مرجعية الإمام السيد عبد الهادي الحسيني الشيرازي (ت 1382 هـ)

 

بطل العلم المجاهد، ومثال القداسة والإخبات والإنابة، رجل الصلاح والإصلاح، ووريث المجد التالد والطريف، والمرجع الكبير الذي رجع له أهل الفضل والعلم في النجف الأشرف، وعموم الناس في العالم الإسلامي ، وقد أصبح مرجعاً عاماً بعد وفاة الشيخ  محمد رضا آل ياسين (ت 1370 هـ) وكان هو والإمام السيد محسن الحكيم  (ت 1390 هـ) في عرض واحد، وبينهما من الاحترام والحب المتبادل ما هو معروف لدى الحوزة العلمية في النجف.

اتخذ قدس سره  من مسجد الشيخ الانصاري مقراً للبحث الخارج العالي فقهاً وأصولاً ولإقامة صلاة الجماعة بإمامته، وكان منبر تدريسه غاصاً بمئات الطلاب حتى حينما فقد كريمتيه (العينين) وأصبح بصيراً، وكان يألم لهذه الحالة أن لا يستطيع ان يباشر شؤون الناس وأمور البحث الخارج كما يريد، وأن لا يعرف من يسلم عليه الا من خلال صوته. دخل عليه زائراً له الإمام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء (ت 1373 هـ) وجلس الى جنبه، وقبل يده، فسأل عنه فقيل: الإمام كاشف الغطاء وتأثر كثيراً إن قبل يده وهو أكبر منه سناً، وله مكانته العظمى في العالم الإسلامي؛ فعاتبه على تقبيل يده فأختصر الإمام كاشف الغطاء الجواب بالقول: هكذا أمرنا أن نفعل بذرية رسول الله صل الله عليه وآله وقد استغل نفر من الناس عمى عينيه، للتشهير به كيداً له ولآخرين، فأصدر منشوراً في بغداد في (1380 هـ = 1960 م) يقول المنشور (أنه لا يجوز تقليد الأعمى) ويريدون بذلك الإمام الشيرازي وأتهموا جماعة السيد الحكيم بذلك ظلماً وعدوانا، وأتفق في الوقت نفسه أن أقيم المهرجان العالمي في النجف الاشرف ودعي له سيدي الوالد الشيخ علي الصغير لنظم قصيدة من قبل اللجنة العليا فكانت تحاذر مني لأن الوالد حينما انتقل الى بغداد عالماً دينياً وممثلاً للمرجعية العليا وإماماً لجامع براثا، وكنت قد برزت في الشعر وترك الوالد الشعر ولم يعد مناسباً له وكم كان عجبهم كبيراً، حينما أظهرت الموافقة على ذلك وهم يريدون ابعادي عن المهرجان ــ خلافاً لرغبة السيد الحكيم ـ وكانوا يعتقدون أني سأعارض اشتراك الوالد في الحفل، فغادرونا شاكرين.

قلت للوالد: القصيدة نتعاون على نظمها، ولي رأي يجب أن نتشاور فيه!! قال: ما هو؟ قلت له: أنت الوكيل العام للسيد الحكيم في بغداد، وأنت تعلم هذا المنشور الضال المضلل، وقد أتهم به جماعة السيد الحكيم نكاية بالسيد، فعليه: حينما يمدح السيد الحكيم في القصيدة تشرك معه السيد الشيرازي بذلك، فوافق واتفقنا على هذا، فقال رحمه الله والضمير في البيت يعود الى النجف، إذ قال في قلبه (فأسلم أيها النجف) ثم أضاف:

يحمي (الحكيم) علاه إن هم حشدوا      غياً.. ويحرسه (الهادي) إذا زحفوا

هما إمامان إن قاما.. وإن قعدا       وقائدان.. فما ذلوا.. ولا أنحرفوا

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله قد قال في سبطيه الحسن والحسين عليهما السلام (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا).

فكان لهذين البيتين دوي في المحافل والأسواق في كل من النجف الأشرف، وكربلاء المقدسة والكاظمية وبغداد. وبذلك انتهت الاتهامات الظالمة إذ وكيل الإمام الحكيم يؤكد على حفظ النجف وحمايته بالسيد الحكيم والسيد الشيرازي على حد سواء. وهنا قامت قيامة (الرتل الخامس) مما يسمى بالبطانة والحواشي، وطبعاً غير المتدينين منهم ــ وسلقت الوالد بألسنة حداد.

رحم الله الحجة المجاهد الشيخ محمد الجواد آل الشيخ أحمد الجزائري ، فقد قال: (العلماء كالبحر طاهر ومطهر، ولكن الحواشي تكثر عليها النجاسات) وكنا نتوقع هذا الشيء، فذهب الوالد الى السيد الحكيم قدس سره وأخرج (وكالته العامة من قبله) وأعطاه إياه، فأستغرب السيد الحكيم، فأخبره بالموضوع قائلاً:

أردت الدفاع عنك حينما أشركت السيد الشيرازي بالمديح معك، لئلا يتهم الناس، فوكيلك يرد على هذه الشائعات وتلك المناشير.. فشكره السيد الحكيم كثيراً، وأعاد اليه الوكالة، وخوله باتخاذ قرار ما يراه مناسباً.

ليس هنا مجال الحديث عن السيد عبد الهادي الشيرازي، فقد كتبت عنه بحثاً متوازناً  في كتابنا( أساتيذ الحوزة العلمية العليا في النجف الأشرف).

المصدر: المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف مسيرة ألف عام

للأستاذ الأول المتمرس في جامعة الكوفة الدكتور محمد حسين علي الصغير