العراق والعراقيين تاريخ وحضارة

د. سعد عبد الحسين التميمي

يمرّ الشعب العراقي في الوقت الحاضر بجملة من التحديات الصعبة التي قد تدفع بالواقع الاجتماعي نحو الضعف ولكن هذا الاحتمال ليس مناسباً اذا ما علِمنا ان الانسان العراقي هو اصل الحضارة الانسانية، وهو الذي علّم البشرية الحرف والكلمة والكتابة، وهو اول من سنَّ القوانين والمسلّات، وأول من تحضّر وعلّم الانسانية معنى الحضارة.

ان شعوب العالم اذا كانت تفخر بحضارة واحدة كما يفخر المصريون بالحضارة الفرعونية و يفخر الايرانيون بالحضارة الفارسية والاوربيون بالحضارة الرومانية فشعب العراق يفخر بأربع حضارات سادَت لقرون عديدة وهي الحضارة السومرية والاكدية والبابلية والاشورية.

من هذا المنطلق فإن هناك محطات تاريخية يحق للعراقيين ان يفخروا بها ويستلهمون منها روح التجديد والابتكار والسيادة والتطور:

1-المحطة الاولى مع ابو البشرية نبينا آدم (عليه السلام) الذي اشارت معظم المصادر التاريخية انه اول من وطأ ارض العراق بل وذهب بعض المفسرين الى ان ادم (عليه السلام) كان يسكن جنة ارضية وليست جنة الآخرة التي فيها الخلود الدائم. نبينا نوح (عليه السلام) الاب الثاني للبشرية كان ايضا يسكن ارض العراق فهو عراقي كان بيته في مسجد الكوفة. مسجد الكوفة الشاخص اليوم كان مَسكناً لنبي الله نوح (عليه السلام) حيث من هنا فار التنور وحدث الطوفان.

2-المحطة الثانية مع ابو الانبياء ابراهيم (عليه السلام) فهو عراقي ولد في بابل وعاصر اكبر طواغيت عصره وهو الملك النمرود الذي حكم الارض كلها. التاريخ يقول ان الارض حُكمت اربع مرات من قبل فرد واحد عبر التاريخ البشري، حاكمان عادلان هما سليمان (عليه السلام) وذي القرنين (عليه السلام) وحاكمان جائران وهما النمرود ونبوخذ نصر، وهما عراقيان. النمرود ادعى الربوبية وواجهه ابراهيم (عليه السلام) لوحده وكسر الاصنام، ولذلك ورد بالآية (ان ابراهيم كان أمة) أي ان ابراهيم لوحده مثّلَ دور أمة الايمان مقابل أمة الكفر. ولذلك حكموا عليه بالحرق فأعدوا محرقة هائلة ورموه بالنار بواسطة المنجنيق ولكن الله تعالى جعل النار برداً وسلاماً على ابراهيم. وهنا ورد في حديث شريف يجب على كل عراقي ان يعرفه فقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله) لقد همَّ جدّي ابراهيم ان يدعو على اهل العراق فأوحى الله اليه ألا تفعل فإني جعلتُ خزائن علمي فيهم وانزلتُ الرحمة في قلوبهم. وهذا تشريف عظيم من رب العزة والجلال.

3-المحطة الثالثة هي محطة نبي الله يونس (عليه السلام) الذي بُعث في نينوى شمال العراق وهي محافظة الموصل الحالية، بُعث يونس (عليه السلام) الى 100 الف يسكنون نينوى ولبث فيهم 30 عاماً ولم يؤمن به إلا اثنان هما تنوخا العابد و روبيل العالم. اقترح عليه تنوخا ان يدعوا على القوم أما روبيل فقال اني آمل فيهم ان يؤمنوا بعد حين. لكن يونس (عليه السلام) دعا عليهم وبدأت بوادر العذاب فرحل عنهم مع تنوخا وأما روبيل فطلبَ منه ان يبقى مع القوم لعلهم يرجعون عن كفرهم. ولما نزل العذاب من السماء علمَ القوم ان عذاب ونقمة الله تعالى نازلة عليهم فأجتمع اهل الحل والعقد الكبار وقالو ان هذا هو العذاب فلنذهب الى روبيل ليعلّمنا ماذا نعمل؟.

سألوا روبيل فقال لهم نعم انه عذاب الله مثل العذاب الذي نزل على قوم عاد وثمود. قالوا له ماذا نفعل لرد عذاب الله تعالى؟.. هنا علّمَ العراقيون العالم اجمع كيف يتصرفون اذا نزلت نقمة الله... قال لهم أخرجوا جميعا مع حيواناتكم وانتشروا على قمم الجبال حول نينوى وادعوا الله وتوبوا اليه... وصدق الله العظيم عندما قال

((لهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ))(الرعد:11)

ففعل الجميع ذلك فتوقفَ عنهم العذاب وارجع الله لهم نبيهم وتمت نعمته عليهم فورد بالآية 98 سورة يونس: ((فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ)) (98 :يونس)

4- المحطة الرابعة خلال العصر الاسلامي. وهنا يبرز لنا اختيار الامام علي (عليه السلام) للكوفة من ارض العراق عاصمة للامة الاسلامية. فلقد قام الامام (عليه السلام) بنقل عاصمة الخلافة الاسلامية من المدينة الى العراق فاختار العراق من بين 52 دولة بعالم اليوم كانت تحت لواء الخلافة الاسلامية آنذاك... انه تشريف للارض وتشريف لشعب العراق الذي قال الامام (عليه السلام) فيهم يا اهل العراق اني لم آتي لأعلّمكم ولكن اتيت لأعلّم الناس بكم. علم الإمام ان شعب العراق سيحفظه في قلبه ويحافظ على مدرسة اهل البيت بكل وجوده وسوف يثبت للمحن وينقل هذا الحب من جيل للآخر من كابر الى كابر دون كلل او ملل... وفعلا رأينا خلال التاريخ ان مدرسة اهل البيت انتشرت في شعوب عديدة وخاصة شعوب المغرب العربي وعلى رأسها مصر التي حكمها الفاطميون وبنوا فيها جامع الازهر الشامخ ليومنا هذا.

ولا غرابة ان ارض العراق تشرفت بولادة الامام الحجة ابن الحسن الامام الثاني عشر عليه السلام، فقد ولد في محافظة تكريت على ارض سامراء التي كانت حينها تسمى بأرض العساكر... الامام الحجة صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه هو عراقي المولد وهو الامام الوحيد الذي ولد خارج الحجاز او المدينة.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل نبقى نحن اليوم واقفين على اطلال الماضي؟ ام ننطلق من ماضينا التليد الى حاضرنا ومستقبلنا المجيد بإذن الله تعالى؟

واذا كانت اجابتنا بالإيجاب فعلينا ان نعلم ان الاختلاف سنّة من سنن الله بالأرض: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ () إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين)) [هود :118_119].

ولذا قال الحكماء الغربيون ان التنوع من منكهات الحياة

Varieties are the Spices of the Life

وان الوحدة في التنوع unity in diversity.  والتنوع يخلق حالة تنافس ويعطي المشهد جمالية مهمة لإدامة حركة الحياة.

علينا ان نترك التعصب والعصبية فقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله) عنها دعوها فإنها نتنة... وقال، من مات وفي قلبه مثقال ذرة من عصبية حشر مع اعراب الجاهلية... و لما سُئل يا رسول الله (صلى الله عليه واله) ما العصبية فقال (صلى الله عليه واله): (العصبية ان ترى شرار قومك افضل من خيار قوم اخرين... التعصب للوطن او المذهب او الدين او العشيرة او المنطقة كلها مرفوضة بالإسلام.

وبهذا الجو الديمقراطي بالعراق يستطيع الشعب الواعي ان يشخص الأمناء والشرفاء ويجعلهم مؤتَمَنين على العراق ليعيدوا مجده التليد وليشمخ من جديد..

قيل ان صحابة رسول الله (صلى الله عليه واله) سألوه سؤالاً فقالوا: يا رسول الله من اين نطلب الخير قال (صلى الله عليه واله) اطلبوه في المدينة... فقالوا وان انتهى خير المدينة  قال (صلى الله عليه واله) اطلبوه في الشام... قالوا وان انتهى خير الشام قال (صلى الله عليه واله) اطلبوه في العراق... فقالوا وان انتهى خير العراق قال (صلى الله عليه واله) ان في العراق خير كثير لا ينتهي الى يوم القيامة.