التخلي عن تلك الأحكام المبنية على الظنّ أولا وعلى تأويلات من يريدون تفرقة المسلمين وتمزيق صفوفهم ثانيا.

كما نأمل منهم أن يشرعوا ببحوثهم الهادفة والعلمية الرامية لنشر الاسلام المحمدي الاصيل من منطلق الحرص على صورة الإسلام الإنسانيّة بالدرجة الاولى، لعلنا نصل في نهاية المطاف الى نيل مرضاة الله تعالى وتوفيقنا بالعودة أمة واحدة تدعو الى نشر الخير والمحبة والسلام في ربوع الارض ونقطع الطريق أمام كل من يريد النيل من الاسلام وأهله.

يحيى الفتلاوي

لفتتاحية مجلة الروضة الحسينية/ العدد 48 لشهر جمادى الآخرة سنة 1433هـ