حيث يحيي المحبّون ذكراها السنوية.. حياة السيّدة المعصومة مسيرة تاريخ وحاضرة إنسانية

فاطمة عبد الحميد

في العاشر من شهر ربيع الثاني من كل عام، تقام مراسم إحياء ذكرى شهادة السيدة فاطمة المعصومة، انطلاقا من مرقدها في قم المقدسة، وحتى مساجد سائر المدن الإيرانية وحسينياتها.

في المرقد الشريف ترفع الرايات وتقام التجمعات وتنطلق الشعائر بكلمات تستحضر دور أهل البيت عليهم السلام والتضحيات التي قدموها من أجل إحياء الدين وإصلاحه، وحياة السيدة المعصومة وكراماتها.

وتشهد البلدة القديمة وما حولها انتشار مظاهر العزاء بحضور المؤمنين الموالين، وبمشاركة الزائرين والطلاب والجاليات الإسلامية من البلدان العربية والأجنبية، حاملين كلمات التأبين والشموع، والتي تشير إلى عمق الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) ومعالم نورهم في هداية الناس وإرشاد المحبّين.

تؤكد الطالبة البلجيكية "فاطمة الزهراء" أن السيدة المعصومة كانت مثالا للمرأة التي تطلب العلم وتنشره، فكانت تنهل العلم والمعرفة من بيت الإمامة، كما تصدّت لتعليم النساء في المدينة، حتى أن التاريخ يذكر أنها كانت تجيب على أسئلة الناس في غياب أبيها، وبعد أن اطلع على أجوبتها قال عنها:"فداها أبوها"، ورغم العناء الذي لاقته في سفرها الأخير، إلاّ أنها استثمرته لنشر علم ومعرفة اهل البيت (عليهم السلام) بين الناس في المدن التي تمرّ منها القافلة، و لعل هذا ما حرّض أعوان العباسيين على الاعتداء على موكبها.

ومن المغرب ترى الصحفية والكاتبة زينب مغربي أن "التاريخ قدم لنا الكثير من الشخصيات العظيمة التي يمكن أن نقتدي بها، ولكن الفتاة المسلمة تبحث وتتأثر غالبا بالنساء القدوة، وهنا تمثل السيدة فاطمة المعصومة شخصية تحاول المرأة الاقتداء بها، فهي لم تمنعها الظروف الصعبة تكريس حياتها  لخدمة الاسلام، فكانت مجاهدة حتى اخر لحظات حياتها ، وهي أيضا العاملة والعابدة التي لم يمنعها المرض من ان تقضي أيامها الاخيرة في قراءة القران والعبادة والصلاة.

نبذة عن حياة السيدة فاطمة المعصومة (ع) ( 173 - 201 هـ) (١):

هي فاطمة بنت الإمام الكاظم وشقيقة الإمام الرضا (عليهم السلام)، ذكرت لها ألقاب كثيرة منها: الطاهرة، والحميدة، والبرّة، والتقية، والنقية، كما أنها اشتهرت بلقب المعصومة (2).

خرجت من المدينة في حوالي سنة 201 هجرية، وقصدت لقاء أخيرها الإمام في خراسان، إلا أنها مرضت أثناء الطريق، وتوفيت بعد وصولها لمدينة قم المقدسة، ودفنت فيها.

جاء عن الإمام الرضا (عليه السلام) قوله: "من زار المعصومة في قم فله الجنّة" (3).

رويت عن المعصومة مجموعة من أهم الروايات كحديث الغدير، وحديث المنزلة، وحديث حبّ آل محمد وروايات في فضل الإمام علي (عليه السلام) (4).

ما لا يعرفه الكثير من الزائرين لمدينة قم، وجود محراب للسيدة المعصومة، كانت تصلي فيه ويقع على مقربة من مرقدها، يسمى "بيت النور" في شارع "جهار مردان".

وعن فضل زيارة المرقد الشريف، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "إنّ لله حرماً وهو مكة، وإنّ للرسول  حرماً وهو المدينة، وإنّ لأمير المؤمنين  حرماً وهو الكوفة، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قم" (5).

ويؤكد الباحث والمؤرخ الدكتور محمد يوسف أن سفر السيدة المعصومة للقاء أخيها الإمام الرضا (عليه السلام)، ووفاتها ودفنها في مدينة قم، مثّل قدرا إلهيا عبرت آثاره وانعكاساته الأجيال، فكان لحضورها في ذلك الحين الأثر الكبير في انتشار الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) في مدينة قم والمدن حولها، كما مثّلت اليوم حاضرة من حواضر العلم والمعرفة، وهكذا تكون حياة الإنسان المؤمن الشهيد، موقفا يعبر حواجز التاريخ ليشكّل معلما حضاريا عصيّا على النسيان.

فاطمة عبد الحميد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1.     النمازي الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار، ج 8، ص 261.

2.     انصاری، أنوار المشعشعين، ج 1، ص 211.

3.     المجلسي، زاد المعاد، ص 547.

4.     الأميني، الغدير، ج 1، ص 107.

5.     المجلسي، بحار الأنوار، ج 48، ص 317.