نساء في ذاكرة الخلد: أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري

بقلم/ الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

ابنة السفير الثاني محمد بن عثمان العمري، راوية للحديث، من ألقابها: الكبيرة.(1)

عاشت في بيئة موالية لأهل البيت (عليهم السلام)، فجدها هو عثمان بن سعيد، ثقة الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) والسفير الأول للإمام المهدي (عليه السلام)، وأبوها محمد ثقة الإمام العسكري والسفير الثاني للإمام المهدي (عجّل الله فرجه).

نقلت النص على سفارة الشيخ الحسين بن روح، حيث روي عن هبة الله بن محمد بن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال : حدثتني أم كلثوم بنت أبي جعفر رضي الله عنه قالت : كان أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه وكيلا لأبي جعفر رضي الله عنه سنين كثيرة ينظر له في أملاكه ، ويلقي بأسراره الرؤساء من الشيعة ، وكان خصيصاً به حتى أنه كان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه وأنسه.

قالت: وكان يدفع إليه في كل شهر ثلاثين دينارا رزقا له غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة ، مثل آل الفرات وغيرهم لجاهه ولموضعه وجلالة محله عندهم ، فحصل في أنفس الشيعة محصلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاص أبي إياه وتوثيقه عندهم ، ونشر فضله ودينه وما كان يحتمله من هذا الامر. فمُهِّدتْ له الحال في طول حياة أبي إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه ، فلم يختلف في أمره ولم يشك فيه أحد إلا جاهل بأمر أبي أولاً ، مع ما لست أعلم أن أحداً من الشيعة شك فيه...(2)

وكانت هي نفسها محل ثقة لدى السفير الثالث وكان يثق بها ويركن إليها، ويعتمد عليها في توجيه النساء وتعليمهن، ولها منزلة رفيعة لعلمها، ولها فضل في رد تيار الغلو والانحراف، مما أخبرت به السفير الثالث، حيث أخبرته بفعل أم أبي جعفر بن بسطام معها من تقبيلها ليدها ورجلها، وأنها كانت تعتقد ان أم كلثوم هي فاطمة الزهراء عليها السلام، حيث أن الشلمغاني أسر لها ولأمثالها من بني بسطام بفكرة انتقال أرواح المعصومين (عليهم السلام) إلى بعض الأشخاص، وأن روح الزهراء (عليها السلام)، انتقلت إليها، ففضح أمرهم، وخرج التوقيع الشريف بلعن الشلمغاني ومن تابعه وشايعه.

قالت الكبيرة رضي الله عنها : وقد كنت أخبرت الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر بن بسطام قالت لي يوما وقد دخلنا إليها فاستقبلتني وأعظمتني وزادت في إعظامي حتى انكبت على رجلي تقبلها, فأنكرت ذلك وقلت لها : مهلا يا ستي فإن هذا أمر عظيم ، وانكببت على يدها فبكت ثم قالت : كيف لا أفعل بك هذا وأنت مولاتي فاطمة ؟ فقلت لها وكيف ذاك يا ستي ؟

فقالت لي : إن الشيخ أبا جعفر محمد بن علي خرج إلينا بالسر ، قالت : فقلت لها : وما السر ؟ قالت : قد أخذ علينا كتمانه وأفزع إن أنا أذعته.

عوقبت ، قالت : موثقا أني لا أكشفه لاحد واعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ رضي الله عنه يعني أبا القاسم الحسين بن روح .

قالت : إن الشيخ أبا جعفر قال لنا : إن روح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انتقلت إلى أبيك يعني أبا جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنه ، وروح أمير المؤمنين عليه السلام انتقلت إلى بدن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، وروح مولاتنا فاطمة عليها السلام انتقلت إليك ، فكيف لا أعظمك يا ستنا.

فقلت لها : مهلا لا تفعلي فإن هذا كذب يا ستنا ، فقالت لي : [ هو ]  سر عظيم وقد أخذ علينا أننا لا نكشف هذا لاحد ، فالله الله في لا يحل لي العذاب ، ويا ستي فلو [ لا ] أنك حملتيني على كشفه ما كشفته لك ولا لاحد غيرك .

قالت الكبيرة أم كلثوم رضي الله عنها : فلما انصرفت من عندها دخلت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح رضي الله عنه فأخبرته بالقصة ، وكان يثق بي ويركن إلى قولي ، فقال لي : يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعدما جرى منها ، ولا تقبلي ( لها ) رقعة إن كاتبتك ، ولا رسولا إن أنفذته ( إليك ) ولا تلقيها بعد قولها ، فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد ، قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ، ليجعله طريقا إلى أن يقول لهم : بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه ، كما يقول النصارى في المسيح عليه السلام ، ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله .

قالت : فهجرت بني بسطام وتركت المضي إليهم ، ولم أقبل لهم عذرا ولا لقيت أمهم بعدها ، وشاع في بني نوبخت الحديث ، فلم يبق أحد إلا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه وممن يتولاه ورضي بقوله أو كلمه فضلا عن موالاته ...(3)

لم يغْرِها موقعها وموقع جدها وأبيها، ولم تستغله لأغراضها الشخصية، وعندما عظمها بنو بسطام بما ليس فيها لم تنخدع، وثبتت على ولائها لأهل البيت (عليهم السلام)، وقامت بوظيفتها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهي في كل ذلك قدوة للمهدويات، في أن لا يجعلن مركزهن الاجتماعي مدعاة للتكبر والتغطرس والخروج عن الدين الحق.

-------------------------------

1- [الغيبة للطوسي ص 363 ح 328.]

2-[الغيبة للشيخ الطوسي ص 372 ح 343

3- [ الغيبة للشيخ الطوسي ص404 – ح405 ]