الأندلس الهوية الإسلامية المفقودة

• تحرير: حيدر المنكوشي
تقع بلاد الأندلس والتي تسمى شبه الجزيرة الأيبيرية بسبب اشتراكها بين البرتغال واسبانيا في الجنوب الغربي من أوربا ويفصل شبه الجزيرة الأندلسية عن المغرب مضيق أصبح يُعرَف منذ الفتح الإسلامي بمضيق جبل طارق ويسميه الكُتَّاب والمؤرخون العرب باسم درب الزقاق والذي تُحيطه المياه من كل جانب.
 وقد سميت بالأندلس بسبب نزوح بعض القبائل والتي تعرف بالفندال أو الوندال باللغة العربية فسميت بعد ذلك بفانداليسيا على اسم القبائل التي كانت تعيش هناك وبمرور الزمن ولسهولة التداول سميت باندوليسيا  ومن ثم الأندلس.
الطريق إلى الأندلس :
وصل الإسلام إلى إسبانيا مبكراً، وذلك عندما غزا المسلمون جزيرة إيبريا في سنة (93هـ - 711 م) واكتسح المد الإسلامي أكبر مساحة من شبه جزيرة إيبريا في سرعة مذهلة وأتى الغزو بنتائج رائعة، ومن العوامل التي ساعدت على الانتشار التشابه الطبيعي في بعض ملامح شبه الجزيرة العربية وشبه جزيرة إيبريا فلم يمضِ على دخول العرب ثلاثون عاماً ألا وكانت إيبريا بكاملها في حوزة الإسلام ، بل تجاوزها نفوذهم إلى جنوب فرنسا وادخل العرب في ايبريا زراعة المدرجات الجبلية ومدوا شبكات الري المعقدة، وأدخلوا محاصيل جديدة، وتحولت البلاد إلى مشعل للحضارة.
و ما يظن البعض جهلا أو تجهيلا إن القائد الأموي عبد الرحمن بن معاوية الأموي (ت 172 هـ) الشهير بالداخل، هو من فتح الأندلس من أيدي النصارى، وبه يبدأ عصر الإسلام في الأندلس بتأسيس الدولة الأموية في المغرب الإسلامي في العام 138 هـ، بعد أن سقطت في المشرق الإسلامي في العام 132 هـ، ولكن الصحيح أن الإسلام دخل الأندلس نهاية القرن الأول الهجري وخضعت إداريا خلال 45 عاما لـ (22) واليا، ثم تولاها فيما بعد عبد الرحمن الداخل.
ولقد كانت الموجة الأولى لفتح الأندلس من المؤلفة قلوبهم من العرب والبربر الذين آخى بينهم الإسلام وبهذا الفتح تحولت الأندلس إلى مشعل الحضارة الوسيطة، وامتد تأثير الحضارة الإسلامية إلى الممالك الأوروبية، وتلقى طلاب العلم من المسيحيين من العلوم العربية مما أثار فيهم النشاط فاجتمعت فيهم ركيزة الحضارة فيما بعد وأسس العرب الهيكل الحضاري الذي ما زال يميز إسبانيا، ويضم القاموس الأسباني مفردات من العربية ،وتدر الآثار الإسلامية في أسبانيا بأكثر من ملياري دولار وانتهى حكم العرب في أسبانيا بسقوط غرناطة في سنة (898 هـ- 1492 م) بعد عقد من المعاهدة والذي التزمت فيه الأطراف باحترام الدين ولكن سرعان ما نقضت المعاهدة وحوكم المسلمون أمام محاكم التفتيش التي أصدرت أحكامها بالإعدام حرقاً على أعداد كبيرة من المسلمين واستمرت هذه المحاكم تمارس سلطانها أكثر من ثلاثة قرون ولم تلغ إلا في القرن التاسع عشر.
ومع مرور الزمن أخذت الحكومات المركزية والمحلية مواقعها في عموم إسبانيا وأسهم الإسلام والمسلمون في نشر الثقافة الإسلامية، فعلى سبيل المثال فان مدينة قرطبة التي تشكل القاعدة الأساس للأندلس الإسلامية فانه خلال قرن واحد أُلفّ أكثر من خمسة عشر ألف كتاب ونقلوا صناعة الورق من بغداد إلى الأندلس، كما أسسوا أكثر من سبعين مكتبة عامة، وكان القادمون من شمال أوروبا يسمعون  بشيء من الرهبة عن المدينة التي احتوت على عشرات المكتبات، وكانت مدينة طليطلة أول مركز علمي عظيم لنقل الثقافة من الإسلام إلى المسيحية في الغرب في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين.
وهذا المفهوم يقرّه نجل ملكة المملكة المتحدة أمير مقاطعة ويلز، الأمير تشارلز (Charles Philip Arthur George) في كلمة له ألقاها لدى افتتاحه مركز أكسفورد للدراسات الإٍسلامية في 27/10/1993م، كونه الرئيس الشرفي، جاء فيها: نحن انتقصنا من أهمية المجتمع الإسلامي وثقافته في إٍسبانيا لمدة ثمانمائة عام ما بين القرنين الثامن والخامس عشر الميلادي. فالإسلام في إٍسبانيا ساهم مساهمة كبيرة في الحفاظ على الأسس العلمية في عصور الظلام كما ساهم في وضع اللبنة الأولى لبداية عصر النهضة في أوروبا، ولم يكن إسلام إسبانيا مجرد كنز مدفون تم اكتشافه على يد الغرب، وعن قرطبة وعموم الأندلس يضيف الأمير تشارلز: قرطبة في القرن العاشر كانت أكثر المدن حضارة في القارة الأوروبية، وكثير من عناصر الحضارة التي تفتخر بها أوروبا المعاصرة منبعها الإسلام في إسبانيا، مثل فن الدبلوماسية، والتجارة الحرة، وفتح الحدود، ومناهج البحث العلمي، والأنثروبولوجي، والأزياء، والعلاج بالأعشاب والمستشفيات.
و تشير الإحصائيات الدقيقة إلى أن تعداد المسلمين يبلغ بنحو 1,2مليون نسمة بنسبة 3% معظمهم من طلاب العلم والعمال والأسبان الذين اعتنقوا الإسلام طوعاً والمهاجرين وغيرهم.
الحسين في الأندلس 
تعدّ نهضة الإمام الحسين في واقعة الطف مصدر الهام لكل حر ومنبع فكري وثقافي لما شملته ثورته المباركة لتصل الى ابعد نقطة في العالم ولترفع راية باسم الحسين في كل بلدان العالم ولم تكن الأندلس ببعيدة عن هذه الرايات حيث يشير المحقق الكرباسي أن الإسلام دخل الأندلس ودخل معه التشيع والولاء لأهل البيت (عليهم السلام) من طرق عدة، أهمها عبر الجيش الإسلامي الفاتح، الذي كان فيه عدد كبير من العوائل العربية التي تدين بنصرة أهل البيت، وكان معظمها من العراق واليمن، منهم القائد حسين بن عبد الله بن حنظلة الصنعاني المشهور بحنش الصنعاني (ت 100 هـ)، والقائد عبد الله بن سعد بن عمار بن ياسر (ت 143 هـ)، والقائد الحسين بن يحيى الخزرجي (كان حيا عام 165 هـ)، فضلا عن أن موسى بن نصير كان من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام)، وكان هذا الولاء أحد أسباب خلعه في العام 96 هـ من قبل سليمان بن عبد الملك الأموي (ت 99 هـ)، ثم اعتقاله والتنكيل به وتعذيبه وتجريده من كل ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة.
ويرى المحققون ان الإسلام الشيعي دخل الى الأندلس من طريقين:
الأول: عبر الأندلسيين الذين رحلوا إلى المشرق الإسلامي وبالأخص إلى العراق ومصر والمغرب ثم عادوا متأثرين بثقافة أهل البيت (عليهم السلام)، وكان في مقدمتهم محمد بن عيسى القرطبي الذي كان حيا في العام 221 هـ.
ثانيا: عبر عدد من علماء المشرق الإسلامي الذي باشروا بنشر ثقافة أهل البيت (عليهم السلام)، ومنهم أبو اليسر الرياضي إبراهيم بن محمد الشيباني (ت 317 هـ)، البغدادي النشأة والذي تجول وعمل في المغرب الإسلامي والأندلس.
وكان للقمع الذي مورس بحق أهل البيت (عليهم السلام) والموالين لهم في المشرق الإسلامي من الأسباب الداعية إلى هجرة رجالات الإسلام إلى المغرب الإسلامي ومنه إلى الأندلس، ومنهم نسل الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) (ت 50 هـ.
وعلى الرغم من الصراعات بين الإمارات وظهور ثورات بالضد من الحكم الأموي وقمعها، حتى عدها البعض بنحو 14 ثورة، مثل ثورة شقيا بن عبد الواحد المكناسي (ت 160 هـ)، رغم كل الصراعات فان التشيع عرف في تلك البلاد حتى شاع وظهر بحيث أصبحت القضية الحسينية والتي هي من أقوى ظواهر التشيع فاشية في الأندلس، وقد برز شعراء عدة وهم يرثون الإمام أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) كما جرت الطقوس والشعائر الحسينية في عاشوراء، وظلت حتى نهاية الحكم الإسلامي في الأندلس عام 898 هـ.
ومع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحالي، تعززت مدرسة أهل البيت في إسبانيا من خلال هجرة الباكستانيين واللبنانيين للعمل في إسبانيا كما ساعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في العام 1979م وهجرة العراقيين في عهد نظام صدام (2006 م) إلى زيادة المشاريع الحسينية.
أول حسينية تأسست في إسبانيا من التاريخ الإسلامي الحديث هي حسينية الأمة في مدينة غرناطة وكان من وراء تأسيسها مجموعة من الطلاب الإيرانيين واللبنانيين الذين كانوا يدرسون في جامعة غرناطة، وكانت تعرف هذه الجالية بالأمة وتاريخها يعود إلى سنة 1406 هـ- 1986م، على إن أول مسجد لشيعة أهل البيت (عليهم السلام) في العصر الحديث أقيم في العام 1376 هـ باسم مسجد أهل البيت في برشلونة، كما إن محبي أهل البيت (عليهم السلام) تمكنوا ولأول مرة في تاريخ إسبانيا الحديثة في يوم العاشر من شهر محرم العام 1426 هـ من تنظيم مسيرة حسينية حاشدة في مدينة برشلونة.

الهيئات والمؤسسات الإسلامية في إسبانيا
ظهرت مجموعة من الهيئات والمؤسسات الإسلامية في غرناطة ثم انتشرت خصوصاً بعد صدور حرية الأديان ويبلغ عددها 49، منها المركز الإسلامي الأسباني، جمعية المسلمين الأسبان في غرناطة، الجمعية الإسلامية في إسبانيا، الجمعية الإسلامية في قرطبة، الجمعية الإسلامية في أشبيلية، المفوضية الإسلامية في إسبانيا. كما يوجد المركز الإسلامي الثقافي في مدريد ويضم مسجد ومدرسة تقوم بتعليم العلوم الإسلامية واللغة العربية واللغة الأسبانية، والقرآن الكريم، ومعمل لتعليم اللغات ويوجد المعهد العربي للدراسات الأكاديمية، والمعهد الأسباني العربي للثقافة في مدريد، والمدرسة العربية في مدريد وكذلك مسجد في مدريد، أُفتتح سنة 1992.
التحديات التي يواجهها الإسلام

1-  ظهور فئات ضالة في الوسط الإسلامي في إسبانيا.
3- وجود بعض الجمعيات الفردية.
4- وجود المصاعب المالية مما أدى إلى تخلف الأعمال الإنشائية للمدارس والمراكز الإسلامية.
5- عدم المساواة في الأجور بين العمال المسلمين وغيرهم.
المتطلبات
1- الحاجة إلى مدرسين لتعليم الدين الإسلامي يجيدون اللغة الأسبانية.
2- إرسال بعثات طلابية إلى الجامعات الإسلامية.
3- إقامة مخيمات صيفية للشباب المسلمين.
4 – ترجمة الكتب الإسلامية إلى اللغة الأسبانية. 
5- التعريف بثورة الإمام الحسين عليه السلام وأهميتها في حياة الفرد المسلم وغير المسلم عن طريق إصدارات مطبوعة باللغة الاسبانية