كيف تؤثر بنا الحروب وما السبيل لمواجهة آثارها؟

صباح الطالقاني

للحروب تأثيرات ملموسة وغير ملموسة، ونتائج سلبية آنيّة وبعيدة المدى، تؤثر على المجتمع بصورة كارثية وتشكّل خطّاً تراجعياً في مستويات النمو والتطور والاستقرار والرفاهية، وتترك مخلّفاتها البلدان تحت طائلة القلق والتخلف والتراجع في كافة مفاصل الحياة.

هناك حروب مفروضة في أحيان كثيرة وقد تنتصر فيها الأمم على القوى المعتدية، ولكن الثمن عادة ما يكون باهضاً جداً سواء ما خص جانب بناء الدولة او الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

فما هي آثار الحروب؟ وما السبيل لمواجهتها؟ وكيف تستطيع المجتمعات التي اجتاحتها مخلّفات وآثار الحروب حتى أصبحت مفككة ومتخلفة، كيف تستطيع العودة الى وضعها الطبيعي؟ اذا ما افترضنا الوصول لنهاية المطاف في هذه الحروب؟

تبدأ آثار الحروب بصورة مباشرة على الأسرة من خلال انشغال افرادها او بعضهم ومنهم المعيل بهذه الحرب، ثم تطغى هذه الآثار على كل مفاصل المجتمع عن طريق المشاكل المرتبطة بالمعيشة والاستقرار، حيث تتفاقم مشاكل المعيشة لتبدأ المجاعات وانتشار الأمراض، والتأثيرات السلبية النفسية طويلة المدى جرّاء خسارة العديد من العوائل لمعيلها، او فقدانها احد الابناء مما يشكل شرخاً غير قابل للعلاج، ومن ثم يتبع ذلك نشوء المشاكل الاجتماعية المرتبطة بالاخلاق والقيم والمبادئ.

وأول المشاكل الاجتماعية وأعظمها خطراً هي المتعلقة بالشباب حيث تزداد البطالة ويتبعها الشعور باليأس وضعف الثقة بمؤسسات الدولة التي عادة ما تكون منهكة بمتطلبات الحروب، مما يشكل خطراً كبيراً على مسألة الاخلاص للوطن ومحبته والاستعداد للتضحية من اجله، وهذا ما بيّنتْهُ افرازات الحروب التي جرت في المنطقة وشملت العديد من الدول حيث هاجر منها باتجاه دول الغرب مئات الآلاف من فئات الشباب وغيرهم.

وبموازاة هذه الكوارث تظهر آثار تتعلق بانهيار بُنية الدول التحتية، وضعف نظامها بما يهدد سلطة القانون وهيبته، وبالتالي الاتجاه نحو الفوضى عبر نشوء جماعات تحت عناوين مختلفة، توازي سلطة القانون بل تحل محلّه في كثير من الاحيان.

فضلاً عن الآثار البيئية التي تدمّر نظُم الحياة وذلك في حالة القصف الشامل للمدن، واحتراق الغابات والمحاصيل، وتعرض مساحات شاسعة من الاراضي الى التعرّي نتيجة الجفاف وما يتبعه من إفناء الحياة البرية...

معوقات معالجة آثار الحروب؟

النهوض من تحت ركام الحروب صعب لكنه ليس مستحيل، وقد شهدنا العديد من  الدول التي مرت بحروب ونزاعات مدمرة إلا أنها نهضت من جديد وخلال مدة قصيرة نسبياً اصبحت أفضل مما كانت عليه قبل الحرب، ولنا أسوة حقيقية وواقعية في بلدان مثل اليابان وألمانيا وغيرها.

ولكن كيف تسنى لهذه الدول ترسيخ الاستقرار ومكافحة الفساد والتفوق من جديد حتى أصبحت قوى اقتصادية عظمى؟ ولماذا لا تتم الاستفادة من هكذا تجارب دولية؟ فهذه الأمم ليست افضل منّا بل ان حضارتنا الانسانية قد تكون أكثر منها عراقة، وحضارتنا الاسلامية أفضل منها سموّاً ورفعة وايمان!

مدير مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء الدكتور خالد العرداوي، يفيد بأن هذا الأسئلة أضحت مدار اهتمام العراقيين بشكل خاص والعرب بشكل عام. مؤكداً" ان الاجابة عليها ليست يسيرة، وتحتاج الى جهد ووقت كبيرين، ولكن باختصار، ان الأمم التي مرّت بكوارث ونهضت من جديد أدركت انها بحاجة الى عدم تكرار أخطائها التي أوقعتها في الكوارث، وتسببت لها بالدمار لثروتها البشرية ومواردها الطبيعية، وهو ما لم نعيه كعراقيين، كما لم نعيه كعرب ومسلمين، فكنّا ولا زلنا ننتقد الظروف والأسباب التي تخلق بؤسنا، ولكننا نعيد ونعمل بنفس الظروف! فقد انتقدنا الفساد ولكن لم نضع له حد، وانتقدنا سياسة القوة ولي الذراع وظلم الناس ولكن لم نخرج من دائرة العمل بكل ذلك، واتَهمنا النُخب السابقة بعدم مسؤوليتها وبيعها مصلحة الوطن والمواطن لحساب مصلحتها، ثم ما لبثنا أن أنتجنا نُخب جديدة لا تختلف كثيراً عمّن سبقها، وناضلنا من اجل تحقيق العدالة، ولكن عندما سيطر المناضلون على السلطة لم يعرفوا للعدالة طريقاً.

ويتابع د. خالد" لم يكن لدى النُخب المتصدية للمسؤولية في الدولة التزام أخلاقي بالمبادئ التي رفعوها، ولا تجاه الوطن الذي نعيش فيه، بل تم توظيف نواميس الارض والسماء لتحقيق المصالح الضيقة! لقد تحطّم الانسان بدلاً من تعزيز كرامته ودوره، وتلاشت الثقة بين القيادات وشعبها، ولم تكن قياداتنا السياسية على قدر المسؤولية، ولم تكن قدوة وأسوة صالحة للشعب..."

وبالنتيجة يرى العرداوي" ان هذه الأسباب وغيرها هي مَن فتحت الباب للعدو الخارجي وأصحاب الأطماع والمصالح من الأجانب والجيران للتدخل في شؤوننا والتجاوز على سيادة بلداننا، والذهاب الى إضعافها اكثر، لذا لا يمكن لشعوب ودول بمثل هذه المواصفات أن تتقدم، او ان تكون جديرة بالإمساك بعتبة التطور الحضاري، لأنها بقيت تدور في حلقة مفرغة من التخلف والجهل والتقهقر.

أفكار ومعالجات

ويؤكد د. خالد" ان التخلّف ليس قدَر الشعوب وهي تتطلع لبناء مستقبلها، ونحن في العراق اذا ما أردنا الإمساك بزمام التقدم نحتاج الى:

١- قيادة سياسية على قدر المسؤولية تعمل برؤية واضحة لمصلحة الدولة ولا تعمل لحساب مصالح شخصية او فئوية او طائفية او قومية ضيقة.

٢- تعزيز سلطة إنفاذ القانون، وأن يقف الجميع سواسية أمامه من المواطن البسيط الى رئيس الدولة، وأن تكون هناك شفافية عالية في العمل، وحزم تام في المساءلة والمحاسبة.

٣- التوزيع العادل للدخل والثروة والنفوذ وإبعاد شبح الفقر والبطالة عن الناس.

٤- وجود إستراتيجية واضحة للنهوض بواقع التربية والتعليم في العراق ليكون ركيزة النهضة والتقدم.

٥- وضع إستراتيجية اقتصادية قابلة للتطبيق لتحقيق التنمية الاقتصادية فبدون اقتصاد قوي لا وجود للتقدم والنهضة الحضارية.

٦- لا سيادة إلا للقانون، فحصر السلاح بيد الدولة هو توجيه المرجعية الدينية في النجف الاشرف وهي تعلم انه مع وجود جهات خارج سلطة الدولة فذلك معناه إضعاف الدولة وتهديد مسيرة تطورها وبنائها.

٧- منع التدخل الخارجي في الشأن العراقي وتجنيب العراقي من الانزلاق في محاور الصراع الإقليمي والدولي مهم جداً لكي لا يبقى البلد ساحة لتصفية نزاعات الآخرين.

٨- حماية منظومة القيم الأخلاقية في العراق، والابتعاد عن العنف الفكري والسلوكي، أسساً مهمة لتحقيق التعايش والسلام بين العراقيين وانجاح مسيرتهم الديمقراطية.

٩- وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ضروري لتحقيق كفاءة الادارة في البلد وتعزيز الثقة بين الحكومة والشعب.

وبدون الأخذ بهذه الأمور لا يمكن القول أن العراق سينهض من جديد ويؤسس لتنمية شاملة تجعله في طريق التقدم الحضاري.

الدور المحوري للمجتمع المدني

يدرك عموم المجتمع أهمية وجود منظمات المجتمع المدني، خاصة في أوقات الكوارث والأزمات والحروب، وذلك لما تقوم به من دور محوري في ترسيخ أسس التعاون الانساني وتقديم الدعم بأشكاله المتنوعة، حيث تضطلع بمهام المساعدة التطوعية لإنقاذ الضحايا ومساعدتهم..

وتختلف مهام المنظمات في توفير الخدمات الاجتماعية والصحية والإنسانية والدفاع عن حقوق الإنسان، فضلاً عن المتابعة والمراقبة وتوثيق حالات التعدي او التقصير تجاه هذه الحقوق، بحيث يمكن اعتبار هذه المنظمات الوسيط الأمين والداعم بين فئات الشعب المتضررة وبين الحكومة ومؤسساتها الرسمية، ولكن السؤال المحوري الذي دائماً ما يتم التطرق اليه، يدور حول امكانيات منظمات المجتمع المدني في تقديم الدعم وجدّية دور هذه المنظمات في التأثير والفاعلية، ومدى تعاون المؤسسات الرسمية باتجاه تحقيق الاهداف المرجوة من هذه الجهود، في ظل ظروف عدم الاستقرار التي تحدث اثناء الحرب او ما بعدها.

وفي أعقاب التغيير في العراق عام 2003م تأسست مئات المنظمات التي تحمل أسم المجتمع المدني، لكنها عادة ما كانت ولازالت تصطدم بواقع غير مشجع او يحد كثيرا من تحقيق اهدافها وذلك لأسباب متنوعة، منها ما يتعلق بضعف الدعم الحكومي، وعدم ايلاء الاهمية المطلوبة في الشفافية وتقديم المعلومات الدقيقة وفق احتياجات المنظمات، مضافاً الى ذلك الضعف الكبير في ثقافة العمل التطوعي، الذي يعد الحجر الأساس في امكانية تحقيق الاهداف وديمومة التحرك باتجاه ترسيخ هذه الثقافة.

ولكن الواقع بالعموم يفيد بأن منظمات المجتمع المدني كان لها أثر كبير وخاصة في الجوانب الانسانية وتغطية احتياجات الآلاف من النازحين أثر الحرب ودعم ضحايا الارهاب، ومساعدة الشباب في برامج التوعية والارشاد والتعليم، ليكونوا أعضاء فاعلين في بناء بلدهم ومجتمعهم، وفق أسس متينة وراسخة تتجاوز آثار الحروب ومآسيها المريرة..