مسجد السهلة المعظم.. موطن مقامات الانبياء والصالحين وموضع استجابة الدعاء

تقرير: سلام الطائي

تحرير: فضل الشريفي  

يقع مسجد السهلة المعظم في ظاهر الكوفة العلوية المقدسة في العراق , ثاني مدينة مصرت بعد الفتح الإسلامي  والواقعة على مسافة ( 10 / كم) تقريبا من مركز مدينة النجف الأشرف  و (150/ كم ) تقريبا عن العاصمة العراقية بغداد, و يشمخ مسجد السهلة المشرف في الجهة الشمالية الغربية من المسجد الكوفة  بنحو ( 2 / كم) في أرض كانت خالية من العمران و السكن.

و مسجد السهلة هو البقعة التي اختطت  بعد مسجد الكوفة المشرف, ليكون أحد أكبر المساجد التي أعيد تشييدها في الكوفة العلوية المقدسة خلال القرن الأول الهجري.

تاريخ تأسيسه

يفتقر الإرث التاريخي لمسجد السهلة المعظم إلى الكثير من المفاصل المحددة لتأسيسه و مراحل تطور عمرانه , بسبب ما مر بالكوفة من أحداث جسام بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام, ونالت معابد الله و مساجده من الإقصاء, و الإهمال, و التدنيس, و الإغلاق, و الاستبدال, و طمس المعالم, و الهدم و محو لوحة الذكرى , و منع نقل الرواية , وقتل المترددين إليها و الحافظين لروايات تشريفها , و تغييب رجالها في قعر السجون و لا ريب أن مسجد السهلة المعظم قد نال حظه الأوفر من هذه الجولات القاسية من الطغاة و الظالمين لكن الرحمة الإلهية قد حفظت لهذا المكان الطاهر بعض النصوص الكريمة التي أشار إليها أئمة أهل بيت الوحي عليهم السلام و لم يستطع أولئك الظالمون أن يغيبوا رغم كل ما عملوا الأحاديث و الروايات الشريفة التي تحدث بها أمير المؤمنين و أبناؤه الطاهرون عليهم السلام عن المسجد المشرف و من تلك الأحاديث يستدل الباحثين على قدم هذه البقعة المباركة ؛ كونها كانت بيت النبي إدريس عليه السلام و موضع عمله , و بيت النبي إبراهيم عليه السلام و مقر انطلاقته , و مسكن عبد الله الصالح الخضر عليه السلام و محل تردده , و مقر النبي دواد عليه السلام و مصدر توجهه، كما يستدل الباحثين على المعنى الواسع الممتد لقداسة هذا المكان العظيم  بما ورد عن حملة الوحي عليهم السلام من أن كل الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام قد صلوا فيه , و لعل حمل المسجد لأسماء شتى , دليل آخر على قدم بناءه و انه في كل مرحلة تجديد أو حقبة زمن يحمل اسم القوم الذين يجددونه أو يجاورونه و يبدو أن هيكل البناء و طرز عمارته تشير إلى نمط المشيدات في القرن الأول الهجري, و إلى أن المسجد كان مشـيدا قبل زمن خلافة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في الكوفة ( 35- 40 )هـ و لعل تلك المرحلة من تجديد البناء قد ارتبطت ببني ظفر  و هذا ما تؤكده إشارة الأمير عليهم السلام إليه في حديثه بتسميته بمسجد بني ظفر, و (وهؤلاء بطن من الأنصار نزلوا الكوفة ).

أسماء أخرى للمسجد وعلل تسميتها

أطلقت على مسجد السهلة الشريف تسميات شتى , فسمي ب( مسجد القرى ) , و ( المسجد البري ) ,و(مسجد سهيل ) و ( مسجد عبد القيس ) و ( مسجد بني ظفر ) , مضافا لتسمية ( مسجد السهلة ) , التي غلبت عليه، فأما تسميته ب ( مسجد القرى ) , فنسبة إلى ما روي عن أمير المؤمنين إذ انه قال: (( إن بالكوفة أربع بقاع مقدسة , فيها أربع مساجد , قيل : سمها يا أمير المؤمنين , قال : أحدها مسجد ظفر, و هو مسجد السهلة وإن مسجد السهلة مناخ الخضر , و ما أتاه مغموم إلا فرج الله عنه , و نحن نسمي مسجد السهلة بمسجد القرى )). و أما تسميته ب( المسجد البري ) , فهو من البر , أي الإتساع في الإحسان و الزيادة.

 و سمي (بمسجد سهیل) لما ورد عن الإمام الباقر في ذلك و هو يتحدث عن الكوفة المقدسة حيث قال : (( هي الزكية الطاهرة ,فيها قبور النبيين و المرسلين و غير المرسلين , و الأوصياء الصادقين , و فيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبيا إلا و قد صلى فيه . ) , ورأى بعض الكتاب أن اسم (سهیل) قد يكون إسم أحد مجددي بناءه, أو أحد المتعبدين فيه .

مقامات يحتضنها المسجد

تنتشر في ساحة المسجد و في أركانه عدة مقامات و محاريب للأنبياء والأئمة والأولياء عليهم السلام وهي :

مقام الإمام الصادق عليه السلام : يقع في وسط المسجد , و تشير الروايات إلى أن الإمام جعفر الصادق أدى الصلاة فيه مرارا , وفيه لبي صرخة لمؤمنة سجينة مظلومة نطقت بقول ( لعن الله ظالميك يا فاطمة ) ,وأدى عليه السلام صلاة ركعتين بين المغرب و العشاء مشفوعة بالدعاء (أنت الله لا إله إلا أنت مبدئ الخلق ومعيدهم وأنت الله لا إله إلا أنت خالق الخلق ورازقهم...) فأطلق سراحها فورا.

مقام النبي إبراهيم عليه السلام: يقع في الزاوية الشمالية الغربية للمسجد, و هو موضع بيت النبي إبراهيم عليه السلام كما ورد ذلك عن الإمام الصادق بقوله (فيه كان بيت إبراهيم الذي كان يخرج منه إلى العمالقة) والعمالقة : قوم من ولد (عملیق ) أو (عملاق) بن لاوذ بن ارم بن سام بن نوح النبي، وهم طائفة من بني كركر بعد حروب وقعت بينهم, وقد كانوا ينزلون أسفل مكة.

مقام النبي إدريس عليه السلام: يقع في الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد, و هو المنزل والموضع الذي كان يخيط فيه نبي الله إدريس عليه السلام , كما ورد عن الإمام الصادق بقوله (هو منزل إدريس ، وما بعث الله نبيا إلا وقد صلى فيه ).

مقام العبد الصالح الخضر: يقع في الزاوية الشرقية الجنوبية , وهو على ما تشير إليه الروايات مكان استراحة العبد الصالح الخضر وموطن تردده كما صرحت بذلك الروايات العديدة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.

مقام الصالحين والأنبياء والمرسلين عليهم السلام : يقع في الزاوية الشمالية الشرقية , و يسمى أيضا مقام الأولياء و الصالحين عليهم السلام , و ينسبه البعض فيسميه مقام النبي صالح عليه السلام كما أن البعض سمي هذا المكان الشريف بمقام نبي الله عیسی عليه السلام , ويبدو أن تسميته بمقام الصالحين والأنبياء والمرسلين جاءت لجمع الروايات والأخبار التي تشير إلى تردد مختلف الأنبياء عليهم السلام إلى هذه البقعة الشريفة , كما ورد في الكثير من الأخبار عن الأئمة الأطهار , والتي منها قول الإمام الباقر (لم يبعث الله نبيا إلا وقد صلي فيه).

مقام الإمام زین العابدین (عليه السلام)  : يقع بين الزاوية الجنوبية الشرقية  ووسط المسجد, و تشير تسميته إلى أداء الإمام علي زين العابدين عليه السلام الصلاة فيه.

مقام الإمام صاحب الزمان : يقع مقام الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في منتصف الضلع الجنوبي من المسجد تقريبا, وقد أشار الإمام الصادق  في جملة من الأحاديث إلى أن مسجد السهلة المقدس سيتشرف بالمنقذ الأعظم ، ومن ذلك قوله عليه السلام (هو من البقاع التي أحب الله أن يدعى فيها وما من يوم ولا ليلة إلا والملائكة تزور هذا المسجد ، يعبدون الله فيه ، أما أني لو كنت بالقرب منكم ، ما صليت صلاة إلا فيه).

 مراحل اعماره

توزعت مراحل الإعمار في مسجد السهلة المعظم على اجزاء مختلفة وفي فترات متفاوتة منها: قبل عام 750 هـ شيدت الجهة القبلية اي الرواق الجنوبي للمسجد وفي عام 1181هـ بنى المقدس السيد محمد مهدي بحر العلوم بناية لمقام الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف وثبت المقام واقام عليه قبة من الكاشي الازرق  وبين عام 1200ــ 126 هـ تم بتوجيه آية الله العظمى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر بناء البناية الملاصقة لمسجد السهلة من حيث الدخول من بابه للمحافظة على قدسية المسجد ولتكون مسكنا لخدامه وموضعا لقضاء حاجات المصلين وفي عام 1303 هـ قام المرحوم الحاج محمد صادق الاصفهاني بتشييد الغرف على الجدار الجنوبي الشرقي وفي عام 1303 هـ جدد المرحوم الحاج محمد مقام الامام جعفر الصادق عليه السلام وفي عام 1308 قام المرحوم الحاج محمد باقر البوشهري بالحاق غرف للاواوين السابقة على الجانب الشمالي الغربي للمسجد ووضع لها ابوابا وقام بتغطية سطح قبته بالكاشي الازرق ثانية وفي عام 1326 هـ تم اعادة بناء محراب الامام الحجة ووضع عليه شباك من البرونز وفي عام 1349 هـ تم وضع شباك من الخشب لمحراب الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف وفي عام 1351 هـ , قام المرحوم الحاج محمد رضا البوشهري , ببناء الأروقة بصورة جديدة  وتبليط كافة سطوح المسجد وفي عام 1367 هـ , قام المغفور له الحاج عبد المحسن شلاش بترميم المسجد وفي عام 1369 هـ , تبرع المغفور له الحاج رضا النجار النجفي بالباب الرئيسية للمسجد وفي عام ۱۳۷۱ هـ , تبرع المرحوم الحاج عبد الله جعفر روجي من أهالي مومباسي - زنجبار بشباك برونزي لمحراب الإمام الحجة وفي عام ۱۳۷۹ هـ , قام المغفور له الحاج عبد الزهرة فخر الدين  بإعادة بناء مقام الحجة وتوسیعه , و تشييد الأروقة و الطارمة الأمامية و تثبيت العديد من الآيات الكريمة و النقوش على بعض الأجزاء و في عام ۱۳۸۷ هـ , شيدت المنارة الحالية للمسجد وفي عام ۱۳۸۹ هـ , قامت الأوقاف العراقية بإكساء أرصفة الأروقة الداخلية للمسجد وفي عام ۱۳۹۰ هـ , أجريت مراحل إعمار أخرى للمسجد بأمر زعيم الطائفة السيد محسن الحكيم وفي عام ۱۳۹۲ هـ , قامت الأوقاف العراقية برصف الجوانب الأمامية المحيطة بالمسجد بالطابوق الخرساني وفي عام 1394 هـ , قام المغفور له الحاج عبد المنعم ناصر مرزة  بتشييد بناية جديدة لمقام الحجة و بسعة (۱۲۰ م ۲ ) عليها قبة من الكاشي الأزرق وفي عام 1396 هـ قامت الأوقاف العراقية برصد مبلغ ۷۰۰۰دينار خاصة للتأسيسات الكهربائية للمسجد و40۰۰ دينار لترميم سقوف المسجد , و أرضية مقام الإمام الصادق عليه السلام, و الممر الواصل بين مقامات الأنبياء إبراهيم و إدريس إلى مقام الخضر وفي عام 1415 هـ , قام المغفور له الحاج محمد رشاد ناصر مرزة  بتوسيع المقام من الجانبين و أعاد إعماره بمساحة (۳۹۰ م۲ ) , و بعد ان توفي (رحمه الله) أكمل ولده المرحوم الحاج عبد الحسين العمل وذلك بإكساء الأرضيات بالكاشي المطعم  و إنهاء العمل بالجدران الداخلية , و تطعيمها , و تغليف الواجهة الخارجية بالطابوق المنجور, و تزيين الجدران الخارجية و الداخلية بازارة من المرمر وفي عام 1420هـ تمت المباشرة بإعادة بناء المسجد بكافة أجزاءه بأمر السيد محمد سعيد الحكيم وفي عام  1429هـ تم إنجاز إكساء الصحن الشرقي للمسجد بالرخام وفي عام 1429 هـ , تمت المباشرة ببناء مؤسسة مسجد السهلة المتخصصة بتراث أهل البيت عليهم السلام ملاصقة لجداره الجنوبي وفي عام 1431 هـ, تمت المباشرة بأعمال التوسعة الكبرى لمقام الإمام زين العابدين عليه السلام والإمام الحجة عجل الله فرجه.

المصادر

محمد بن جعفر المشهدي –فضل الكوفة و مساجدها

السيد البراقي - تاريخ الكوفة

الشيخ المجلسي - بحار الأنوار

العلامة الحلي - منتهى المطلب (ط.ق)

الشيخ محمد بن جعفر المشهدی - المزار الكبير

السيد محمد حسين الطباطبائي - تاريخ الانبياء

د. كامل سلمان الجبوري - مساجد الكوفة

الشيخ الطوسي - التهذيب  ج ۲۰

إبن قولويه - كامل الزيارات