مسجد جمكران معلَم ديني وثقافي كبير.. قصة بنائه وسرّ إقبال الملايين على زيارته

تقرير: فاطمة عبد الحميد/ طهران

في مدينة قم المقدسة، من مرقد السيدة فاطمة المعصومة، على الطريق الواسعة التي تسمى (شارع النبي الأعظم)، ومع اقترابنا من نهايته تطلّ منائر مسجد مهيب، يفوق مساجد المدينة في ضخامته وروعة بناءه، وهو أقدمها أيضا، إنه مسجد "جمكران".

يعد المسجد واحدا من أهم المساجد بل المواقع الدينية في إيران، ويكتسب أهميته لارتباطه بالإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) ولذلك يحظى باهتمام بالغ بين الناس، حيث يأتون لزيارته وأداء الشعائر الدينية تبركاً فيه.

حظي المسجد بعمليات توسعة وإعمار مستمرة، وأضيفت له مؤسسات ومراكز دينية وثقافية، ويقدر عدد الزائرين له بما يزيد عن 15 مليون زائر سنوياً.

تاريخ المسجد وتسميته

وفق بعض المصادر اللغوية فإن كلمة جمكران تقسم إلى قسمين: (جم) وهي اختصار لكلمة (جمشيد) وهو أول ملوك الأرض في الكتب الفارسية، و(كران) وتعني في الفارسية القديمة، الجانب أو الشاطئ، فيكون المعنى (نهاية أرض جمشيد)، وقد سمي المسجد نسبة لقرية (جمكران) التي يقع فيها، والتي ذكر اسمها كثيرا في كتاب تاريخ قم، حيث اعتبرها مؤلفه حسن بن محمد القمي من القرى التي بناها الملك جمشيد. (المصدر: حسن بن محمد القمي/ تاریخ قم، ص 60-61).

ويقول المصدر ذاته بأنه أول مسجد بني في مدينة قم المقدسة، بعدما استقرت عشيرة بني أسد في قرية جمكران في القرن الرابع الهجري، وبنى المسجد رجل يدعى الخطاب الأسدي، وهو من أهالي الغاضرية (كربلاء)، لجأ إلى المنطقة قادماً من الكوفة خلال فترة ثورة المختار الثقفي. (المصدر: حسن بن محمد القمي/ تاریخ قم، ص 38، 163).

وتوجد بعض الأقوال تفيد أن بناء المسجد يعود إلى زمن النبي سليمان (عليه السلام)، وكذلك حال عدد من المعابد والأحياء في إيران.

وتوجد شواهد تاريخية على قدم القرية ووجود تلال أثرية فيها، ومنها (غز قلعة سي)، وقلعة غبري و(قله درويش)، ويقال بأنها تعود إلى عدة قرون قبل الميلاد.

عمارة المسجد وأقسامه

يقع المسجد على مسافة 5 كم عن مركز مدينة قم المقدسة، وعلى مقربة من جبل يعرف بجبل مقام الخضر (عليه السلام).

مرّ المسجد بمراحل وفترات متعددة من التجديد والإضافة والتوسعة، ويوضح المؤرخ والكاتب حسن زنديه، أنه جرى بعد انتصار الثورة الإسلامية واقبال الناس على زيارة المسجد بشكل كبير، شراء الأراضي الزراعية حول المسجد بمساحة 40 هكتارا، وتم استخدام 5.5 منها للفناء الرئيسي، ثم أضيفت له ساحات وقاعات وبنايات متعددة، ثم وفي العام 2002 تم وضع خطة تتضمن تخصيص 250 هكتارًا لمجمع جمكاران، ليشمل مساجد ملحقة، وعددا من المباني الإدارية والخدمية.

بناء المسجد الحالي يضم ستة مداخل للصحن الرئيسي، وتم بناء مسجد جديد ملحق به باسم (مسجد المقام)، كما تحيط به عدة مآذن يصل ارتفاع بعضها إلى 60 مترا، وبلغ عددها بعد التوسعة 14 مئذنة، وجرى بناء 4 قباب حول القبة الأصلية، في رمزية إلى النواب الأربعة للإمام (عليه السلام).

يتكون الصحن الرئيسي الذي يسمى (شبستان) من 3 مداخل، مزين بالزخارف والفسيفساء الفارسية، ويغطي الرخام قاعدته الداخلية، كما ويتصل بمسجد المقام مسجد آخر يسمى مسجد (مرمر)، كذلك يحتوي المجمع على العديد من المراكز والأسواق.

ومن أهم هذه المراكز، مكتبة كبيرة للمطالعة والتحقيق ومكاتب أخرى لبيع الكتب، وأقسام للتبرعات وقاعة معرض وقاعات للمحاضرات والندوات، ومركز خاص لعلوم القرآن والحديث والشؤون الإسلامية.

قصة بناء المسجد

تذكر العديد من المصادر قصّة مطولة لبناء المسجد لا يسع ذكرها كاملا في هذا التقرير، ويمكن الرجوع إليها، ولا سيما في كتابي الميرزا حسين النوري (النجم الثاقب) و(جنة المأوى)، وقد توجهنا بالسؤال حول هذه القضية للباحث والمختص في تاريخ الأديان د. محمد الأسدي، حيث أوضح أن القصة تتحدث عن واقعة جرى توثيقها من قبل العديد من العلماء، ووفق آرائهم فإنها تتحدث عن وقائع وليست عن منام أو رؤيا، وحتى لو فرضنا جدلا بأن قصة بناء المسجد ترتبط بمنام أو رؤيا، فإن القرآن الكريم يتحدث عن الكثير من الرؤى والمنامات المهمة التي كان لها أثر كبير كما في قصة يوسف عليه السلام، وفي المحصلة فإن المسجد اليوم هو واحد من المساجد المهمة التي لها تأثير ديني وثقافي وروحي كبير، وينبغي النظر إلى الأمر من فوائده وآثاره القيمة.

مراسم الصلاة والدعاء وتجديد البيعة

في كل ليلة أربعاء تتوجه أعداد غفيرة من الزائرين للمسجد لأداء الصلاة والدعاء لإمام العصر (عجل الله فرجه)، فيما تحرص الهيئات المختصة على توفير كافة المستلزمات الضرورية لإقامة الشعائر الدينية، وهو إلى جانب ذلك يعد من أهم مراكز الجذب الثقافي والسياحي، حيث يجري توزيع عدد كبير من الكتب والنشرات التثقيفية لمحاربة الانحرافات وتعزيز القيم الأخلاقية والروحية لدى الشباب.

ويدل الإقبال الواسع والكبير على زيارة المسجد على الصلة العميقة للناس ولا سيما الشباب، على القيم التي يمثلها، ومن أهمها ارتباطهم الروحي بالإمام المنتظر (عليه السلام).