(باب استشراق).. اليد الصهيونية في الاستشراق العالمي

دكتور هاشم الموسوي

لو وقفنا على الأسرار الخفية التي دعت الغربيين إلى حفر معرفي متواصل في الجسد الشرقي المنهك نتيجة لتسلط العثمانيين لقرون طويلة دون أن يدركوا قيمة العدو القادم بقوة، ولو أدركنا أسرار ما يضمره الاستعمار الأوربي من نوايا مبيتة لهذا الشرق الهادئ، البريء، الروحي، والعذب، لاستطعنا أن نفكك ألاعيب هذا النشاط المعرفي وأن نحلل مقاصده البعيدة في مسألة إيلاء الشرق، ولا سيما الشرق الإسلامي كلّ هذه الأهمية.

والسؤال هنا – وبعد أن أمضينا شوطا في التعريف بالاستشراق وأخطاره- هو ما الرابط بين الاستشراق الأوربي في كل نسخه المرتبطة بآلة الغزو قبل قرنين من الزمان وبين الاستشراق العبري (الاسرائيلي) حينما جعل كل من الطرفين (الاسلام وأفكاره وقناعاته ورؤاه) نصب عينيهم، وهل هناك أيد خفية تحرك الاستشراق العالمي وتوجه مقاصده؟؟

ومن يتابع الحركة الاستشراقية وما يحيط بها من اشكالات وأمور يجد أن المهتمين بهذه الحركة يتغافلون عن ذكر الدور الصهيوني (الاسرائيلي) في تحريك مجريات النشاط الاستشراقي وتوجيه مساراته ومشاربه، فاليد اليهودية قد ولجت إلى اعماق الاستشراق العالمي، وساهموا في إرساء دعائمه بأموالهم أولا، وبالتحكم بأطروحاته ثانيا، وحتى كبار المستشرقين من اليهود كالهنغاري ( جولدتسيهر) والفرنسي ( سولومون مونك) والبريطاني ( ريتشارد جونهيل) تم التعامل معهم على أنهم مستشرقين اوربيين كبار، ولم يلتفت أحد الى يهوديتهم المشكّلة لطبيعة أفكارهم ومواقفهم وما تتجلى عنه هذه المواقف في طريقة المعالجات (غير البريئة) للإسلام والدراسات المتعلقة به، وذلك من خلال انطلاق هؤلاء الثلاثة –على سبيل المثال لا الحصر- من مبدأ فضل اليهودية واليهود على الاسلام والمسلمين، ومن خلال السعي لإثبات الأصول اليهودية (المزعومة) في الإسلام المحمدي الأصيل والدين الذي جبّ ما قبله وتكامل بوجود خير الأنبياء والمرسلين وأعلاهم شأنا عند الله!

ولعل الاختلاف بين واضح بين الاسلام واليهودية لكل من له حد ادني من البصر والتبصر، فالاسلام –كدين سماوي- شعاع من النور والحكمة والتعقل مدّه الله بحبله المتين ليتعلق به كل البشر عربا كان أم من غير العرب، ومدركون لزمن خاتم الانبياء ام من اللاحقين وغير المدركين لهذا الزمن، أما اليهودية بعكس الاسلام (الدين التبشيري والمحفّز على نقل الناس إلى أنوار المعرفة وعلى انقاذهم من الضلالات) فهي دين مغلق، عنصري الطابع لا يريد أحدا من غير اليهود بحجة المحافظة على نقاء الدم اليهودي والأمة اليهودية التي فضح القرآن ضلالاتها وزيفها وسعيها لتخريب الحياة والإفساد في الأرض.

وقد نفذت هذه اليد إلى الجامعات الغربية في بداية تأسيسها مستغلة معرفتها بالاسلام وبعلوم العربية التي تلتقي كلغة تواصل إنساني مع اللغة العبرية (لغة اليهود الرسمية) ولما بين اللغتين من وشائج قربى لكونهما ينتميان معا الى شجرة لسانية واحدة هي (شجرة اللغات السامية) فاليهود من بني اسرائيل هم جيران العرب ولهم موقع جغرافي مشترك هو الشرق القديم الممتد من جزيرة العرب وحتى مصر ومن تخوم بلاد فارس وحتى جنوب اليمن.

وازداد هذا النفوذ لليد الاسرائيلية على مقدرات الاستشراق وخططه ومراميه كمؤسسة (علمية –ايدلوجية-ودينية) مع منتصف القرن التاسع عشر وهي المرحلة التى جرى فيها التخطيط لإنشاء دولة قومية لليهود، وقد تم اختيار فلسطين مكانا لهذه الدولة بسبب مجموعة من الشروط التي تقف في مقدمتها الرمزية والتاريخية التي تحملها أرض فلسطين للديانات السماوية الثلاث ومنها اليهودية، وقد عملت ثلاثة عوامل على المساهمة في تحديد حركة الاستشراق بعد هذه الفترة التاريخية وتوجيهها بما يخدم المصالح الصهيونية، اما هذه العوامل فتمثلت بالعمل على تنشيط حركة التنصير وربطها بالاستعمار الغربي الذي يمثل العامل الثاني من عوامل توجيه المؤسسة الاستشراقية، أما العامل الثالث فيتمثل من خلال السعي لرعاية المصالح الصهيونية بالمشرق العربي خاصة وبالعالم أجمع وتجنيد كل القوى والمقدرات لإنجاح هذه الدويلة اللقيطة التي جاءت معها كل الشرور والويلات والحروب التي دارت في المنطقة بموقد يهودي خالص!!

أما أخطر ما قامت به هذه اليد القذرة على المستوى الفكري في مؤسسة الاستشراق العالمي فيتمثل من خلال قيامها بتزويد هذه المؤسسة بكل الصور المشوهة والزائفة التي لا تعكس حقيقة الاسلام بقدر ما تعكس نوايا المستشرقين اليهود الذين اشتغلوا على التاريخ الاسلامي وعلى الفكر والدراسات الاسلامية وانتهزوا هذه الفرصة لمعرفتهم بالاسلام من اجل تكوين صورة عن الاسلام ستكون تاليا مرجعا إلزاميا (وفاسدا بطبيعة الحال ) لمن يريد أن يتعرف على الاسلام من غير المتخصصين به، غير أنهم مهما تحالفوا ومهما كذبوا وأفسدو فلن يستطيعوا حجب عين الشمس بغربالهم المفضوح!!!