كربلاء المقدسة تحتضنُ شواخص التراث المسيحي

لطالما اشتهرت مدينة كربلاء المقدسة بشواخصها الأثرية الدينية التابعة لجميع الرسالات السماوية دون تمييز، بعد واقعة عاشوراء التي آمن بمبادئها كثير من أتباع تلك الرسالات كونها كانت سبباً في التقائهم على مبادئ الإنسانية والحرية والثورة على الطغيان.

ومن بين تلك الشواخص القيّمة هي "كنيسة القصير" التي تقع في محافظة كربلاء، عند الطرف الشرقي للبادية الغربية على بعد خمسة كيلومترات شمال شرق قصر الأخيضر والى الجنوب من عين التمر بمسافة ثمانية عشر كيلو متراً، حيث رجّحت الكشوفات الميدانية أن تاريخ هذه الكنيسة يعود الى العهد الآشوري نظراً لاحتواء أركانها ومرافقها على كتابات باللغة السريانية. 

وتذكر بعص المصادر التأريخية أن هذه الكنيسة كانت قد تحوّلت في فترات سابقة الى ملجأ للثائرين على الكنيسة البيزنطية، فضلاً عن إستقبالها للنازحين المسيحيين القادمين من بلاد الجزيرة بسبب الأساليب القاسية المرتكبة بحقهم على يد اليهود في موطنهم السابق بمدينة نصيبين.

أيضاً تشير الأبحاث والآثار والمصادر التاريخية إلى أن هذه الكنيسة جرى عليها صيانات عديدة من قبل الثائرين المسيحيين من الطائفة النسطورية على الكنيسة البيزنطية الذين وجدوا مأمنهم وممارسة حرية طقوسهم وعباداتهم في ظل دولة المناذرة اللخميين التي كانت خاضعة للدولة الساسانية وكانت تدين بالمسيحية.

وقد ازدهرت النسطورية في ذلك العهد وساعد على ذلك ترحيب الأكاسرة الساسانيين بهذه الطائفة لأن الساسانيين كانوا يخوضون حروباً مع الرومان الذين يعتنقون الأرثوذكسية.

تأريخ بناء الكنيسة

ويعود تاريخ بنائها إلى القرن الثالث الميلادي، أي في عهد أول ملوك المناذرة اللخميين عمرو بن عدي (268-295م) وقد بنيت الكنيسة على شكل مستطيل ومدخلها من الجهة الغربية منها، أما الجهة الشرقية فقد احتوت على حجرة كانت تعلوها قبة، ومن الجنوب منها هناك مدخل صغير يؤدي إلى ثلاث حجرات تُجرى في إحداها مراسيم التعميد والأخرى تسمى بيت الشماسة وفيها يرتدي القسيسون والرهبان لباسهم الديني

ولا تزال آثار الكتابات الآرامية على جدرانها، إضافة إلى وجود المذبح الذي يتجه نحو القدس وهو مرتفع عن باقي أرضية الكنيسة.

المساحة الكلية للكنيسة

تبلغ مساحة هذا المكان الكلية حوالي 4 آلاف متر مربع، بما فيها المقابر والأبراج والأديرة والخزائن. وتقع خارج سور كنيسة الأقيصر كنيسة أخرى تم اكتشافها وهذه الكنيسة خاصة بمراسيم وطقوس دفن الموتى المسيحيين وتم اكتشاف عشرات القبور التي تتجه مقدماتها إلى القدس، كما توجد قرب الكنيستين العديد من التلول مما يوحي إلى وجود مدينة كاملة كانت قربها، وبعد اكتشاف الكنيسة من قبل بعثة التنقيب كان المسيحون يأتون لزيارتها سنوياً خلال أعياد الميلاد لإقامة القداس فيها رغم فقدان سقوفها من أمد بعيد ولكن جدرانها وإطلالها لا تزال شاخصة.

ولم تقتصر آثار المسيحيين في كربلاء على هذه الكنيسة فهناك كثير من الآثار التي تدل على الجذور العميقة لهم فيها لكن التشويه طال حتى أسماءها فضلاً عن شخوصها, فأطلق على جميعها اسم (قصر) على الرغم من أن كثيراً منها كان ديراً أو كنيسة مثل دير برذويل وشمعون.

من قدُس كربلاء 

وبالرجوع إلى تاريخ بناء كنيسة القصير، يلاحظ إن هذه الأرض لها تاريخ عريق في النضال ضد السلطات الدكتاتورية حتى توّج أرضها الإمام الحسين بدماء الشهادة، ولكن شتان ما بين نهاية الثورتين فقد كانت النتيجة مختلفة تماماً فقد خرج الإمام الحسين ثائراً على الظلم والطغيان الأموي والمحرفين والمنحرفين عن الدين فاستشهد وقُطع رأسه وحُمل إلى الشام، أما الذين خرجوا على ظلم واضطهاد الكنيسة الرومانية فقد وجدوا مأمنهم وممارسة حرياتهم وطقوسهم الدينية في أرض كربلاء.

إعداد: عباس نجم

تصوير: حكمت العياشي