اللاذقية.. زمرّدة الساحل السوري

تحقيق: غانيا درغام

على كتف الأمواج تجد مكانها، لا أنفاس نقيّة تنافس أنفاسك فيها، أخضرار الورق.. وزرقة البحر.. وصمود الحجر، حضارة انتزعت لها مكاناً من العالم بجدارة المحبة والسلام..

مدينة اللاذقية السورية التي تقع على الساحل الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، ضمن شبه جزيرة بحرية على بعد حوالي 385 كم من الشمال الغربي للعاصمة دمشق، يحدها من الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشمال البحر أيضاً ثم منطقة "دمسرخو" التي تعتبر من التوسع الطبيعي للمدينة، أما من الجنوب تحدها مجموعة من القرى والسهول الزراعية قبل أن تصل إلى مدينة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية، ومن الشرق تحدها سلسلة جبال اللاذقية المرتفعة، حيث تشكل حاجزاً طبيعياً عن سهل الغاب.

 شعار اللاذقية الذي تم اعتماده في عام 1975 من قبل مجلس مدينة اللاذقية، يمثل مرساة سفينة يحيط بها دلفينان، حيث تعتبر نسخة لأحد الآثار المكتشفة والتي تعود للقرن الثاني قبل الميلاد في المدينة، أيضاً وجد الدلفين على عدد كبير من القطع النقدية التي تعود للفترة السلوقية، وتعتبر اللاذقية المدينة الوحيدة في الشرق الأوسط التي استعملت حيوان الدلفين كأحد رموزها ومن المدن القليلة في بلاد الشام التي لم يشتق اسمها من السريانية أو الآرامية، أما المرساة أو الياطر فهي تشير إلى الملاحة عصب الحياة الاقتصادية في المدينة، وقد وضع اسم "لاذقية العرب" لكونه أحد الأسماء التي سميّت بها من قبل المسلمين عند دخولهم المدينة في القرن السابع، تمييزًا لها عن ثماني مدن أخرى تحمل الاسم نفسه، وقد وضع هذا الشعار جبرائيل سعادة.

أسماء تمتد لآلاف الأعوام

أقدم اسم لمدينة اللاذقية هو راميتا، أو ياريموتا كما وردت في رسائل تل العمارنة الأثري، وكانت قرية صغيرة مبنية على تل صخري تبلغ مساحة سطحه حوالي هكتار ونصف، ووضحت الكسر الفخارية المكتشفة في التل أنه يعود إلى عصر البرونز الحديث 1600-1200ق.م. وكانت تابعة لمملكة أوغاريت، كما كانت علاقاتها الدولية مرتبطة بعلاقات أوغاريت، في العصر الهلنستي بعد الإسكندر أي في عصر السلوقيين أصبحت تحمل اسم لاوذكيّة أو لاوديسة تيمناً باسم والدة سلوقوس نيكاتور، وألفت مع أنطاكية وسلوقية وأفاميا نوعاً من الاتحاد، وفي العصر الروماني 64ق.م-395م منحها يوليوس قيصر بعض الامتيازات، وفي عام 20ق.م اعتنى الإمبراطور أوكتافيان باللاذقية فأمر ببناء مدرج على هضبة الطابيات، وفي عام 194م توسعت شوارعها وصار لها شارعان رئيسيان مزينان بصفين من الأعمدة، ومن المرجح أن القوس الكبير الذي مازال قائماً في نهاية أحد الشوارع، أنشئ في ذلك العصر، وفي العصر البيزنطي أصيبت اللاذقية بزلزال 529م هدم أقساماً منها فأمر الإمبراطور جوستنيان بإعادة إعمارها، اما في عام 636م كان الفتح الإسلامي وصارت اللاذقية تابعة لجند حمص، وزار اللاذقية المتنبي وأبو العلاء المعري الذي حل ضيفاً على رهبان دير الفاروس وتتحدث المؤلفات عن هذا الدير بإعجاب، وقال عنه ابن بطوطة "أعظم دير بالشام ومصر"، تمركز الصليبيون في اللاذقية بعد عام 1108م وأطلقوا عليها اسم لاليش، وأنشأوا فيها قلعة أو حصناً فوق الهضبة، وبدأ صلاح الدين الأيوبي حملته لتحرير اللاذقية بحصار القلعة في تموز 1188م. ثم حررها ثانية الأمير حسام الدين طرنطاي في نيسان 1287م.

لم يبق من آثار الماضي سوى بقايا أبراج الميناء والقلاع وبعض القبور والحمامات والخانات، ومن أهم الآثار الرومانية، القوس المربع أو التترابيل في محلة الصليبة، وفي الجهة الشمالية من هذا القوس مازالت أربعة أعمدة غرانيتية تعود إلى معبد باخوس، وفي مغارة عند نهاية شارع بغداد، عثر على تابوت بطول 2.87م وارتفاعه 1.82م وعرضه 1.39 يعود إلى القرن الثاني، وهو رخامي مزين بالأكاليل والملائكة.

اللاذقية و العثمانيين

وفي العصر العثماني، انشئت أسواق عديدة و حمّامات كثيرة أهمها الحمام الجديد وحمام القيشاني وحمام العوافي وقد أُزيلت مع أسواق اللاذقية كسوق الدمياطي وسوق البازار وسوق البيلستان، وهناك ايضاً الخانات التي لم يبق منها إلا خان الحنطة الذي بني عام 1139 هـ/1726م، أما الخانات الأخرى مثل خان إسرب وخان نور الدين فقد تحولت لأغراض أخرى.
 كما تم في العصر العثماني زراعة التبغ في اللاذقية وخاصة "دخان أبو ريحة" الذي أصبح مطلوباً في العالم، وفي أواخر القرن الثامن عشر ألّف تجار اللاذقية شركة تحت اسم "شركة تجار التبغ" وكان مقرها "خان الدخان" وكانت الحكومة العثمانية قد حصرت زراعة التبغ في اللاذقية منذ عام 1874م، في عام 1843 أصبحت اللاذقية مركز قائمقامية تابعة لطرابلس، وقسمت القائمقامية لأربعة أقضية، وأصبحت اللاذقية قضاء على رأسها مدير، ثم أصبحت مركز متصرفية 1879م بأمر من مدحت باشا تابعة لولاية بيروت،
وفي عصر الانتداب الفرنسي أصبحت اللاذقية وملحقاتها دولة مستقلة ثم توحدت مع بقية أجزاء سورية.

وقد وُضع أول مخطط تنظيمي لمدينة اللاذقية في عام 1926، وجرّت إليها المياه العذبة من نبع ديفة، ومازالت في أقسامها القديمة محافظة على طابعها العمراني ضمن تجمعات سكنية شبه مغلقة تسمى حارات تسود فيها البيوت المتلاصقة الضيقة المكشوفة أو المقببة المظلمة، أما أقسامها الحديثة فقد تجلت فيها العمارة الطابقية الإسمنتية، وأصبحت في عام 1946 بعد الجلاء محافظة، وتطورت بعد إنشاء المرفأ العام سنة 1950، حيث شهدت المدينة اتساعاً كبيراً وامتدت أحياؤها الحديثة إلى الغرب والجنوب وفي الشمال حيث الأراضي الواسعة من السهل الساحلي ووصل التوسع حتى الحافة اليمنى لنهر الكبير الشمالي في الجهة الشرقية حيث مباني جامعة تشرين، وامتدت في المدينة الشوارع المستقيمة والعريضة والساحات، ونظمت الشواطئ ومثالها الشاطئ الأزرق والحدائق العامة، وفي الضواحي انتشرت الأحياء الصغيرة وتعزز مركز اللاذقية الثقافي بعد إنشاء جامعة تشرين عام 1973 بفروعها المتعددة، إلى جانب المعاهد والمدارس العديدة.

موقعٌ فريد..

لقد أعطى موقع اللاذقية لحضاراتها المتعاقبة أهمية كبيرة على صعيد آثار وجود الإنسان العاقل فيها وعلى صعيد التجارة والسياحة أيضاً، حيث اكتشف في منطقة ستمرخو الواقعة على بعد 10 كم شرق المدينة، آثار الإنسان العاقل خارج القارة الإفريقية وهي أدوات حجرية مصنوعة من الصوان على شكل فأس له قبضة مستديرة وحدان ورأس مدبب ترجع بتاريخها إلى مليون سنة تقريباً، كما اكتشفت آثار للإنسان العاقل تعود إلى سبعمائة ألف سنة في موقع الشيخ محمد وفي موقع بكسا، وهي أدوات تشبه أدوات موقع ستمرخو ولكنها أكثر تطوراً، وعثر في مواقع الشير والهنادي والخلالي على أدوات تعود إلى حوالي ثلاثمائة ألف سنة تتميز بدقة الصنع.

 كما تمّ الكشف في هذه المواقع على بقايا إنسان النياندرتال وآثار أخرى تعود إلى 35000 سنة وحتى 12000 سنة قبل الميلاد، كما كشفت التنقيبات الأثرية في رأس شمرا عن معالم قرية قديمة تعود للعصر الحجري الوسيط والعصر الحجري الحديث وأظهرت هذه الاكتشافات أن سكان القرية عرفوا تدجين الحيوان والزراعة وبناء البيوت من الحجارة والطين وأغصان الأشجار، أيضاً أقاموا التحصينات واستخدموا الأواني الفخارية، وحسب كلود شيفر فإن دراسة الأدوات الأثرية التي اكتشفت في رأس الشمرا توحي بأن سكان المنطقة قد انحدروا من المنطقة الشمالية للهلال الخصيب، كما دلت المكتشفات على وجود اتصال تجاري مع مناطق في سورية الشمالية، وقد لدلت الاكتشافات الأثرية في موقع تل سوكاس أن الحياة البشرية في الألف السادس قبل الميلاد، كانت قد تطورت بحيث صنع السكان مطاحن للحبوب من حجر البازلت وخبزوا أواني من الفخار والغضار، كما عثر على خزف يعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد، عند مصب نهر السن.

اللاذقية في العصر الحديث

تتألف مدينة اللاذقية من الأحياء التي تشهد امتداداً ملحوظاً تندرج في المدينة القديمة حي الصليبة، وتوسعه حي مشروع الصليبة، حي الشيخ ضاهر يتبع له إدارياً حي الإمريكان، حي المار تقلا، حي الفاروس، حي العوينة، حي القلعة، حي الطابيات، الكورنيش الجنوبي، الكورنيش الغربي، ومن الاحياء الحديثة حي الزراعة، حي الدعتور، حي المشروع الثاني، حي الرمل الفلسطيني، حي السكنتوري، المشروع السابع، حي مشروع الأوقاف، حي دمسرخو، حي السجن، أما الضواحي الحديثة فهي حي الرمل الشمالي، حي المشروع العاشر، حي علي الجمّال، حي الزقزقانية، حي بسنادا، حي سقوبين والمشروع التاسع..
ويتبع لمحافظة اللاذقية قرى محيطة بها يعمل سكانها بالزراعة وتعتبر أهم المحاصيل فيها هي الحمضيات وزراعة الزيتون حيث تشكل رافدًا لاقتصادها، أيضاً توجد زراعة التبغ الذي نال شهرة عالمية وعرف باسم "تبغ اللاذقية" أو "الدخان المدخون، له مؤسسة ترعاه منذ 1774 وهو حاليا محتكر من قبل الدولة، أيضاً في المدينة صناعات أخرى تتوزع بين القطاعين العام والخاص، تشمل صناعات "الإسفلت، الألمنيوم، الغزل والنسيج، الرخام، الجص، الصناعات الغذائية، الآثاث المنزلي، أجهزة الطاقة، السجاد، الأدوية، إلى جانب الصناعات والحرف اليدوية والتقليدية، كما يعمل السكان بالتجارة، الصناعة، الاستثمارات، والسياحة إذ تعتبر المناطق السياحية فيها من أجمل اللوحات الطبيعية التي يعانق فيها شاطئ البحر لليابسة، والأراضي الزراعية الموزعة بتقسيم جغرافي يعطي سحر الأخضر والتربة للناظر، ولم يعتمد اقتصاد المدينة على السياحة أو الزراعة فقط، بل يشمل أيضاً المنشآت الصناعية والتجارية إذ ينشط فيها بحكم موقعها..

ويوجد في المدينة مديريات عامة تمثل جميع وزارات الدولة وهيئاتها تمثل بمديريات عامة في المدينة، ومقرات للجمعيات والهيئات الحكومية كهيئة دعم تنظم الأسرة، كذلك تحوي المدينة على نقابات واتحادات للعمال والفلاحين والطلبة، وعدد من القنصليات والبعثات الرسمية الأجنبية، كالقنصليات البريطانية والفرنسية وعدد آخر كان أحدث ما فتتح منها القنصليّة الأسبانية عام 2010.

أما بالنسبة للنشاط الحزبي، فينشط بها عدد من الأحزاب أهمها حزب البعث العربي الاشتراكي، والحزب الاشتراكي العربي، الحزب الشيوعي السوري، والحزب السوري القومي الاجتماعي...

كما يتواجد في المدينة عدد من الأنشطة الرياضية، كما أنها استضافت عام 1987 دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط الرياضية العاشرة وتعتبر كرة القدم الأكثر شعبية في المدينة، وهي موطن ناديي حطين الذي تأسس عام 1945 وتشرين الذي تأسس عام 1947، كما للرياضات المائية نصيباً هاماً في النشاط الرياضي، وينظم سنوياً عدة سباقات تختص بالرياضات المائية كالسباق الدولي لليخوت الشراعية،ومسابقة خاصة بالفروسية وركوب الخيل، والقفز المظلي.

وفي اللاذقية توجد المدينة الرياضية التي تحوي عدد من الصالات الرياضية المغلقة والمفتوحة ومسبحين أولمبين، وتختصّ بمختلف أنواع الرياضات كما تحوي على ستاد لكرة القدم، أيضاً يوجد ستاد الأسد الرياضي في شارع أنطاكية الذي يتسع لحوالي 35,000 ألف متفرج، كما يوجد عدد كبير من المرافق السياحية والمنتجعات منها الشاطئ الأزرق وميرديان اللاذقية وروتانا أفاميا الذي يحوي 246 شقة وفيلا على البحر..

السياحة التاريخية..

إلى جانب السياحة الترفيهية فإن السياحة التاريخية تعتبر هامة في المدينة، إذ إنه على مقربة من المدينة يتواجد أربعة قلاع، تعود للحقبة الصليبية وهي" قلعة صلاح الدين الأيوبي المديجة ضمن لائحة التراث العالمي، قلعة بني قحطان، قلعة المنيقة وقلعة المهالبة، إضافة لقلعة جبلة إلى جانب سائر الأطلال الأثرية والمباني التي تعود للحقب المملوكية والعثمانية، كما يعتبر متحف اللاذقية بناءً أثرياً يقع قبالة واجهة المدينة البحرية، وقد شيد عام 1847 ومن ثم حوّل إلى مقر شركة تبغ اللاذقية عام 1898 ودعي "خان الدخان"، في عام 1904 تم إضافة الطابق العلوي للبناء، ثم اشترته فرنسا عام 1919 وغدا مقر الحاكم العسكري الفرنسي في المدينة أعادت البلدية شراءه عام 1978 وافتتح رسمياً كمتحف للمدينة عام 1986. ويحوي خمس قاعات كبيرة، خصص أولها للأثار المكتشفة في أوغاريت وثانيها للآثار المكتشفة في ابن هاني، والثالثة للآثار المكتشفة من الحقبتين السلوقية والرومانية والرابعة للممالك الإسلامية والأخيرة للفن الحديث، وقد نقل عدد كبير من مكتشفات المتحف إلى متحف دمشق الوطني أو المتاحف الخارجية كاللوفر..

وتدير الحكومة أيضاً عدد من المكتبات العامة للمطالعة، وثلاثة مراكز ثقافية أكبرها المركز الثقافي العربي الذي يحوي مكتبة عامة، قاعة مؤتمرات، معهد للفنون التشكيلية، مركز اتصال بالإنترنت، معهد للثقافة الشعبية، ومسرح أوبرا هو الوحيد من نوعه في المدينة، أيضاً يوجد المسرح القومي الذي يعود ببناءه للقرن السابع عشر، أيضاً في المدينة منطقة تجاريّة حرة استحدثت عام 2002، وينشط في المدينة عمل المصارف وشركات التأمين التابعة للقطاع العام والقطاع الخاص، ومنها المصرف المركزي بفروعه الأربعة، المصرفين الزراعي والصناعي، مصرف التسليف الشعبي، صندوق توفير البريد وجميعها تتبع القطاع العام، ومصرف سورية والمهجر، بنك عودة، البنك السعودي الفرنسي، البنك السوري الأردني، البنك العربي وبنك المشرق، أما شركات التأمين فأكبرها سورية للتأمين، وكذلك يوجد في المدينة شركات للصرافة وتحويل العملات.

المساجد الموجودة في المدينة هي جامع صوفان، جامع الرحمن، جامع أرسلان باشا، جامع المينا، جامع المغربي، جامع الإمام الصادق، جامع الجديد، جامع ياسين، جامع الصليبة، جامع الإمشاطي، مسجد القبة، جامع أبي الدرداء، جامع البطرني، جامع خالد بن الوليد، جامع البيرقدار، جامع العجان، جامع الشيخ ضاهر، جامع الخشاش، جامع العوينة، أما الكنائس فهي كنيسة كنيسة اللاتين أو كنية قلب يسوع الأقدس التي بناها المهندس الإيطالي أرغوني وزوجته أفدوكيا، وتم تدشينها في 19 آذار عام 1933 م من قبل المطران فريدرانيو جانيي، كنيسة كيدون الأرمن، كنيسة السيدة، كنيسة مارجرجس، كنيسة مار ميخائيل، الكنيسة الانجيلية، مطرانية الروم الأرثوذوكس، وكنيسة مار نيقولاوس.

أهمية التاريخ والتراث..

وتحدث السيد سمير الخطيب عضو في مجلس الشعب ممثل لمحافظة اللاذقية فقال: "تشكل الرقيمات الأثرية الموجودة في متاحف أوروبا والمسروقة من تراب سورية وثائق يقر بها العقل البشري بمصداقيتها وينحني احتراما لتاريخ صانعيها، تلك الرقيمات التي تؤكد ان اللاذقية كانت منذ فجر التاريخ موطن الابجدية الاولى، وروائح الشمر التي تفوح من حجارة راس شمرا تحكي بأريجها تاريخ الأجداد والأوائل، وها هي اللاذقية تتحول إلى واحة للأمان لكن أبناء سورية الذين هجرتهم عصابات القتل والإجرام من مدنهم وقراهم فلجؤوا إلى اللاذقية إيمانا منهم بأن أبناء سورية تجمعهم طائفة واحدة وهي سوريتهم، واستقبلتهم بأحضان دافئة رغم الجراح التي تعتري جسد كل عائلة وكل أسرة فما من بيت الا وقد زف منه شهيد، استقبلتهم اللاذقية وهي تمسح بيد دموع مآسيها وباليد الأخرى تستقبل الأهل الوافدين إليها الباحثين عن الأمان في حاراتها وبيوتها وقراها، ولا غرابة فيما فعلته اللاذقية فهي كانت تجسد بمواقفها أبنائها انتمائها القومي فمن مدينة جبلة انطلق القسام مدافعا عن أرض فلسطين.
 ومن احياء اللاذقية انطلق البطل الشهيد جول جمال مدافعا عن عروبة مصر وأرضاها في مواجهة العدوان الثلاثي الذي تعرضت له وحين تعرض لبنان للعدوان الصهيواميركي عام ألفين وستة فتحت اللاذقية ذراعيها محتضنة أبناء لبنان الشقيق واستقبلتهم في بيوتها ومنشآتها وليس في مخيمات للاجئين، ان صور الشهداء تحولت إلى أيقونات تزين شوارع اللاذقية وحاراتها وما من بيت في اللاذقية الا وفقد ابنا او أخا او أبا دفاعا عن تراب سورية وحريتها في مواجهة هذه الحرب الكونية التي شنت على سورية.

 كما يوجد في المدينة مقبرة الشهداء في حي بسنادا وهي رمز للوحدة الوطنية، ويطلق عليها حديقة الزهور لانها احتضنت جثامين الشهداء من مختلف محافظات ومناطق سورية.. لم تبخل اللاذقية على ضيوفها من أبناء سورية بشيء، حيث قدمت المسكن والملبس والمأكل والمشرب وفرص العمل، أيضا هناك العديد من رجال الأعمال من دمشق وحلب أقاموا فيها مشاريع سياحية واقتصادية مختلفة المستويات خلال هذه الحرب الظالمة، انها امثولة وطنية فتحت قلبها وعقلها للجميع لانها تعتز بثقافة الحياة وترفض ثقافة الظلم والهوان".

أما عن السمة الفكرية الاجتماعية العامة في مدينة اللاذقية فغالبا هي العلمانية حيث يتعامل الناس مع بعضهم بغض النظر عن طوائفهم أو أديانهم وتميل الحياة الاجتماعية إلى البساطة في بعض الأحياء الشعبيىة، كما تعتبر اللاذقية في وقتنا الحالي بمثابة سورية المصغرة بسبب وفود الأهالي السوريين إليها من المحافظات التي تعرضت للممارسات الإرهابية، تميل شخصية ساكن اللاذقية في أغلب حالاتها تميل إلى القوة، الحق، الفرح، الفكر، الثقافة، التعلم، العمل، والصبر وقد نتج عن التلاحم الاجتماعي بين السكان الأصليين وبين السكان الوافدين شرائج اجتماعية أغنت بعضها البعض وباتت الصفات الحسنة منصهرية بين الطرفين، مع الاحساس بمعاناة الآخر والوقوف إلى جانبه في وجه المحنة حيث تقول السيدة سوسن الطويل من اللاذقية: " رغم مصاعب الأزمة السورية وتعرض الوطن للإرهاب، ورغم الحرب التي فرضت على الشعب السوري منذ ما يقارب السبع سنوات إلا أن مدينة اللاذقية لازالت صامدة كصمود الجيش السوري في الميدان، كل من الشرفاء في مدينة اللاذقية قدم واجبه تجاه الوطن بداية من أمهات الشهداء وأخوتنا في الجيش السوري اللواتي سطرن أسطورة الصبر والعطاء ونهاية بأبسط عامل يومي يقدم تعبه رغم الحصار الاقتصادي الجائر والفقر الذي فرضوه علينا إلا أننا شعب لا يمل كباقي أهلنا الشرفاء في جميع المحافظات السورية الأخرى، لاسيما أننا تعودنا الحياة الكريمة التي لا تشوبها قبائح النفوس السياسية التي يبتاعونها في المجالس الدولية، اللاذقية مدينة تنبض فيها الحياة من أجل أجيال قادمة مستمرة.. قدمت الشهداء ولازالت قافلة العطاء والنصر مستمرة، وكل مواطن سوري شريف من المحافظات الأخرى نستطيع الحياة معه بمودة وعهد الوطن، مني ومن باقي سيدات اللاذقية خاصة وسيدات سورية عامة هناك الحب والوفاء والعمل والإخلاص لأجل الوطن وسيد الوطن المفدى الرئيس بشار الأسد".

مدينة للمحبة والتعايش..

مهند غانم مواطن من المدينة قال" سكان اللاذقية الشرفاء لا يفرقون شيئاً عن الأهالي الشرفاء الذين جاؤوا من المحافظات الأخرى، بغض النظر عن طوائفهم وانتماءاتهم نحن شعب واحد ولا ضرر من اكتناز اللاذقية بالشرفاء من جميع المناطق، فالجميع يعمل ليكسب معيشة كريمة، بالتالي باتت اللاذقية أقوى بالصناعة والاستثمار من قبل.

 وهذا يعني إصرار الجميع على الالتحام ومتابعة السير في نهج العزة والكرامة، لقد سكن في حيّنا العديد من العائلات الحلبية وبعد فترة قصيرة باتوا كباقي السكان الأصليين، بل ونتجت بينهم علاقات اجتماعية تسودها المودة والمحبة، هذا ما علمتنا إياه مدينة المحبة اللاذقية، كل حجر فيها لو يستطيع أن ينطق سيخبر عن التاريخ الإنساني العريق الذي مر به، وكل قطرة ماء فيها تستطيع أن تسقي عطش الأرض والنفوس المطمئنة بتساوي الفكر والروح".