الإمام الحسين.. منبر الحق في الخلق

غانيا درغام/ سوريا

جاء في خطبة للإمام الحسين عليه السلام" أيها الناس نافِسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم، ولا تَحتَسِبوا بمعروفٍ لم تُعجّلوا، واكسبوا الحَمْدَ بالنُّجح، ولا تَكتسِبوا بالمَطَلِ ذمّاً، فَمَهْما يكُن لأحدٍ عندَ أحدٍ صنيعةٌ لَه رأى أنّه لا يَقوم بِشُكرِها فاللهُ له بمكافأته، فإنّه أجزلُ عطاءً وأعظمُ أجراً. وَاعْلَموا أنّ حوائج الناس إليكم من نِعمِ الله عليكم فلا تَمُلُّوا النِعَم فَتُحَوِّر نِقماً. واعلموا أنّ المعروف مُكسِبٌ حَمداً، ومُعقِبٌ أجراً، فلو رأيتم المعروفَ رجلاً رأيتموه حسناً يسُرُّ الناظرين، ولو رأيتمُ اللّومَ رأيتموهُ سَمِجاً مُشَوَّهاً تنفرُ منه القلوب، وتَغضُّ دونَه الأبصار. أيها الناس من جادَ سادَ، ومن بَخِل رَذِلَ، وإنّ أجودَ الناس من أعطى من لا يرجو، وإنّ أعفى الناس من عَفى عن قدرةٍ، وإنّ أوصلَ الناس من وَصلَ من قَطَعَه، والأصولُ على مغارِسِها بفروعها تَسموا، فمن تعجَّلَ لأخيه خيراً وجَدَه إذا قَدِم عليه غداً، ومَن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقتِ حاجته، وصرف عنه من بلاءِ الدّنيا ما هو أكثر منه، ومن نَفَّسَ كُربَةَ مُؤمِنٍ فَرّج الله عنه كَرْبَ الدنيا والآخرة، ومن أحسنَ أحسن اللهُ إليه، والله يُحبُّ المحسنين".

هذا الفكر الإنساني المطلق المُفعم بمكارم الأخلاق الذي اتصف به إمام بمحاسن الخُلق التربوي والإسلامي هو منبر الحق في الخلق.. الإمام الحسين عليه السلام بن علي بن أبي طالب عليه السلام، إنه القرب من الله في الإيمان، قداسة تعلو ولا يعلى عليها، تراتب إدراكي للحق ضد الباطل مدَّ وصاله في عروق الإمام الحسين عليه السلام، وجاءت نهضته ضد الفساد والظلم والانحراف فكان ساعده ساعد الفقير واليتيم والمظلوم من غطرسة الإرهاب والجبروت، بمثابة ثورة للنهوض بالأمة من براثن الانحراف الديني والإنساني، إنه الصراع الذي بعث من أجله الله رجاله على الأرض كي يحققوا سموهم الديني الحقيقي دون مصالح ولا مطامح تتخطى نبض المؤمن.

إمام "الحق والتضحية والحرية" الحسين عليه السلام أبى الواقع المأساوي الذي هيمن على حياة الناس بسبب الفساد الاَموي المتمثل بحكم يزيد بن معاوية، ذاك العهد الذي اتصف بالتحول عن جميع القيم والمبادئ والأحكام الاسلامية التي جاء بها الرسول محمد صلى الله عليه واله، الأمر الذي انعكس على واقع البلاد الاِسلامية آنذاك بالاِرهاب وتفشي الجور والظلم والطغيان.

"إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا ظالماً، ولا مفسداً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي رسول الله، وأبي أمير المؤمنين، فمن قبلني بقول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد عليّ أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين.." بهذه الكلمات عبر الإمام الحسين سلام الله عليه عن منهجية ثورة الحق في وجه الباطل التي اتخذها منحاً بالإيمان، فالصبر والحق والأمر بالمعروف هم وعي وإدراك "فكري إنساني وعملي" يصبون في بوتقة الإيمان.

توجه الإمام الحسين عليه السلام ومعه أهل بيته وأصحابه إلى معركة كربلاء التي تسمى أيضاً واقعة الطف، خاضوا فيها ملحمة وقعت على ثلاثة أيام وخُتمت في 10 محرم سنة 61 للهجرة والذي يوافق 12 أكتوبر 680م، ضد جيش تابع ليزيد بن معاوية، وارتقى الإمام الحسين "سيد الشهداء" كما لُقب بعد المعركة، روح رحلت فداء لإعلاء كلمة الله بالحق فبات المنارة الأكثر قدوة التي حوّلت الكثير من التوجهات السياسية والدينية إلى يومنا هذا، كما أصبحت معركة كربلاء وتفاصيلها الدقيقة رمزاً للمسلمين وبالخصوص الطائفة الشيعة الكريمة ومن أهم مرجعياتهم الثقافية، أيضا أصبح يوم 10 محرم أو يوم عاشوراء الذي صادف يوم وقوع المعركة، رمزاً "لثورة المظلوم على الظالم ويوم انتصار الدم على السيف، وبات شعار "يا لثارات الحسين" عاملاً مركزياً في تبلور الثقافة الاسلامية لأتباع اهل البيت عليهم السلام.

وأما عن الفكر الإنساني الديني الذي انبثق من نهج الإمام الحسين عليه السلام والتضحية في سبيله مقارنةً مع تعدد الشعوب والسياسات إلى وقتنا الراهن فمن الجدير ذكره أن النضال في سبيل الإنسانية كان له الأثر في طوائف غير الشيعة أيضاً، ومثالنا في ذلك هو نضال الحشد الشعبي العراقي في وجه الإرهاب والباطل بدايةً من أتباع اهل البيت فاستقطاباً لكل الطوائف التي عانت الارهاب وقررت المسير في نهج الإمام الحسين عليه السلام لنفض غبار التكفير وأشلاء الإرهاب عن كاهل الإنسانية أجمع.