الفرد أساساً لتطوير المجتمع

غانيا درغام

تطوير المجتمعات يبدأ بتطوير الفرد أولاً، مراحل متتالية تبدأ من النهج الفكري والتربوي لتنمو مع الفرد ومكتسباته من دائرة محيطه وتوسعاتها..

صقل الشخصية بتطويرها الصحيح يعني تحدي للأزمات التي يعتبرها الفرد معركة لإثبات ذاته، لكن ليس وحده المعني بها، فالظروف والضغوط السلبية قد تأخذ حيزا هاما من وقته وفكره.. ولعل منهجية تطوير المجتمعات يجب أن تُطرح على الأغلب في المناطق التي تعرضت لأزمات وحروب او كوارث طبيعية لإعادة بناء الفرد وتحفيزه نحو الأفضل، من خلال عدة محاور يمكن اختصارها بـ:

-دور التنمية البشرية بالتطوير الفردي وتفاعله مع المجتمع

تُظهر التنمية بوضوح الفارق بين الدخل ورفاهية الإنسان من خلال قياس معدل الإنجازات في مجالات الصحة والتعليم والدخل، ويعطي دليل التنمية في بلد ما صورة أكثر وضوحاً لحالة مجتمع ورفاهيته من الصورة التي يعطيها الدخل وحده، بالتالي تطور الأبنية الإدارية والسياسية والتعليمية والثقافية له مردود على عملية التنمية الفردية من حيث تطوير أنماط المهارات والعمل الجماعي اضافة للمشاركة الفعالة للمواطن في عملية التنمية بغية الانتفاع بها على المستوى الشخصي تكريساً لحياته مع محيطه القريب، وتفاعلاً مع مجتمعه ككل من أجل الوصول إلى أعلى مؤشر تأثير بالمجتمع للنهوض به من التخلف العملي والفكري والثقافي والإنساني والإنتاجي.

- العلم والعمل ترابط فكري مادي نحو التطور

عندما يكون العلم مكرس من أجل الحصول على أعلى قيمة معرفة نظرية بالتالي إن العمل هو المنهجية العملية التي تصقل العلم وتجعله أكثر موضوعية وإنتاج على المستوى الفردي والاجتماعي ينهض نحو تطور آمن ومستمر، إذا لابد من الارتقاء العلمي بالفرد من أجل توظيف مهامه العملية بشكلها الطبيعي فيما بعد، بحسب الاختصاص أو الشهادة العلمية الحاصل عليها أو التعلم الفردي الذي ينتج من اهتماماته الخاصة، مما يدعي للمزيد من تطوير المناهج التعليمية بحسب التطور العلمي ككل، اضافة لسعي الفرد من أجل الحصول على المزيد من العلم بمستواه الفردي الذي يطور به وبعمله فيما بعد

- تفعيل دور المرأة وعدم تعميم السلبيات

لأن المرأة هي نصف المجتمع والنواة الأولى للأسرة التي تعتبر إحدى أجزاء المجتمع لابد من تفعيل دورها في نواحي متعددة "ثقافية،اجتماعية، سياسية، تربوية، علمية وعملية"، وقد أثبتت المرأة جدارتها في كثير من المواقع التي كانت فيها، مما يدعي الاهتمام المستمر والأقوى بالمرأة لتأمين حضور فعال لها، بغض النظر عن السلبيات في بعض المجتمعات الشرقية التي تعاني فيها المرأة من التحجيم الفكري والعملي، إلا أنها تكفي في أضعف حالاتها المحدودة لبناء أفراد أسرتها بتوازن يعكس ثقافتها الخاصة فتكون تلك الأسرة حلقة فاعلة في تطورها وتطور مجتمعها بها.

- انفتاح المجتمعات ودور المغتربين بالتواصل ما بين هذه المجتمعات

في زمن التواصل الاجتماعي الالكتروني لم تعد الجغرافيا بعيدة كما تظهر في الواقع، بل ان تداول الطقوس المجتمعية باتت من اهتمامات الشخص الذي لديه موقع تواصل، فعندما يتفق بالرأي مجموعة اصدقاء كل منهم من بلد مختلف يعني انفتاح مجتمعاتهم بطريقة غير مباشرة، كذلك الأمر عندما يسافر شخص ما إلى دولة أخرى اما للعمل أو السياحة أو غيرها، فهو يتعرف على طقوس مجتمع آخر تختلف عما يعرفه في مجتمعه فتقع على عاتقه مسؤولية نبذ السلبيات إن وجدت وتبني الايجابيات في عقله الباطن ليفرغها فكره فيما بعد آراء وسلوك يتواصل بهما في مجتمعه ويقنع بقية أفراده  المقربين منه بما رآه مناسباً، كما يستطيع المغترب ذاته أن ينقل أفكار وعادات مجتمعه إلى المجتمع الجديد له، والوعي هنا حليف من يستفيد من التنوع بالتطور، من جانب آخر تقوم الجاليات في كل بلد تقطن فيه بفعاليات شعبية تعكس ثقافة أو علم أو عادات بلدها بالتالي هي تشير إلى انخراط التطور بين البلدين من خلال المغتربين ذاتهم.

- المنافسة نحو الأفضل وتبلور فكرة التفوّق

يشمل تعريف المنافسة" سباق بين الأفراد والجماعات، والأمم، وما إلى ذلك من أجل بقعة جغرافية، أو مكاناً أو موقعاً للموارد أو ميدالية أو لقب معين أو سلطة، تنشأ المنافسة كلما اثنين أو أكثر من الأطراف يباشرون السعي من أجل هدف التفوق ليفوز طرف على آخر".

إذاً عندما يظهر جلياً تفوق مجتمع ما لابد من سعي باقي المجتمعات من أجل الوصول إلى مستواه او التفوق عليه بشكل ما، اقتصادياً أو ثقافياً أو تنموياً أو تربوياً أو علمياً، كل منهم يأتي في مضمار مجموعة الأفراد الذين يعنون في مجال أو اختصاص معين، الأمر الذي ينتج تطوراً جزئياً يسعى للكمال من خلال الأفراد الآخرين أو السلطات في توفير الأفضل دائماً.

المختص في علم الاجتماع نبيل صالح يرى" ان فكرة تطور المجتمعات هي فكرة ايجابية ومتواصلة بالحداثة المتعلقة بالفرد وقدرته على تطوير ذاته بذاته في ظل الحروب والكوارث والنزوح القسري، حيث تتكون هوّة واسعة بين التقدم الاجتماعي والتطور التكنولوجي، وذلك كان سبباً في خلق مشكلات فردية اجتماعية عديدة، ومن هنا تبرز أهمية العودة لإنتاج الفرد القادر على ردم هذه الهوة.."

بالإضافة لإعادة انتاج هيكلة جديدة لتكامل المؤسسات المعنية بالتنمية البشرية تشمل مرحلة الطفولة لزرع بذور جيل قادر على  المنافسة والتفوق، والاستفادة ايضاً من طاقة المرأة وإعطائها الفرصة الحقيقية من خلال عدم تحديد قدراتها وتجميدها بالاستناد الى النظرة الجندرية التي تلاحقها، والاستفادة من الخبرات والتجارب العلمية والعملية المهاجِرة واستقطاب الكفاءات المغتربة بكافة الوسائل الممكنة.