الأسر العلمية في النجف الاشرف خلال القرن الحادي عشر.. أسرة آل الخرسان

 

من الأسر النجفية المعروفة بالعلم والورع والتقوى، ينتهي نسبها الى الامام موسى بن جعفر(ع)، سكنت النجف الاشرف منذ عهد مبكر في القرن السابع الهجري والى اليوم.

 والأسرة في النجف تضم بين جنبيها ثلاثة أجنحة.

أـ جناح خدمة الروضة العلوية المقدسة بفرامين عثمانية في القرن الثاني عشر الهجري وأوائل القرن الثالث عشر.

ب ـ جناح من الكسبة والتجار ممن يعمل في المهن الحرة داخل النجف وخارجها، وبعضهم يمتهن الزراعة ما بين كربلاء والنجف، وتمتد الأسرة بهذا الملحظ الى بعض القصبات المحيطة بالنجف الاشرف.

ج ـ جناح علمي آثر طلب العلم الشرعي والمعارف الإسلامية على الدنيا، وبرز منهم العلماء الأعلام والأفاضل الأمثال لاسيما في القرن الثالث عشر الهجري .

وعلا صيت الأسرة العلمي بالحجة الكبير السيد حسن بن السيد علي بن السيد شكر (ت 1265 هـ) في النصف من رجب. وكانت وفاته ببغداد وكان قد هاجر اليها بطلب من أعيان العاصمة العراقية، وتشير الوثائق أنه كان رجلاً جزلاً ذا تفكير صائب، فحين برز في علمه وتجلت براهين فضله، رأى العلم عملاً فهاجر لمضارب خزاعة مما يلي الديوانية وأطنابها، فعمرّ مدرسة علمية قصدها رواد العلم من أبناء العشائر العربية، وجدوا في الاشتغال والطلب والتحصيل، ورجع بهم المترجم له الى مدينة  العلم والعلماء: النجف الاشرف، وكانوا نواة صالحة لهجرة علمية منظمة من الحسكة والرماحية وقصبات تلك النواحي الى النجف الاشرف.

ولدى وفاته  في بغداد ، وكان أحد علمائها ـ كما أسلفنا ـ شيع الى النجف الاشرف في  السادس عشر من رجب ( 1265 هـ)، ودفن في حجرة آل الخرسان في الصحن الحيدري الشريف الواقعة جنب أيوان السيد محمد سعيد الحبوبي (ت 1333 هـ) والشيخ باقر القاموسي (ت 1352 هـ) وهي مقبرة الأسرة حتى اليوم، وأقيمت له الفواتح ورثاه جملة من شعراء عصره وفصل ذلك الاستاذ الدكتور علي خضير حجي في ترجمته للأسرة عند تقديمه (لفهرس مخطوطات آل الخرسان).

وخلف ولده العلامة السيد عباس ، فكان نعم الخلف لخير سلف، إذ تسنم مركز أبيه في بغداد داعياً الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة.

وبرز فيهم العالم السيد جعفر السيد أحمد الخرسان المولود في النجف في (7 ذي الحجة / 1216 هـ )، وكان شاعراً مجيداً، وأستحسن في شعره ــ وهو من قديم ما أحفظ ـ قوله وقد بنى داراً منظورة:

ومن المروءة للفتى    بنيان دار فاخرة

فإذا أستتم بناؤها      فليبن دار الآخرة

ونشأت في الاسرة طبقات من الفضلاء وأهل العلم كالسيد موسى السيد أحمد، والسيد موسى بن السيد حسن الخرسان ( ت 1321 هـ) والسيد محمد حسين بن السيد حسن (ت 1322 هـ) في طاعون النجف، ودفن في مقبرتهم،، أعقب ثلاثة من الأعلام.

السيد عبد الكريم.

السيد عبد الرضا.

السيد عبد الرسول.

فالسيد عبد الرسول من العلماء الأجلاء والأتقياء المعروفين في عباداته ومبراته، وهو ممن شارك في حركة الجهاد بقيادة السيد محمد سعيد الحبوبي سنة (1914 م) وقد هيج هو وأخوه السيد عبد الرضا عشائر السماوة وتلك الاطراف، دفعاً بهم الى الدفاع عن بيضة الإسلام (ت 1361 هـ)  وأنجب العالم الجليل ذا الخلق الرفيع السيد محمد صالح الخرسان، وهو من ألصق أصدقائنا وأصدقهم، نشأ نشأة علمية، وتخرج في بحثي الإمام السيد محسن الحكيم والإمام السيد أبو القاسم الخوئي، وله مواقف مشهودة في محاربة المبادئ الهدامة ومكافحة الطائفية، هاجر من العراق أيام  حكم الطاغية، وعاد بعد السقوط الى وطنه، وتوفي في (9 / ربيع الآخر /1426 هـ ).

وأدركت في عصرنا هذا العلامة الحجة السيد حسن بن السيد عبد الهادي بن السيد موسى بن السيد حسن الكبير.

ولد في المحرم (1322 هـ)، ونشأ على أبيه وفي ظل العلماء الأعلام وحضر ابحاث المراجع : السيد أبو الحسن الموسوي والشيخ محمد الحسين النائيني والشيخ ضياء الدين العراقي وأضرابهم، وهو من الأتقياء البررة والعلماء العاملين، ويعد من مشايخ التحقيق لاسيما في كتب الحديث والرواية، وقد حققت منها:

أـ من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق (ت 381 هـ) في أربعة مجلدات.

ب ـ تهذيب الاحكام للشيخ الطوسي (ت 460 هـ) في عشرة مجلدات.

ج ـ كتاب الاستبصار للشيخ الطوسي في أربعة مجلدات.

وهو كما يعرفه الناس على جانب عظيم من الزهد والجد في العمل، وترويض النفس سلوكاً ومجاهدة، وهو أحد أئمة الجماعة في الحرم الحيدري الشريف، وقد التزم منذ شبابه الاول بزيارة الامام الحسين (ع) في ليالي الجمع والمواسم المخصوصة.

وكان على هيبته يرتدي ثوباً أسود ويحمل قربة الماء في العاشر من محرم في الصحن الحسيني ويسقي الزائرين الماء.

وكان خشناً في ذات الله، لا تأخذه في الحق لومة لائم.

توفي في (12 / جمادي الأولى / 1405 هـ)، وخلف الأخوين العلمين السيد محمد مهدي والسيد محمد رضا آل الخرسان، وهما من العلماء الأعلام .

ولد السيد محمد مهدي الخرسان في (9/ رجب / 1347 هـ) ونشأ على أبيه نشأة علمية مهذبة، وحضر عند السيد محمود الحكيم السطوح العالية، ولازم بحث الإمام الخوئي خارجاً.

وله من الاعمال المعرفية ما يربو على أكثر من ستين عملاً معرفياً ما بين تأليف وتحقيق وتقديم وتعليق، وولده السيد صالح من فضلاء الحوزة العلمية .

وولده صديقنا الحميم العالم الرباني والفقيه المحقق السيد محمد رضا الخرسان ولد في النجف الاشرف  عام ( 1350 هـ )، وهو من ابرز تلامذة السيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي والسيد عبد الهادي الشيرازي، وأكب على التحصيل في مقدرة فائقة وهمة عالية، وهو أكبر من أن أصفه، وأشهر من أن أعرفه، كان وما يزال بعيداً عن الاضواء، ولا يرضى بمنحه أية صفة مضخمة، فهو ممن يزهد بالكثير من أعراف الزمان، وكم له من آثار علمية وتقريرات مهمة يأبى طبعها حذر الشهرة.

وللسيد محمد رضا هذا عدة أولاد من أهل الفضل والمعرفة كان أكبرهم السيد محمد جواد، وقد أعدمه الطاغية عام (1982 م).

وولده السيد محمد هادي من العلماء والمحصلين، ويحمل الدكتوراه في الشريعة الإسلامية، وهو مسؤول المكتب الشرعي للسيد السيستاني في بيروت.

أما ولده السيد محمد صادق فهو من مفاخر الحوزة العلمية في النجف ومن أساتيذها المعروفين، يدرس خارجاً فقهاً وأصولاً، وله بحث عال في الحديث الشريف رواية ودراية. وقد أصدر أكثر من عشرين مؤلفاً، وهو بعد في عنفوان شبابه.

المصدر: المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف مسيرة ألف عام

للأستاذ الأول المتمرس في جامعة الكوفة الدكتور محمد حسين علي الصغير

فضل الشريفي