ذكرى تُحيينا

صباح الطالقاني

نعتقد اننا نؤدي واجبا في إحياء ذكرى عاشوراء كل عام، ونعيش هذه الذكرى قلباً وقالباً، نستلم الأمانة من أسلافنا ونسلّمها لأبنائنا، ونحن محقّون في كل هذا فإحياء شعائر عاشوراء من أسمى مصاديق الولاء لأهل البيت عليهم السلام ولمصيبة الحسين الراتبة.

ولكن هناك الوجه الأكثر إشراقا لمسألة الإحياء هذه، وجهٌ يجعل من ذكرى عاشوراء هي التي تُحيينا  أكثر مما نحن نُحييها، فعندما ترتسم صورة الثلّة الخيّرة من آل محمد في خيال كل مؤمن ظهيرة عاشوراء وهُم يصدّون بصدورهم العارية من الدروع والعامرة بالإيمان سهام الغدر الأموي وصليل الصوارم المحمَّلة بالضغينة لبدرٍ وحُنين، تتجدد فينا عزيمة المضي قدُماً على درب آل البيت عليهم السلام، بل تزيد فينا هذه المشاعر المتوهجة الاصرار على التضحية بالغالي والنفيس في سبيل إبقاء جذوة عاشوراء متقدةً، وهذه هي الدورة الكاملة والتغذية المستمرة التي أبقت نهضة الحسين خالدةً لم يطمسها طغيان الجبابرة لأربعة عشر قرن مضت...

ان مصاديق نهضة الإمام الحسين موجودة في كل نفس مؤمنة مهما كان أصلها عرقاً ولوناً وجنساً ودِين ولغة، فهي بكل بساطة تعني الصدق والامانة وتعني الصفات الانسانية الحسَنة والصبر على المكاره والعزم على المضي في طريق الحق مهما كلف الامر، وهي تعني عدم الرضوخ للطغيان والذل والمهانة ومقاومة الظلم بكل أشكاله وألوانه... وهذه المصاديق لا تستلزم منّا سوى بعض الارادة والاصرار على سلوك الطريق القويم في حياتنا، وعلى هذا فإن لكل منّا دوره ومكانه الطبيعي في تشكيل صور مصاديق النهضة الحسينية.

أما ونحن بعد عاشوراء صرنا مقبلين على زيارة الاربعين فإن دورة إحياء شعائر الله المتمثلة بشعائر ذكرى سيد الشهداء، ستتوَّج بهذه الزيارة التي جعلها أئمتنا من علامات المؤمن، ولذا نحن مدعوون لإدامة هذه المناسبة بالعمل الجاد في سبيل تثبيت مفاهيم ومبادئ أهل البيت عليهم السلام روحاً وخطاباً وعملاً، آملين أن تستمر هذه المَشاهد الرائعة التي نراها في عاشوراء طوال السنة ولا تقتصر على شهرَي محرم وصفر لتكون منهاجاً للناس بعيدا عن الجهل والفساد وواقع الاتكالية والأنانية الذي اخذ يطغى على المجتمع...

وعَودٌ على بدء فإن مواساتنا في هذه الزيارة المعظَّمة هي إحياء لقلوبنا وإجلاء لها من صدأ الدنيا ولهوها، وهي تجسيد للمحبة والتبعية والولاء لأئمتنا وإغاضة لأعدائهم، مصداقاً لإشارة الامام الصادق عليه السلام في دعائه للزائرين: (... وإجابةً منهم لأمرنا، وغيظاً أدخَلوهُ على عدوِّنا).