نظرةٌ على أركان الدولة البويهية وسياستها

د. سعد عبد الحسين
حكمَ البويهيون 126 سنة من سنة 321 الى 447 هجري وامتدَّ حكمهم من شيراز الى كل ايران والعراق الى عمان وملوكهم هُم اول من لقّبوا شاهنشاه، اي ملك الملوك وظل هذا اللقب لمن خلفهم من حكام بلاد فارس.

وقيل ان أبوهم هو ابو شجاع البويهي، وهو رجل فقير كان حطاباً يأتي بالحطب من الجبال ليبيعه بالمدينة، توفيت زوجته وكان لديه ثلاثة اولاد، فاشتد به الحزن وضاقت به الارض فأخذه صديقه الى بيته هو واولاده ليواسيه ويطعمه.

وصادف ان مرَّ رجل منجّم ومفسّر للمنامات فقال له ابو شجاع انا رأيت مناماً كأنني تخرج مني نار عظيمة استطالت وعلت وبلغت السماء ثم صارت ثلاث شعب وتفرّع من كل شعبة عدّة شعب فضاقت الدنيا وخضع لها البلاد والعباد.

 فقال له المنجّم هذا المنام عظيم لا افسّره إلا بخلعةٍ، اي ملابس موسم كامل، فقال له ابوشجاع والله لا املك درهماً إلا ثوبي هذا. ولو اخذته بقيت بلا ملبس... فقال المنجّم إعلم يا ابا شجاع ان اولادك سيصبحون ملوك الارض ويعلو ذكرهم  في الافاق  ويولد لهم ملوك بقدر ما رأيت من تلك الشعب من النار.  فقال له ابو شجاع اما تستحي مني انا رجل فقير واولادي مساكين فكيف يصبحون ملوكاً فقال ابو شجاع لأولاده اصفعوه واطردوه فأخذ يستغيث ثم قال لهم: اذكروا لي هذا اذا قصدتكم وانتم ملوك.

فضحكوا عليه... ولكن ما ان تمر الايام الا وقام ابو شجاع بادخال اولاده الى سلك الشرطة والجيش فاصبحوا قادة وامراء واخذوا يستميلون الناس بحسن معاملتهم ولما اطمأنوا الى قوتهم عملوا ثورة واستقلوا عن الحكم العباسي. فتولّى الابن الاكبر لأبو شجاع واسمه علي البويهي عماد الدولة. وحكم 16 سنة وطد فيها ملك البويهيين على ايران والعراق. وجاء من بعده اخيه ركن الدولة ثم اخيهم الثالث احمد فلُقب معز الدولة.

وبزمن معز الدولة جعل يوم عاشوراء عطلة رسمية  ليصبح يوم الحزن العام لكل الدولة البويهية. وبعد معز الدولة اصبح ابنه عضد الدولة هو الخليفة، وبعهده بلغت الدولة البويهية اقصى قوتها فقد كان عادلاً حازماً حكيماً وعني بمعرفة الاخبار فأنشأ اول جهاز استخبارات.

وبثّ رجال الاستخبارات بين الناس فكان يعلم ما يحدث بكافة انحاء مملكته. فلو تكلم عليه رجل بمصر وصل اليه الكلام في شيراز واحضره عنده. فكان الناس يحترزون في كلامهم وافعالهم حتى مع نساءهم وغلمانهم.

وساد الرخاء والامن ارجاء مملكته وهو اول من انشأ بنك التسليف والاعمال، فأخذ الناس يعمرون القصور والضياع  وكان يحب العلم والعلماء وحملة العلم من الاطباء والمهندسين وفرض لهم رواتب ضخمة.

وكان عضد الدولة يعظم الشيخ المفيد (رضي الله عنه) ومن اهم اثاره تجديد بناء الاضرحة فبدأ بضريح الامام علي أمير المؤمنين (عليه السلام)  بالنجف الاشرف. وقد اوصى بدفنه قرب ضريح الامام. وكذلك بنى ضريح الامام الحسين والجوادين والعسكرين (عليهم السلام). ولما توفي عضد الدولة تولى ولده الامور وسائت الاحوال والحروب عليه بين الاخوه والاقارب من البيت البويهي.

ابرز ما قام به البويهيين هو نشرهم للتشيع وتعظيم مشاهد اهل البيت عليهم السلام وابراز علماء الشيعة واحياء الشعائر الحسينية والاحتفال الرسمي بيوم الثامن عشر من ذي الحجة بعيد الغدير وهو عيد البيعة لرسول الله (صلى الله عليه واله) وللامام علي (عليه السلام) بالخلافة.

ولقد شجع الحكام البويهيين الروح الادبية والعلمية فامتاز  عهدهم بالخصب العلمي والادبي فاستشاروا ابرع الكتاب وابرزهم واعتمدوا عليهم في تدبير شؤون الحربية والسياسية  والادارة والمال. فلذلك لمعت اسمائهم وعظمت هيبتهم وقصدهم الشعراء ومدحوهم حتى قال المتنبي بمدح عضد الدولة:

وقد رأيت الملوك قاطبةً ... وسرت حتى رأيت مولاها

ومن مناياهم براحته ... يأمرها فيهم وينهاها

أبا شجاع بفارسٍ عضد ال ... دولة فناخسرو شهنشاها

أسامياً لم تزده معرفةً ... وإنما لذةً ذكرناها

ولقد أفرد حكّام بويه للعلماء من كل الاختصاصات موضعاً بالقرب من مجلسهم وانشأوا اكبر مكتبة تحتوي على كل صنوف العلوم ولهذا اينع العلم وزاد المتعلمون وفتحت في زمانهم الجامعات والمدارس واضافوا للحضارة الانسانية الشيء الكبير.