مرجعية الإمام الأكبر السيد محسن الطباطبائي الحكيم (ت 1390هـ) الحلقة الثانية

وعند سقوط النظام الملكي وقيام ثورة 14تموز/ 1958 م وابراقه لعبد الكريم قاسم هو والعلماء محذرين ومنذرين من اتباع سلوك ما قبلهم، الى الفوضوية التي أحدثها  الحزب الشيوعي العراقي في النجف وبغداد والمسيب والموصل والفرات الأوسط، الى تحريم الانتماء للحزب الشيوعي، الى تدخله الى جانب الضباط الأحرار، وتوصيته  بعدم تنفيذ أحكام الإعدام في حركة الشواف في الموصل، لاسيما في الزعيم الركن ناظم الطبقجلي والعقيد رفعت الحاج سري  رئيس خلية الضباط الأحرار الى إعدامهم مراغمة لأوامره، الى مقاطعة الدولة لهذا ولقانون الأحوال الشخصية وعدم استقباله عبد الكريم قاسم ورفضه لذلك رفضاً قاطعاً، حتى أحداث ثورة 14 رمضان/ 1383 = 8 شباط / 1963 م وما جرى فيها من الانتقام الدموي مطالباً بالعقلانية  وتحريم  سفك الدماء الى حركة (18 تشرين/ 1963م) والتي تزعمها عبد السلام محمد عارف واغراق البلد بطائفية بغيضة لا أول لها و لا آخر، وأمر السيد الحكيم بإقامة  الاحتفالات والمهرجانات لصد ذلك التيار البغيض الى قيام انقلاب (17 تموز/ 1968م) والمشكلات الكبرى التي عانى منها الشعب العراقي ، الى أحكام الإعدام العشوائية والمعتقلات  الرهيبة الى استنكاره ذلك الى إتهام ولده السيد مهدي الحكيم بالجاسوسية الى مقاطعته  للنظام والتدريس وصلاة الجماعة الى وفاته.

ولكن  ما جرى بعد وفاته أعظم وأعظم من أن يتصوره أحد لاسيما بالقبض على آلاف الزائرين من المواكب الزاحفة نحو الإمام الحسين عليه السلام في زيارة الاربعين، بما فيهم ولده السيد محمد باقر، وقد حكم عليه بالسجن المؤبد وإعدام كوكبة من شباب النجف الاشرف الى القبض على أسرته، وإعدام العشرات منهم واعتقال العشرات الآخرين لمدة ثاني سنوات، في فوضى عارمة من الارهاب الدموي  لا أول لها ولا آخر.

ونتيجة اعتكاف السيد الحكيم في داره بالكوفة، وخروجه يوماً في الأسبوع الى الحرم الشريف وتكثيف الحكم لممارسته في الاستبداد والدكتاتورية وكمّ الافواه وخنق الأصوات، مما جعل حالته الصحية تتدهور، فغادر بعد اللتيا والتي الى لندن، ورقد في احدى مستشفياتها (لندن كلنك)، وقد أصيب بسرطان المثانة، وكان عمره الشريف أربعة وثمانين عاماً، وقد انهكته الهموم والاحزان والوضع الخطير في العراق، وعاد الى العراق في مايس 1970 م، بعد أن فقد الأطباء في لندن الأمل في شفائه، ورقد بمستشفى ابن سينا ببغداد وهو قرب القصر الجمهوري ومجلس الوزراء فما زاره أحد من المسؤولين قط! واصبحت ساحة المستشفى الأمامية، وحدائقه ميداناً لآلاف العائدين، وكانت رؤيته تقتصر على بعض الأعلام والمستشارين لمنع الأطباء لذلك.

وقد زرته عائداً وهو في تلك الحال، وعلى سرير الموت، كان شاحباً، تغلب على وجهه الحمرة، وهو نحيف الجسم بشكل ملفت للنظر، فأنشدته

نذر الناس يوم برئك صوماً    غير أني نذرت وحدي فطرا

عالماً أن يوم برئك عيد       لا ترى صومه  وأن كان نذرا

فأستحسن ذلك واعاده مراراً

وفي يوم (26/ ربيع / 1390 هـ =1 حزيران/ 1970م) انتقلت روحه الى الرفيق الأعلى ونعته الإذاعات العربية والعالمية، ونقل جثمانه بعد تغسيله من قبل ولده الشهيد السيد محمد باقر الحكيم  الى الحرم الكاظمي  المقدس حيث سجي هناك، وبات ليلته في حرم الإمامين الكاظمين، وصباح اليوم  التالي زحفت الجماهير.. فشيع الى النجف الاشرف، ودفن في مقبرته التي أعدها لنفسه عند مكتبته العامة بجوار المسجد الهندي.

المصدر: كتاب المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف مسيرة ألف عام

للأستاذ الأول المتمرس في جامعة الكوفة الدكتور محمد حسين علي الصغير