يزيد بن معاوية في كلمات الصحابة والتابعين

لا تجد في التاريخ ما يوضّح سيرة يزيد وحياته بصورة واضحة، سوى إشارات من هنا وهناك؛ لأنّ الساحة تعجّ بالكثيرين من غيره من أصحاب السير الواضحة، فكان وجوده وجوداً خاملاً لم يعبأ به أحد، خصوصاً أنّ أُمّه طُلّقت من أبيه معاوية، وعادت إلى أهلها في البادية (1).

فالسبب الحقيقي في إغفال التاريخ ليزيد هو خموله، وعدم وجود ما يذكره المؤرِّخون من مناقب ومآثر وفضائل له، لا كما يحاول المدافعون عنه تصويره بأنّ ذلك يدخل ضمن حملة التعتيم على أخباره، والتشهير بسيرته، فالمؤرِّخون رغم ميولهم إلى تلك الكفّة، لكنّهم لم يذكروا عن يزيد شيئاً يدلّ على فضله، أو مبادئه ومناقبه، بل إنّهم ذكروا يزيد في مفاسده التي قام بها بعد تولّيه الخلافة، وأشاروا إشارات قليلة تدلّ على فسق الرجل وانحرافه قبل الخلافة؛ لذا سنحاول أنْ نتتبّع... أقوال الصحابة والتابعين... حول يزيد بن معاوية:

1ـ لعلّ أوّل ما يستوقفنا في هذا الصدد هو موقف [الإمام] الحسين بن عليّ (عليه السلام)، الذي لا يختلف أحد في فضله وجلالة أمره، وأنّه من أهل البيت(عليهم السلام) الذين نزلت فيهم آية التطهير، فالحسين(عليه السلام) ذكر بعض العلل التي جعلته يرفض بيعة يزيد، والتي منها فسق الرجل وشربه للخمور، فقال للوليد بن عتبة: «ويزيد رجلٌ فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلنٌ بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله»(2).

وقال لابن الزبير: «اُنظر أبا بكر، إنّى أبايع ليزيد! ويزيد رجل فاسق معلن الفسق، يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب والفهود، ويبغض بقية آل الرسول! لا والله، لا يكون ذلك أبداً»(3).

2ـ إنّ نفس الرجال المطيعين لمعاوية، بل معاوية نفسه كان على علم ودراية ومعرفة بأنّ يزيد لا يمتلك ما يؤهّله للخلافة؛ لذا حينما اقترح عليه المغيرة تولية يزيد طمعاً في بقائه على ولاية الكوفة، أجابه معاوية قائلاً: «ومَن لي بهذا».

فمعاوية يفصح بجوابه هذا إلى أنّ هذا الأمر يحتاج إلى تدبير، وإلى أناس تقوم به، فقال المغيرة: «أكفيك أهل الكوفة، ويكفيك زياد أهل البصـرة، وليس بعد هذين المِصرين أحدٌ يخالفك».

ولمّا رجع المغيرة إلى أصحابه قال: «لقد وضعت رجل معاوية في غرزٍ بعيد الغاية على أُمّة محمد، وفتقت عليهم فتقاً لا يُرتق أبداً»(4).

وحين وصل كتاب معاوية إلى زياد وهو في البصرة يعلمه فيه بفكرة المغيرة، أجابه زياد بحقيقة ما يعرفه عن يزيد قائلاً: «فما يقول الناس، إذا دعوناهم إلى بيعة يزيد، وهو يلعب بالكلاب والقرود! ويلبس المصبّغ! ويدمن الشـراب! ويمشـي على الدفوف، وبحضرتهم الحسين ابن علي، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر! ولكن تأمره أن يتخلّق بأخلاق هؤلاء حولاً وحولين، فعسينا أن نموّه على الناس»(5).

وفي المصادر الأُخرى أنّ زياداً أحضر عبيد بن كعب النميري، وأخبره: أنّ يزيد صاحب رسلة وتهاون، مع ما قد أُوله به من الصيد، وطلب منه أنْ يذهب إلى معاوية ويخبره بفعلات يزيد، ويطلب منه التأنّي في الأمر(6).

3ـ وفي تاريخ اليعقوبي، أنّ عبد الله بن عمر حين رفض بيعة يزيد، قال: «نبايع من يلعب بالقرود والكلاب، ويشـرب الخمر، ويظهر الفسوق! ما حجّتنا عند الله؟!»(7).

4ـ وإنّ عبد الله بن الزبير قال: «لا طاعة لمخلوق في معصية خالق، وقد أفسد علينا ديننا».(8).

وجاء في تاريخ خليفة بن خياط: «حدّثنا أبو الحسن عن بقية بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: لمّا بلغ يزيد بن معاوية أن أهل مكة أرادوا ابن الزبير على البيعة فأبى، أرسل النعمان بن بشير الأنصاري وهمام بن قبيصة النميري إلى ابن الزبير يدعوانه إلى البيعة ليزيد، على أن يجعل له ولاية الحجاز، وما شاء وما أحبّ لأهل بيته من الولاية، فقدما على ابن الزبير، فعرضا عليه ما أمرهما به يزيد، فقال ابن الزبير: أتأمراني ببيعة رجل يشـرب الخمر ويدع الصلاة ويتبع الصيد...؟!»(9).

وفي أنساب الأشراف للبلاذري، قال: «قال الواقدي وغيره في روايتهم: لّما قتل عبد الله بن الزبير أخاه عمرو بن الزبير، خطب الناس فذكر يزيد بن معاوية، فقال: يزيد الخمور، ويزيد الفجور، ويزيد الفهود، ويزيد القرود، ويزيد الكلاب، ويزيد النشوات، ويزيد الفلوات. ثمّ دعا الناس إلى إظهار خلعه وجهاده...»(10).

5ـ وقال الصحابي عبد الله بن حنظلة: «يا قوم، اتّقوا الله وحده لا شريك له، فوالله ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أنْ نُرمى بالحجارة من السماء، أنّ رجلاً ينكح الأمّهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة، والله لو لم يكن معي أحدٌ من الناس لأبليت لله فيه بلاءً حسناً»(11).

ولمّا قدم المدينة عائداً من عند يزيد، أتاه الناس فقالوا: ما وراءك؟ قال: «أتيتكم من عند رجلٍ والله، لو لم أجد إلّا بنيّ هؤلاء لجاهدته»(12).

6ـ وقال المنذر بن الزبير، وكان أحد الوفد الذين التقوا يزيد: «والله، لقد أجازني بمائة ألف درهم، وإنّه لا يمنعني ما صنع إلى أن أخبركم خبره وأصدقكم عنه، والله إنّه ليشرب الخمر، وإنّه ليسكر حتى يدَع الصلاة»(13).

7ـ وذكر البلاذري والطبري ـ واللفظ للثاني ـ أنّ وفد وجهاء المدينة العائد من لقاء يزيد، أظهروا شتمه، وقالوا: «إنّا قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشـرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويضـرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسامر الخراب والفتيان، وإنّا نشهدكم أنّا قد خلعناه»(14).

وقال ابن كثير: «وكان سبب وقعة الحرة أنّ وفداً من أهل المدينة، قدموا على يزيد بن معاوية بدمشق، فأكرمهم وأحسن جائزتهم، وأطلق لأميرهم، وهو عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر، قريباً من مائة ألف، فلمّا رجعوا ذكروا لأهليهم عن يزيد ما كان يقع منه من القبائح في شربه الخمر، وما يتبع ذلك من الفواحش التي من أكبرها ترك الصلاة عن وقتها، بسبب السكر، فاجتمعوا على خلعه، فخلعوه عند المنبر النبوي»(15).

8ـ وقال الصحابي معقل بن سنان الأشجعي (استُشهد يوم الحرة) لمسلم بن عقبة، عند لقائه به في طبرية ليلة خروجه من يزيد: «...فنرجع إلى المدينة فنخلع هذا الفاسق بن الفاسق، ونبايع لرجل من المهاجرين أو الأنصار»، وقد أسرّ مسلم هذه الكلمة في قلبه، وذكّره بها يوم الحرة، وأمر بقتله فقُتل(16).

9ـ وقال عوانة:  «كان مسور بن مخرمة [وهو صحابي] وفد إلى يزيد قبل ولاية عثمان بن محمد، فلمّا قدم، شهد عليه بالفسق وشرب الخمر، فكتب إلى يزيد بذلك، فكتب إلى عامله يأمره أن يضرب مسوراً الحدّ، فقال أبو حرّة:

أيشـربها صهباء كالمسك ريحها     أبو خالد ويضرب الحدّ مسور»(17).

10ـ قال محمد بن أبي السري: حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي نية، عن نوفل بن أبي الفرات، قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فذكر رجلٌ يزيد، فقال: قال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فقال: «تقول أمير المؤمنين! وأمر به فضُرِب عشرين سوطاً»(18).

إلى غير ذلك من الشهادات العديدة من الصحابة والتابعين الذين عاصروا يزيد، وعرفوا فسقه وانحلاله واستهتاره بالقيم والمبادئ.

من كتاب (الأُطر الشرعية والقانونية لثورة الإمام الحسين(ع)) للدكتور حكمت الرحمة

مؤسسة وارث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

ـــــــــــــــــــــــــ

  1. انظر: أبي الفدا، إسماعيل، المختصر في أخبار البشر (تاريخ أبي الفداء): ج1، ص193. ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ دمشق: ج70، ص134.
  2. ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف: ص17.
  3. ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج5، ص12.
  4. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج3، ص504.
  5. اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي: ج2، ص220.
  6. اُنظر: الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص325. ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج38، ص212. ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، المنتظم في تاريخ الأُمم والملوك: ج5، ص285.
  7. اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي: ج2، ص228.
  8. المصدر السابق: ج2، ص228.
  9. العصفري، خليفة بن خياط، تاريخ خليفة: ص194.
  10. البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج5، ص319.
  11. ابن سعد، محمد، الطبقات الكبرى: ج5، ص66.
  12. العصفري، خليفة بن خياط، تاريخ خليفة: ص181.
  13. الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص369. ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، المنتظم في تاريخ الأُمم والملوك: ج6، ص7.
  14. الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص368. واُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج5، ص320.
  15. ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية: ج6، ص262.
  16. اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج5، ص328. ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج4، ص119. واللفظ للثاني.
  17. البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج5، ص320.
  18. الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج5، ص275.