المولد النبوي.. مناسبة عابرة للحدود وموحدة لكل الشعوب المسالمة

 

رجل ينطلق مشروعه الرسالي من العلم الإلهي  (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي  خَلَقَ، خلق الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ  الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ  عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ...) فصار حريا بكل مؤرخ وباحث ان يتوخى الدقة ويتحلى بالتأني والبحث المعمق وهو يدون سيرته انطلاقاً من مولده المبارك في السابع عشر من شهر ربيع الأول لعام 571 للميلاد والمعاجز التي رافقت لحظات ولادته، فضلا عن كونه رجلا ذكر في الكتب السماوية قبل ولادته بآلاف السنين.

رجل تجاوز حدود الزمان والمكان وفي هذه التفصيلة مباحث وروايات يتعذر ذكرها ولعل ما يهمنا كمجتمع بشري من سيرة هذا العملاق (الرسول محمد بن عبد الله بن عبد المطلب) هو ما رسخه من قواعد سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وأخلاقية كفيلة بحل الاشكالات وبلوغ بر الأمان.

ففي الجنبة الدينية وبالخصوص العقائدية دعا الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الى عبادة الله الواحد انطلاقاً من كونه رسولاً من عند الله ثم جاء بالبراهين والحجج الواضحة على صدق دعوته، من قبيل ما ورد في القرآن الكريم الذي نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ( فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الانعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ) أي الله جل شأنه.. وفي سورة أخرى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ  لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) وهذه السور الباهرات وآيات أخرى كثيرة مختلفة الموضوعات كلها تؤكد صدقه بل إن في القرآن الكريم كما ورد (وَ نَزَّلْنٰا عَلَيْكَ الْكِتٰابَ تِبْيٰاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وهُدىً وَرَحْمَةً وَ بُشْرىٰ لِلْمُسْلِمِينَ).

 وقد اثبتت الدراسات العلمية وما توصل اليه العلم الحديث من خلال التجارب والاكتشافات صدق القرآن الكريم فخذ مثلاً النظريات التي تتعلق ببداية الكون ونهايته وحقائق المخلوقات وأسرارها، فكلها ذكرها كتاب الله الكريم وبالتالي يعد الإسلام مرجعاً لكل مجتمع أو أمة تريد الخلود والدوام، لاسيما ان المجتمعات البشرية اليوم كما هو معلوم تعاني من تدهور في تحديد هويتها الدينية او تعاني من عدم قدرتها على الدفاع عن معتقداتها الدينية أمام النقد العلمي فمن مجتمع يضع الله تعالى ثالث ثلاثة الى مجتمع لا يؤمن بوجود خالق وهو لا يمتلك غير المغالطات وعدم المبالاة، الى مجتمعات تعبد المخلوقات عبادة عمياء قائمة على توارث ديني سقيم لا يصمد أمام أبجديات النقد العلمي.     

وفي الجنبة السياسية اعتمد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مبادئ سماوية عديدة من بينها احترام التعددية كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ومبدأ الرحمة مع الرعية كما في قوله جل وعلا(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ). ومبادئ أخرى كثيرة تعد من الأسس والقواعد المهمة في بناء الدولة المتحضرة.

وفي الجنبة الاقتصادية أهتم الرسول الاكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) اهتماماً بالغاً في حل كل ما يواجه الأمة من أزمات تتعلق بالاستئثار بالمال وشيوع الفقر امتثالاً لقوله تعالى  (مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا  وَاتَّقُوا اللَّهَ  إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وهذا يفسر ما يجري اليوم  في المجتمعات المعاصرة من شيوع للبطالة وانتشار الفقر.

أما في المضمار الاجتماعي والأخلاقي فالآيات الواردة في الحث على التآزر والتراحم والتكافل الاجتماعي والعفو والتسامح واحترام الآخر فهي كثيرة وفي متناول الباحث إذ يمكنه الرجوع اليها عبر الانترنت او من خلال اقتناء المصحف الشريف. 

في الختام ونحن اليوم أشبه بأسرة كبيرة في ظل هذا النظام التكنولوجي أدعو الجميع بمختلف ألوانهم وأشكالهم ولغاتهم الى البحث جيداً في سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لما له علاقة بالحاضر والمستقبل.

فضل الشريفي