وحدتنا..

يحيى الفتلاوي

لقد منَّ الله تعالى على أمتنا مننا كثيرة، وقد كان من بين أهمها أن جعل فينا الكثير من الصفات المشتركة التي تؤهلنا لأن نكون متحدين تحت لوائه وارادته وعلى رأسها وحدة الدين والنبي والكتاب ومن ثم اتحاد الارض واللغة وغيرها.

  ولقد كانت الرسالة المحمدية السمحاء من أهم السبل التي دعانا الله تعالى من خلالها الى تكريس وحدتنا وحثنا على المحافظة عليها، لنقف سدا منيعا أمام من يتربصون بنا دوائر السوء، كما وصفنا الله تعالى في كتابه الكريم بأننا خير أمة اخرجت للناس، بحملنا خصلتين عظيمتين عنده هما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولم يجعل الله تعالى اتصافنا بتلكما الخصلتين إلا لكونهما أهم الصفات التي تؤهل مجتمعنا لقيادة الانسانية الى ما يريده الباري من نشر الخير والمحبة والسلام في ربوع الكون، وهذا ما كان في صدر الاسلام حيث أعطت أمتنا أروع صور الانسانية والتي لا زالت الى يومنا هذا تنير صدر كل محب للخير سواء كان مسلما أو غير مسلم.

ولكننا من بعد ذلك وبفعل دسائس الأعداء وبخاصة على أيدي مرتزقتهم من الوضّاعين والدساسين والمنحرفين عن الخط النبوي السوي رحنا نتمزق كل ممزق، وكلما سعينا الى إعادة لحمتنا تدخلت الأيدي  الخبيثة والاقلام المأجورة لتوهن من عزيمتنا وتعيدنا الى مربع الفرقة والتناحر.

وإن مؤتمرات القمة اليوم واحدة من واجهات السعي الى تحقيق حلمنا بالوحدة كلاً أو جزءاً تكون بداية طيبة ورصينة لتحقيق كامل الطموح، وان جميع العارفين يدركون أن من اسباب كون القمة تضم الرؤوس القيادية لهذه الأمة هو أن اتحاد الرؤوس واتفاقها إنما يعود بأثره على الجسد لا محالة.

وهنا كان لا بد من الاشارة الى نقطة مهمة في هذا المقام وهي أن وحدتنا لا يمكن لها أن تتم ما لم نتفق على توحيد خطابنا في كل الميادين ومنها ميدان الاعلام الذي أثبتت أحداث التاريخ أنه من أهم الركائز والوسائل التي تحدد هويتنا وتبين معالم ديننا ومعتقداتنا وتظهر صورتنا الحقيقية للعالم.

ولو تتبع متتبع بشيء من التدبّر بعض الخطابات الاعلامية اللااسلامية التي أدت الى تشويه صورتنا العربية من جهة وصورتنا الاسلامية -الأهم في نظرنا- من جهة أخرى، لأدركنا مدى خطر هذا الجانب في تحقيق ما نصبو إليه من توحيدنا أولا ومن التأثير الايجابي على الآخرين ونشر علوم ديننا الاسلامي ثانيا، فضلا عن فضح ذلك الخطاب اللاإسلامي وتبيان ما أدى إليه من تدمير لصورة الإسلام الناصعة وخلقه الرفيع وأهدافه الرامية الى نشر الخير والمحبة بين البشر على اختلاف ألوانهم وثقافاتهم وبلدانهم وغير ذلك.

نعم لقد أدّت تلك الأقلام عبر ما زرعته من أفكار وعقائد لا تمت الى الإسلام بأدنى صلة -من قبيل الدعوة الى نشر مبادئ القتل للمخالف- الى التأثير السلبي في الناس عامة ما ادى الى اتخاذهم مواقف معادية الى الاسلام والسعي الى القضاء عليه بشتى الوسائل وعلى رأسها وسائل الاعلام الدخيلة المنبثقة صورة من تحت عباءة الاسلام، وحقيقة من بين براثن أعدائه.

وإن إعلامنا الاسلامي اليوم يقف في صدارة المسؤولية عن  تصحيح المسار وإعادة بهاء الصورة وعدم السماح أو الوقوف مكتوفي الايدي أمام الساعين الى النيل من الاسلام حتى وإن كانوا يدعون اعتناقه، وما هذه الدعوة إلا مصداق لقول الإمام الرضا عليه السلام : ( ...إِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا ..... )، ومصداق لدعوة الإمام جعفر بن محمد الصادق  عليه السلام بقوله: رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً حَبَّبَنَا إِلَى النَّاسِ وَلَمْ يُبَغِّضْنَا إِلَيْهِمْ..أَمَا وَاللَّهِ لَوْ يَرْوُونَ مَحَاسِنَ

كَلامِنَا لَكَانُوا بِهِ أَعَزَّ وَمَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَيْهِمْ بِشَيْ‏ءٍ وَلَكِنْ أَحَدُهُمْ يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيَحُطُّ إِلَيْهَا عَشْرا.

=======

المصدر / افتتاحية مجلة الروضة الحسينية - العدد 47 - جمادي الاول 1433 هـ