اليونسكو واليوم العالمي للفن الإسلامي

الباحث: صباح محسن كاظم

في شهر نوفمبر من كل عام يتم الاحتفاء عالمياً بالفن الإسلامي الذي يعكس أهميته للبشرية، حيث القيم الجماليّة والروحيّة التي تمنحها الطاقات التعبيريّة الإيجابيّة بصناعة العقول من خلال المنجز الإسلامي بالفن وأشكاله التعبيريّة بالزخرفة، والعمران، والقباب الذهبية والمنارات، والخط والرسم، والأبواب والأقواس، والمزججات وكل الجوانب الإبداعية العلمية في تراثنا قدمها المبدع الفنان العربي والإسلامي.

لقد تأثرتْ بتلك المنجزات الفنية والعلمية والأدبية كل الحضارات البشرية.. فما زرتُ متحفاً في تركيا - ايران - مصر - لبنان - تونس - سلطنة عمان - وكل المتاحف الإسلامية والعامة إلا ووجدتُ الدهشة والرهبة بالمنجز الساحر للتاريخ الإسلامي.. وآخرها زيارتي الثالثة لمصر فوجدتُ ان التاريخ ليس بصامت إنما يُعبر يُصرح يرمز ويَحكي قصة الحضارة الإسلامية، بشتى جوانب تاريخ العلم، فالمتحف الإسلامي بالقاهرة يمثل الموروث الحضاري بما قدم للبشرية، والهوية الإسلامية، بفخر الأيام وزهوها بالدولة الفاطمية.. كل ذلك بتاريخ مصر، والعالم العربي في متحف الحضارة الإسلامي الذي قدّمتهُ لنا بشرح وبيان موجز السيدة الآثارية إيمان إبراهيم حسن، والمؤرخة الدكتورة ولاء محمد وهي تطوف بنا بأرجاء المتحف.. وقد وضحت أمينة المتحف السيدة إيمان في تلك الزيارة بالقول:

قصة بناء متحف الفن الاسلامي

انها قصة بناء أكبر متحف للآثار الإسلامية في العالم، وهو متحف الفن الإسلامي بالقاهرة الذي نفّذَ  بأمر ملكي من الخديوي توفيق للأوقاف سنة ١٨٨١م حيث أمر بجمع كل التحف الفنية النفيسة الموجودة في المساجد والبيوت القديمة، وأثمر هذا عن قاعة واحدة لم يحدد لها إسم خاص ولكن سُمح للجمهور بزيارتها بهدف دراسة مقتنياتها الأثرية.

وفي سنة ١٨٨٤م أصبح جامع الحاكم بأمر الله مقر للآثار العربية لمدة ١٨ سنة، وفي سنة ١٩٠٢م انتقلت كل القطع الأثرية إلى المبنى الجديد الموجود في ميدان باب الخلق، واختير موقع متحف الآثار العربية بعناية، فكان موقع فريد ومتميز في قلب القاهرة الإسلامية في ذلك الوقت، وبجوار أهم معالم القاهرة مثل قصر عابدين، مبنى المحافظة، محطة مصر، دار الأوبرا، جامع السلطان حسن، جامع الرفاعي، القلعة وجامع احمد بن طولون، جامع الظاهر وجامع الحاكم وجامع سيدنا الحسين.

وافتتح المتحف في حلّته الجديدة تلك في ديسمبر ١٩٠٣م وكان عدد القطع الأثرية المسجلة به ذلك الوقت ٧٠٢٨ قطعة فقط، ويضم عدة تحف يختلف تاريخ ومكان صنعها وهي من شتى الأقاليم التي سادت فيها الحضارة الاسلامية، وفي سنة 1910 بدأ المتحف بأول حفائر خاصة به وكانت في درنكة جنوب غرب اسيوط، ثم قام بحفائر أعظم في المنطقة الواقعة جنوبي القاهرة،  من موقع مدينة الفسطاط القديمة، فكشفت جزء من مدينة الفسطاط القديمة بخططه ومنازله، فضلاً عن كميات كبيرة من الخزف والمنسوجات، والأدوات المعدنية والزجاجية والقطع الخشبية، وكان لهذه الحفائر فضلاً كبيراً في زيادة عدد المجموعة المتحفية بالإضافة إلى شراء بعض القطع الأثرية الإسلامية من تجار العاديات وهواة جمع الآثار.

وفي عام 1930م أُلحقت دار الآثار العربية (متحف الفن الاسلامي فيما بعد) بوزارة المعارف  وكان ذلك بسبب التوسع الهائل في محتويات المتحف، وأظهر نشاط كبير في الجانب العلمي حيث كان له دور في نشر العلم والثقافة والذوق الفني على النحو الذى تقوم به المتاحف في أوروبا وأمريكا، وقد نشر المتحف سلسلة طويلة من المؤلفات في الفنون الاسلامية باللغات العربية والفرنسية والانجليزية والايطالية كتبها أعلام الاختصاصيين في هذا الميدان، ولم يكن بد من تغيير اسم (دار الاثار العربية) الى متحف الفن الاسلامي لأن مؤرخي الفنون لا يميلون إلى تسمية الفن العربي لأنها بعيدة عن الدقة والإنصاف فكثير من رجال الفن في الإمبراطورية الإسلامية كانوا من الفرس والترك وغيرهم.

وأضافت الخبيرة الآثارية إيمان إبراهيم حسن: إن  الفن إزدهر في ديار الإسلام كلها وفقاً لتقاليد اسلامية متنوعة، كان يرعاها الحكام المسلمون بغض النظر عن جنس الفنان أو دينه، كما حصل المتحف على عدد كبير من محتوياته عن طريق الهبات التي قدمها أفراد الأسرة العلوية.. وبعض هواة الفنون الإسلامية من الملك فؤاد والملك فاروق والأمير محمد علي والأمير يوسف كمال والامير كمال الدين حسين والامير عمر طوسون ويعقوب أرتين باشا ومدام ليمونجلي وجمسرجان بك وعلى ابراهيم باشا وغيرهم. 

وقد أُهدتْ مصلحة الآثار العراقية إلى متحف الفن الاسلامي بالقاهرة قطعاً من الزخارف الجصّية التي عثر عليها في حفائر مدينة سامراء، ويحتوى المتحف على جناحين ينظم العرض المتحفي للجناح الاول بتسلسل تاريخي يبدأ من العصر الأموي وينتهى بالعصر العثماني وينظم الجناح الآخر بالموضوعات، فنجد قاعة للفلك وقاعة للطب، وقاعة للسجاد والنسيج وقاعة الكتابات وقاعة للعملة والسلاح وقاعة الحياة اليومية وقاعات تخص التحف الأثرية من شرق العالم الاسلامي، وتعتبر مجموعة السجّاد في متحف الفن الاسلامي من اعظم مجموعات السجاجيد الشرقية في العالم.

كما يضم المتحف اعظم مجموعة مشكايات مصنوعة من الزجاج المموّه بالمينا، وهي كانت تصنع للسلاطين المماليك في مصر والشام وكانوا يهبونها للمساجد ومجموعة متحف الفن الاسلامي من هذه المشكايات توضح تطور الزخارف فيها.

أما مجموعة المتحف في جانب التحف الخشبية فهي غنية بجمالها وزخرفتها وتنوعها في الطرازين الفاطمي والمملوكي، وتضمُّ أشكالاً عديدة للأطباق النجمية وزخرفة الحشوات بالتطعيم بالعاج..

وكان لصناعة التحف النحاسية المطرزة بالذهب والفضة منزلة خاصة لدى المماليك، وقد وصل الينا من هذا العصر تحف معدنية عظيمة من ابواب وشماعد وتنانير وكراسي وصناديق ومقلمات فضلاً عن مجموعة الخزف والمنسوجات المصرية، ويرجع الفضل في ذلك الى حفائر الفسطاط، كما ان المتحف غني بمجموعته الخزفية المصرية والايرانية والتركية.

ثم تؤكد الآثارية إيمان بخلاصة القول، أن متحف الفن الاسلامي بالقاهرة هو درّة المتاحف الاسلامية على مستوى العالم لأن فيه أعظم المجموعات الفنية الإسلامية شأناً وأقربها الى الشمول والكمال.