الصحافة الاستقصائية في العراق بين غياب القانون وسطوة الفساد

تقرير: أمير الموسوي ــ تحرير: فضل الشريفي

-الصحافة الاستقصائية ساندة للسلطات القضائية من خلال توفير الأدلة التي تخفى عن القضاء

-الصحافة الاستقصائية من الفنون التي تهاوت في السنوات الاخيرة الى حد الاختفاء

الصحافة الاستقصائية احد أهم أسس الصحافة الحديثة والنقد البناء ولكن الكثير لا يدرك اهمية هذا الفن ودوره الرقابي.

الفن الذي طاله التهميش والتغييب خصوصاً في العراق ولعدة أسباب منها عدم جود نص قانوني يحمي الصحفيين الذين يمارسونه وعدم توافّر الخبرات والكفاءات التي تمارس هذا الفن.

وتكمن أهمية الصحافة الاستقصائية برأي المختصين في رصد الانحرافات واظهار العيوب ومراقبة السلطات وكشف الخروقات القانونية في مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية.

ما مفهوم الصحافة الاستقصائية وما دورها؟

يعرف ديفيد نابل رئيس المركز الدولي للصحفيين، الصحافة الاستقصائية بأنها مجرد سلوك منهجي ومؤسساتي صرف، يعتمد على البحث والتدقيق والاستقصاء حرصًا على الموضوعية والدقة والتأكيد من صحة الخبر وما قد يخفيه انطلاقًا من مبدأ الشفافية ومحاربة الفساد، والتزامًا بدور الصحافة ككلب حراسة على السلوك الحكومي، وكوسيلة لمساءلة المسؤولين ومحاسبتهم على أعمالهم وخدمة للمصلحة العامة، ووفقًا لمبادئ قوانين حق الاطلاع وحرية المعلومات.

متى نشأت هذه الصحافة؟

عرفت الصحافة البريطانية هذا النوع من أجناس الصحافة منذ أربعينيات القرن الـ19 عندما ازداد اهتمام بعض الصحفيين بنشر بعض الفضائح الجنسية وعمليات الاغتصاب وغيرها من الموضوعات التي تشد اهتمام الجمهور في مجتمعات كانت الصحافة فيها مصدر أساسي للمعلومات، ثم ظهر هذا النوع من الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية لأسباب عديدة أهمها كثرة الإشكاليات في هذه المجتمعات، وهكذا اخذ هذا الفن الصحفي ينتشر في بقية البلدان لحاجة المجتمعات اليه.

أمثلة على صحافة استقصائية كشفت عن جرائم وخبايا دولية

الامثلة على الصحافة الاستقصائية كثيرة يعود بعضها الى عقود نذكر منها التحقيق الصحفي الاستقصائي “لإحسان عبد القدوس” عام ١٩٤٩ والذي فجر فيه فضيحة الأسلحة، الفاسدة التي تم تزويد الجيش المصري بها في مواجهته مع الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948, وقد عدها البعض من أسباب التئام تنظيم الضباط الأحرار، وإرهاصات التغيير في مصر عام ١٩٥٢، كما ان استقالة الرئيس الأمريكي نيكسون من منصب الرئاسة في عام ١٩٧٤ على إثر فضيحة ووترغيت, التي فجرها الصحفي الشهير “بوب وود ورد”، في جريدة “واشنطن بوست” في تحقيق استقصائي له يعد من الامثلة المهمة والفاعلة.

التحقيقات الاستقصائية للصحفي الأميركي سيمور هيرش والذي فضح فيها تفاصيل مذبحة “ماي لاي” في فيتنام عام ١٩٦٩ ، وكشف فيها النقاب للمرة الأولى عن الترسانة النووية الصهيونية التي كانت سرا غامضا لعشرات السنين في كتابه “الخيار شمشون” في عام ١٩٩١ وكشف هيرش أيضا فضيحة التعذيب في سجن ابو غريب وكل ذلك يعد من مصاديق الصحافة الاستقصائية.

لماذا غيبت الصحافة الاستقصائية في العراق؟

الأستاذ الدكتور جاسم الهلالي المختص بالصحافة الاستقصائية، يرى ان "هذا النوع من التحقيقات في العراق ما زال يعاني الكثير من الصعاب لغياب القانون الذي يحمي الصحفي او ضعف الجهة التي تساند الصحفي في مسعاه سواء كانت مؤسسة إعلامية او منظمة تحافظ وتدعم حقوق الصحفيين بالإضافة الى أن القانون العراقي يلزم الصحفي بكشف مصدر معلوماته مما يوقع الصحفي في اشكال كبير قبل ان ينهي موضوعه بالصورة التي تجعل منه بطل وطني كشف للدولة عمليات الفساد التي تجري داخل اروقتها".

ونوّه الى ان "الصحافة الاستقصائية من الفنون التي تهاوت في السنوات الاخيرة الى حد الاختفاء حيث يعتبر هذا الفن من اهم انواع الصحافة لكونه يجيب عن الاستفهامات المهمة التي ترد في قضايا الفساد وغيره من الجرائم، إذ ان استخدام المقابلة في التحقيق الاستقصائي يقوم على طرح الاستفهامات التالية من الذي فعل هذا ؟ كيف فعله ؟ ولماذا ؟ متى وأين ؟ من شارك في هذا الفعل ؟ ومن هم الضحايا ؟ ولماذا هم ضحايا ؟".

فيما اشار استاذ الصحافة الاستقصائية الهلالي الى  "أن العديد من الصحفيين لديهم فهم بسيط عن الصحافة الاستقصائية فهم يعتقدون ان هذا الفن من الصحافة يعتمد على اجراء المقابلات و طرح الأسئلة لتلقي الردود من المصادر دون التحقق والتأكد من صحة هذه الردود، قد يكون اجراء هذا النوع من المقابلات ممكنا اذا كانت المسألة مجرد حوار مع برلماني من كتلة سياسية لمعرفة رأيه في تأخير الموازنة أو زيارة رئيس اجنبي للبلاد، لكن في الصحافة الاستقصائية الأمر يختلف بشكل جذري، نحن نلتقي  بمصادر المعلومات وهي تريد ان تخفي  تورطها  في القضية التي تعمل عليها ، أو تبالغ في طرح الاتهامات وتحاول ان ترسم  صورة اكثر مأساوية للقضية  لأنها متضررة منها ".

وقال الإعلامي عبد الله السلطاني، مدير مركز حماية الصحفيين في بابل، أن "الصحافة الاستقصائية في البلدان العربية لها وجود نظري فقط وهي غير قابلة للتطبيق على ارض الواقع في الوقت الحالي  بسبب عدم توفر الحصانة القانونية  للصحفي وعلى وجه الخصوص في العراق" .

ووصف السلطاني "الصحافة الاستقصائية بأنها ممهدة أو ساندة للسلطات القضائية من خلال توفير الأدلة التي تخفى عن القضاء".

وأوضح السلطاني" ان العمل بهذا بمجال الصحافة الاستقصائية يعرض الصحفي الى التهديد وخاصة في المناطق العراقية التي تشهد حروب ونزاعات , ويعد عملا غير ربحي لذلك لا يسلكه الغالبية الكبرى من الصحفيين ".

ولا تزال الصحافة الاستقصائية في العراق مغيبة وعدد الصحفيين الذين يخوضون في هذا المجال محدود جدا بسبب غياب المظلة القانونية مما يعرضهم الى مخاطر التصفية الجسدية او المضايقات التي تحد من امكانية الخوض في كشف الجرائم وملفات الفساد فبحسب نقيب الصحفيين العراقيين بلغ عدد قتلى الصحافة العراقية منذ عام 2003 حتى الآن 475 صحفياً".