الحزن الحسيني (قضية كونية) في الموروث الإسلامي
تختلف بواعث ومبررات الحزن الحسيني عن غيره من الانفعالات والآلام الاخرى، فالقضية الحسينية قضية إلهية كونية (بمضمونها وشخوصها وكل ما يمت لها بصلة) علم الانبياء (ع) بفحواها قبل أوان وقوعها وتفاعلوا معها وتأثروا بها.
ومن مصاديق هذا التأثر هو بكاء النبي الاكرم (ص) على الإمام الحسين (ع).
رَوى في مستدرك الصحيحين بسنده عن شداد ابن عبد الله عن ام الفضل بنت الحارث ، إنها دخلت على رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلماً منكراً الليلة .
قال : " و ما هو " ؟
قالت : إنه شديد .
قال : " و ما هو " ؟
قالت : رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت و وضعت في حجري .
فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله ): " رأيت خيراً ، تلد فاطمة ان شاء الله غلاماً فيكون في حجرك " .
فولدت فاطمة سلام الله عليها الحسين عليه السلام فكان في حجري كما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله ).
فدخلت يوماً على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة فاذا عينا رسول الله (صلى الله عليه و آله) تهريقان من الدموع .
قالت : فقلت : يا نبي الله بأبي انت و امي ـ ما لك ؟
قال : " أتاني جبريل فاخبرني إن امتي ستقتل ابني هذا " .
فقلت : هذا ؟
فقال : " نعم ، و أتاني بتربة من تربته حمراء " .
بتتبع سيرة الإمام الحسين (ع) منذ ولادته وحتى استشهاده في واقعة الطف الأليمة سنة 61 هـ عطشانا مظلوما مقطع الاوصال وحوله أهل بيته وانصاره القلة مقتولين من أجل الذود عن الحسين (ع) رمز الإصلاح يجد الباحث ان الحزن على الإمام الحسين (ع) بواعثه العقل والوجدان والعلم والتاريخ والفطرة السليمة.
لذا يتساءل المستشرق الانكليزي إدوارد براون: «وهل ثمة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ ثم يعود ليجيب: حتّى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلّها.
نستشف من مقولة براون ومقولة الآثاري الانكليزي وليم لوفتس (( لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في التاريخ الانسانية وأرتفع بمأساته الى مستوى البطولة الفذة ))
وقول المستشرق الألماني ماربين بحق الإمام الحسين (ع):
قدم الحسين للعالم درسا في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما. لقد اثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر ان الظلم والجور لا دوام لهما. وان صرح الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر الا انه لا يعدو ان يكون امام الحق والحقيقة الا كريشة في مهب الريح.
ان مفكري وفلاسفة المجتمع الدولي يقرّون بقداسة القضية الحسينية وعظم مبادئها وديمومتها، وان مشاعرهم تتوحد ازاء هذه القضية لذا فإن قضية تأثر بها الانبياء (ع) وتخلدت على مر العصور وشهدت بعظمتها النخب العالمية تجعل من يسمع عنها او يقرأ ان يقف عندها طويلا ليتأمل ويعتبر ويفهم فلسفة الحزن على الحسين (ع).
فضل الشريفي