مواقع تواصل أم خراب اجتماعي

تحقيق: عماد بعو

تحرير: فضل الشريفي

تعد تقنيات التواصل الاجتماعي التي غزت العالم وجهاً من وجوه العولمة العديدة، وكما ان لهذه التقنيات مميزات مكنت المستخدمين من التواصل والاستفادة في شتى الميادين فإن التعامل معها يتطلب الحذر ومراعاة المعايير القانونية والأخلاقية, وتوظيف هذه التقنيات توظيفاً أمثل يسهم في بناء المجتمعات بدلاً من هدمها، خصوصاً ان مستخدمي هذه التقنيات يتعاظمون يوماً بعد آخر.

فبحسب وكالات ان "حسابات شركة الاستشارات الرقمية كيبيوس أظهرت في تقريرها ربع السنوي الأخير دراسة حديثة أن ما يقرب من خمسة مليارات شخص، أي ما يزيد عن 60 بالمئة من سكان العالم، يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي, ويمثل ذلك زيادة بنسبة 3.7 بالمئة مقارنة بالعام الماضي.

وبات عدد مستخدمي الشبكات الاجتماعية يناهز عدد مستخدمي الإنترنت البالغ 5.19 مليارات شخص والذي يشكّل 64.5 في المئة من سكان العالم.

كما أظهرت الدراسة ازدياداً في مقدار الوقت الذي يمضيه المستخدمون على وسائل التواصل الاجتماعي بمعدل دقيقتين، ليصبح ساعتين و26 دقيقة يومياً, هنا أيضاً، تسجل فوارق كبيرة، إذ يمضي البرازيليون ما معدله 3 ساعات و49 دقيقة يومياً على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما يمضي اليابانيون أقل من ساعة, ولكل مستخدم في المعدل حسابات على سبع شبكات اجتماعية.

مواقع التواصل الافتراضي أضرت بالتواصل الواقعي

رافق هذا التزايد في الاستخدام بروز مخاوف من الادمان وسوء التعامل مع هذه المواقع ، وبهذا الخصوص أبدى رئيس قسم ادارة الأعمال في كلية الاسراء الجامعة الدكتور جعفر طالب رأيه قائلاً "ان استخدام الاجهزة الحديثة وخاصة الموبايل من قبل البعض تسبب بالكثير من الاشكاليات التي تركت أثراً سلبياً على المجتمع ومنها اشكالية التواصل الاجتماعي المباشر بين الأهل والاصدقاء, فالكل كان سابقاً يتآلف على مائدة الطعام ويتفاعل في حديثه ومشاعره، أما اليوم نجد ان الضيف أو الصديق يترك التواصل والتفاعل مع الجالسين وينغمس في التصفح عبر مواقع التواصل وهذا الأمر أضعف العلاقات الاجتماعية والأسرية".

وحذر الدكتور طالب من ضرورة الانتباه الى كيفية التواصل بالقول ان" بعض البرامج والمحتويات قد تكون غير لائقة وهدفها تسقيط المجتمعات وتفكيكها بصورة وبأخرى, وخير مثال هو التهجم على كتاب الله الكريم, فعندما لاحظوا ان القرآن الكريم هو جزء لا يتجزأ من عقيدة المجتمعات المسلمة سعوا للعمل على تفكيك هذه المجتمعات من الداخل عبر ما يبث من هذه المواقع".

هدر الوقت بدلاً من الاستفادة منه في التواصل الهادف

يرى رئيس اتحاد الناشرين العراقيين الدكتور عبد الوهاب الراضي" ان الشخص يفقد الكثير من وقته في مسألة التواصل الاجتماعي كقراءة منشور او مراسلة اشخاص حول أمور غير مهمة وغير نافعة،  والصحيح هو ان يقرأ وان يستفيد من الميزات التي توفرها هذه الوسائل في تحقيق المنفعة والفائدة".

وختم حديثه برسالة خاطب بها شريحة الشباب قائلا" يمكن للشباب الاستفادة من الايجابيات الكثيرة والمتعددة التي توفرها التكنلوجيا الحديثة ومنها الاطلاع على الاحداث و الاخبار اليومية التي تهم المجتمع والتواصل مع الاصدقاء, ونقل ما هو حديث ونافع وله مساس بالقضايا الجوهرية التي يطرحها أصحاب الشأن والاختصاص وفي مختلف الميادين والعلوم". 

القراءة بديل ناجع للاستفادة وتمضية الوقت

المواطنة زهراء أحمد أفادت في حديثها عن مواقع التواصل بالقول" ان أغلب شبابنا قد وقع ضحية الإدمان على الوسائل الحديثة بشكل ملفت للنظر وخصوصا الالعاب الالكترونية المنتشرة بشكل واسع بين اوساط شبابنا, وهنا نصيحتي الى الشباب والمجتمع هي اقتناء الكتاب وقراءته, لان القراءة مهمة جدا فهي تسهم في نضج العقل وتطوره وترفع الرصيد العلمي والمعرفي للشخص, وأنصح بقراءة الكتب التاريخية والعلمية الهادفة لكبار المؤلفين عبر العالم".

هل أثرت مواقع التواصل الاجتماعي على اقتناء الكتب؟ 

مصعب اشمر من دولة لبنان، صاحب دار كتب، قال ان " التواصل الاجتماعي اثر بنسبة ضئيلة في موضوع القراءة واقتناء الكتاب الورقي, لكنه يأخذ الكثير من وقت الشباب الذين يمضون ساعات التواصل في اللهو ".

ولفت الى ان "القراءة عند المجتمعات العربية نراها مميزة وفي بعض الاحيان تمر بأوقات تنخفض عندها القراءة بصورة عامة سواء كانت قراءة الادب او الفلسفة وغيرها من العلوم، وبرأي الشخصي أعتقد ان المجتمع العربي مجتمع قارئ ومحب لاقتناء الكتاب الورقي رغم الانتشار الواسع للتكنولوجيا".

فيما يتقاطع الباحث الاستاذ سامي هيال في رأيه مع صاحب دار الكتب الأستاذ أشمر بصدد تأثير تقنيات التواصل على اقتناء الكتب قائلاً " ان ثمانين او تسعين بالمائة من المجتمع قد ابعدتهم التكنولوجيا عن قراءة الكتب, اما بقية شرائح المجتمع من الدراسات العليا وغيرهم يحتّم عليهم ان يعتمدون على الكتاب، واحيانا الكتاب يكون  محملا ً على شبكات الانترنت, وهنا اقول عندما تقرأ كتاب مطبوع فإن ذلك يختلف عن تصفحه عبر الوسائل الحديثة مثل الحاسوب او الموبايل اختلافاً جوهرياً".

ونوّه هيال الى ان" التدني بمستوى القراءة كان نتيجة لبث مواضيع مروجة ومصنعة وجاهزة وذات مونتاج يتناغم مع مستواها مثل مقاطع من افلام او مسلسلات او مقاطع تكوينية غير هامة تسرق الوقت من اغلب شبابنا ومجتمعنا لذا نتمنى من الدولة دعم الكتاب و المساهمة باسترجاع مكانته وتشجيع اقتنائه". 

مسرح متكامل للجريمة

من جانبه، أشار القاضي ناصر عمران في حديثه لـ”الصباح”، إلى أن “العوالم الافتراضية اختطت علاقات خاصة وسلوكيات محرمة اجتماعياً ومجرمة قانونياً، ولكن بسبب التطور التكنولوجي أصبحت القوانين النافذة قاصرة عن تنظيمها على المستوى المدني، لذا نحن بحاجة الى تشريعات مدنية تنظم العلاقات داخل المجتمع برؤى جديدة  تتناسب مع الشبكة العنكبوتية ومتغيراتها “، لافتاً إلى أن “الاستخدام السيئ لمواقع التواصل الاجتماعي بدت آثاره واضحة في عالم الجرائم التي تجد لها في قانون العقوبات حصراً وتطبيقاً؛ خاصة بما يتعلق بقضايا التشهير والسب والقذف والابتزاز الالكتروني والاحتيال التي كان سببها تلك المواقع التي باتت مسرحاً متكاملاً للجريمة”.

ويؤكد عمران، أن “الجانب التحقيقي في الدعوى الجزائية بحاجة الى أدوات اثبات وطريقة عمل جديدة تتجاوز الأدلة والقرائن المرتهنة بالإجراءات الشكلية، وان تشرّع قوانين جديدة تستوعب وجود وسائل الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي، أما على المستوى الجزائي فإن مشروع (قانون الجرائم المعلوماتية) هو خطوة بالاتجاه الصحيح لتحقيق التوازن الجديد الذي فرضته وسائل الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي كافة للحد من ظاهرة الابتزاز الالكتروني”.

ويذهب أستاذ علم الاجتماع الدكتور محمد عبد الحسن في حديثه لذات الصحيفة المذكورة الى ان "التوظيف السلبي يمثل الاستخدام السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي انتهاكا للقواعد الدينية من حلال وحرام”.

ويضيف ان" مخاطر الاستخدام السيئ أعم وأوسع تأثيراً وقد تصل في بعض مدياتها الى قتل بعض الأشخاص، أو تسقيطهم اجتماعياً، الأمر الذي يؤدي الى استبعادهم عن ساحة الفعل الاجتماعي وذلك يمثل بالتالي قتلاً لهذا الانسان، وبمثابة أذى وتحطيم لمجمل حلقة العلاقات العائلية والاجتماعية للإنسان المستهدف، لذا كان في أغلب خطب المرجعية الأخيرة التأكيد على ضرورة التحري والتقصي، وعدم التسرع في إعطاء الاحكام أو المشاركة في الأخبار، إذ تريد المرجعية خلق مجتمع واع، ملتزم يعرف حجم المسؤولية وخطورة الكلمة وأثر هذه الكلمة في صيرورة البناء الاجتماعي".

ويلفت الدكتور عبد الحسن، إلى أن "المرجعية تريد أن توصل رسالة الى عموم المستعملين لمواقع التواصل الاجتماعي؛ مفادها أن (هذه الوسيلة بذات الوقت الذي تكون فيه عنصرا للتواصل والافادة يمكن أن تكون عنصراً للخراب والتخريب الاجتماعي، وإن وسائل التواصل ينطبق عليها جل الأحكام المتعلقة بالتعامل بالتي هي أحسن، والحفاظ على حرمات الناس، وعدم نشر الرذيلة أو الفاحشة، أي ان هذه الوسائل لها أحكامها التي يجب أن تتمحور حول مفردة لا ضرر ولا ضرار، وإن الانسان سوف يحاسب أخروياً ودنيوياً فضلاً عن كونه قد يكون عرضة للمحاسبة والعقاب الاجتماعي والقانوني في الحياة الحالية)".