النحس في شهر صفر.. بين الوهم والحقيقة

صباح الطالقاني

بمجرد قدوم شهر صفر تتناهى لأسماعنا العديد من أخبار التشاؤم والنحس والخشية من أيام هذا الشهر الذي يأتي بعد الأشهر الحرُم التي حرّم الله تعالى فيها القتال، فترى العديد من الناس تحجم عن الانتقال من مكان لآخر جديد او الإقدام على الزواج او البدء بمشروع ما.

فما هي حقيقة هذا التشاؤم والرؤية لشهر صفر بأنه نحس و بلاء؟

وما هي الأسانيد التي انطلقت منها هذه الرؤية؟

بالعودة الى الأعراف والتقاليد التي كانت تتصف بها العرب قديماً فإن شهر صفر كان يمثل الشؤم لأن الديار تخلو فيه من الرجال لخروجهم للقتال، ومع ما ينتج من هذه المَقاتل التي تشهدها قبائل العرب فإن الشؤم والنحس قد يكون منطقياً بسبب الخراب وقتل الرجال وما يتبعه من بلاء.

ويعد شهر صفر الشهر الثاني من الأشهر القمرية، ولما له من نظرة شؤم فقد كان العرب أيام الجاهلية يقومون بالتلاعب في بدايته و نهايته! ولكن، بعد انتشار الإسلام فإن أي من الأحاديث النبوية لم تتطرق الى وجود النحس او أية علاقة بينه وبين شهر صفر، رغم انه يشهد عدّة مناسبات حزينة مثل وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وأربعينية استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام، فضلاً عن خلو الروايات المتواترة عن الأئمة لأية إشارة لوجود نحس او شؤم في شهر صفر بالخصوص.

وزيادة على ذلك فإن العلماء الأجلاء الذي ألّفوا الكتب وصنّفوها عندما كانت مهمتهم تنتهي في شهر صفر فإنهم ينهونها بكتابة عبارة (صفر الخير) التي تشير الى دفع ما ارتكزت عليه أذهان الناس في انه ليس بشهر خير.

وقد تكون العبارة التي كتبها الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان "إعلم أن هذا الشهر عُرف بالشؤم" هي الرواية الوحيدة التي تشير الى الأمر، استناداً الى مناسبات وفاة الرسول وغيرها من المناسبات الحزينة، ولكن الضرورة تدفع للتأكيد مرة أخرى على خلو الأحاديث النبوية والروايات من الإشارة الى النحس والشؤم في هذا الشهر.
ومن جانب آخر فإن مسألة دفع الشؤم والنحوسة لا تختص في شهر صفر فقط انما هي واردة في كل أوقات السنة عبر الأحاديث النبوية، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه واله: (من قرأ في دبر صلاة الجمعة بفاتحة الكتاب مرة و(قل هو الله أحد) سبع مرات، وفاتحة الكتاب مرة و(قل أعوذ برب الفلق) سبع مرات وفاتحة الكتاب مرة و(قل أعوذ برب الناس) سبع مرات لم تنزل به بلية، ولم تصبه فتنة إلى يوم الجمعة الأخرى).

بل أن التأكيد على ترك التطيّر والشؤم جاء من خلال حديث رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله: "ليس منّا مَن تطيَّر أو تُطيِّر له أو تكهّن أو تُكُهِّن له سحَر أو سُحِر له".

فضلاً عن الحديث المروي عن عَمرو بن حريث حيث قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: الطِيَرة على ما تجعلها، إن هوَّنتها تهوَّنَت، وإن شدَّدتها تشدَّدت، وإن لم تجعلها شيئاً لم تكن شيئاً".