الاسرة المسلمة... لماذا يحاربها الغرب؟

تقرير: محمود المسعودي

(الأسرة) الأساس الذي يقوم عليه المجتمع, لما لها من دور فعال في بناء إنسان صالح يشارك في خدمة المجتمع ورقيه وتنمية قدراته.

وكلما كانت (الأسرة) سليمة قوية كان المجتمع سليماً قوياً، وإذا كانت الأسرة مفككة في علاقاتها متباينة في الفكر انعكس ذلك كله على المجتمع فاصبح مفككاً, لذا اولى الاسلام اهتماما كبيرا ببناء الأسرة بشكل سليم ليصلح المجتمع سليما.

فالأسرة في الإسلام صورة مصغرة للمجتمع ودعامته الأولى التي تقوم مقام الأساس من البناء، قال الله عز وجل: ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوٰجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبٰتِ أَفَبِالْبٰطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ [سورة النحل:72].

الاسرة والتعاليم الاسلامية

من الأصول التربويّة التي يجب مراعاتها في الأسرة، إشاعة مناخ حسن الظن داخل البيئة الأسريّة، وروحيّة العفو والصفح وكظم الغيظ والتغافل عن الأخطاء غير المتكرّرة وغير المتعمّدة، وتعزيز مبدأ التكافل الاجتماعيّ بين مختلف أفراد الأسرة لأجل التكامل الداخليّ لها، وتعزيز مهارة فنّ الإصغاء والاستماع المتعاطف والمتفهّم، وتنمية الحسّ الجماليّ لدى أفراد الأسرة وتوجيهه بما يحقّق الأهداف الإلهيّة، والتشجيع على رعاية البيئة والحفاظ على ما تحويه من مخلوقات لله تعالى.

وتكوين المعرفة الضروريّة لدى أفراد الأسرة بحاجاتهم الطبيعيّة لأجسامهم ومتطلّباته وكيفيّة إشباعها بما يتوافق مع النظام المعياريّ الإسلاميّ، وتعزيز العادات السلوكيّة التي تساهم في التنمية الصحّيّة للجسم (رياضة- تغذية سليمة...)، والعمل على تعديل العادات والسلوكيات المضرّة.

وتربية أفراد الأسرة على احترام تقاليد الأسرة الحميدة وعادات المجتمع بما ينسجم مع النظام المعياريّ الإسلاميّ، وعلى الاهتمام بالعبادات بصورة مشتركة كقراءة القرآن والدعاء...، وعلى تحمل كلٍّ لمسؤوليّته في موقعه الذي ينبغي عليه القيام به في الأسرة، وتعزيز ثقافة العفّة والحجاب والستر، وتجنب الاختلاط المحرّم أو الموجب للوقوع فيه بما يحفظ مناخ الأسرة ويصونها والمبادرة إلى إصلاح ذات البين في حلّ المشكلات الأسريّة، والتعاون على إصلاح ما يعترض الأسرة وبيئتها من مشاكل وتحدّيات.

والاهتمام بتعليم أفراد الأسرة وحسن اختيار أماكن التعليم، والسعي المستمرّ للتطوير ومواكبة المتغيّرات والبصيرة بالتحدّيات التي تواجه الأسرة في عالمنا المعاصر، وحسن تربية الأولاد وتعليمهم وتأديبهم على ضوء الأصول والأساليب الإسلاميّة، والاهتمام بالثقافة القرآنيّة وتعليم القرآن لأفراد الأسرة.

الاسرة المسلمة... الاسرة في الغرب

تتطرق المؤلف عباس الذهبي في كتابه(الأسرة في المجتمع الإسلامي) الى إن: الاُسرة المسلمة تقوم علىٰ أسس واضحة من السكينة والمودَّة والرَّحمة ، إذ تشكّل القيم الدينية والقواعد الأخلاقية السور الوقائي لأفرادها ، فالرجل هو قائد دفّة سفينة الاُسرة وله قيمومية عليها ، بينما المرأة تضطلع بوظيفة مزدوجة ، فهي زوجة وأمّ ترضي زوجها وترعى أطفالها ، فهي البيئة الاجتماعية الاُولىٰ التي تساهم في توفير حوائجهم وتربيتهم وتشكيل الهوية الدينية لهم وتغرس فيهم المثل الاخلاقية.

وعليه فان المنهج الإسلامي يمنح الاُسرة دوراً اجتماعياً كبيراً ، بينما نجد أنّ المنهج الغربي قد جعل دور الاُسرة هامشياً ، وقلّص من وظائفها بعد أن جعل بعض المؤسسات ودور الحضانة تحرم الطفل من حق الحضانة والتربية في محيط الاُسرة ، وتنافس الاُسرة في الاضطلاع بدورها بشكل تام.

أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين عاشوا في مؤسسات إيوائية يتلقون فيها اهتماما ورعاية محدودين ، ويكون نموهم معوقاً ، كما أن التأثير الخطير لهذه البيئات يمكن أن يقلّ عند عودة هؤلاء الأطفال إلىٰ منازلهم العادية.

ولا يخفىٰ بأن الاسرة خلية اجتماعية مصغرة يجرّب الطفل فيها اختباراته الاجتماعية وينمو فيها حسّه الاجتماعي تجاه الآخرين ، ومن هنا نجد أن الإسلام يحرص علىٰ بقاء وتعزيز دور الاُسرة ، بينما نجد أن تهميش دورها في الغرب قد أفرز مزيداً من الظواهر الشاذة وما رافقها من انحلال وميوعة ، أسفرت عن ظهور حركات العبث واللاجدوائية كالهيبز والبيتلز ... وما إلىٰ ذلك.

ثم إنّ الحرية الغير منضبطة في الغرب قد تركت آثاراً سيئة ، وركاماً من التراجع الخلقي على مستوى الفرد أو الجماعة. فقد تفشّت الفاحشة بشكل ملفت ، وانتشرت ظاهرة «الأطفال غير الشرعيين» ، والإجهاض وما إلىٰ ذلك من مظاهر مرضية أخذت تشكّل هاجساً مقلقاً لعلماء الاجتماع الغربيين.

الهجوم على الأسرة المسلمة

يقول الكاتب محمد مختار ان من أهم: الأسباب الخفية وراء حملة الهجوم الضاري الذي لا يتوقف ضد الأسرة المسلمة، أن الغرب يعتبر أن هذه الأسرة وما تبديه من تماسك غير مفهوم بالنسبة له، في ضوء الضعف السياسي والاقتصادي الذي يعتري الدول الإسلامية ، وتشكل حجر عثرة في وجه ما يهدف إليه الغرب من استيعاب للعالم الإسلامي وفرض قيم العولمة الجديدة عليه، وهو ما دفع الغرب ليس فقط لشن قصف إعلامي لا يهدأ ضد قيم الأسرة المسلمة، ولكن أيضاً لاستخدام لافتات حقوق الإنسان والمرأة، وبل والبحث العلمي في بعض الأوقات لتحطيم البنى الثقافية التي تتأسس عليها الأسرة المسلمة، أو على الأقل التهوين من شأنها، والتركيز في هذه الحملات على قضايا مثل الطلاق وتعدد الزوجات ، بل تدّعي بعض الباحثات الغربيات اللائي تخصصن في البحث حول الأسرة والمرأة المسلمة أن آلية تعدد الزوجات تتعارض مع بعض الحديث النبوي.

إن المجتمعات الإسلامية اليوم في أمس الحاجة إلى جهود كل نسائه ورجاله لإصلاح حال الأسرة المسلمة، ودعمها أكثر في مواجهة الخطر الذي تتعرض له وبات يتهددها أكثر من أي وقت مضى، ولا مراء في أن العودة للشريعة الإسلامية وضبط ما يتعلق بالأحوال الشخصية للمسلمين على ضوئها، هو الحل الذي لا بديل عنه لتفادي هذا الخطر، يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) (النساء: 68)، فالأسرة المسلمة كانت دوماً في مأمن من المخاطر التي تحيط بها طالما التزمت بالإسلام وشريعته.

اهتمام الاسرة مسؤولية الجميع

إن للأسرة في الإسلام وظيفة مقدسة ورسالة سامية في المجتمع والحياة؛ لذلك توالت عليها ضربات الأعداء وأصحاب الملل العوجاء في الداخل والخارج، لهدم صرحها، ونخر كيانها، ونقض أسسها ودعائمها, لذلك وجب على المسلمين جميعا حماية الأسر المسلمة والذود عنها؛ وذلك ببنائها على مبادئ الإسلام ودعائمه وأسسه، والابتعاد عن الفرقة والنزاع وحل المشكلات التي تتسبب في الطلاق وتفكيك الأسرة، واستحضار مراقبة الله تعالى في كل حركة من حركات الأسرة وسكناتها، وتعاون الجميع من الأقارب والجيران والمجتمع على النهوض بالأسر المسلمة ماديًا ومعنويًا, ودور وزارة التربية والتعليم في وضع منهاج دراسي لتهيئة الأبناء والشباب لبناء أسر مستقيمة والاهتمام بها , وكذلك لا ننسى دور وسائل الاعلام في اختيار المحتوى المناسب لطرحه في وسط المجتمع الاسلامي .

المصادر

ــــ نحن ومسألة الاسرة (الجزء الاول)

ــ كتاب الأسرة في المجتمع الإسلامي

ــ وكالات ومواقع الالكترونية