الذكرى السابعة لفتوى الدفاع عن العراق.. نداءٌ بعُسر تبعهُ نصرٌ بفَخر

إعداد: صباح الطالقاني

في مثل هذه الأيام من شهر حزيران 2014 أطلقت المرجعية الدينية ممثلةً بالمرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد السيستاني دام ظله فتوى التطوع للدفاع عن العراق أرضاً وشعباً ومقدسات.

وقد كان لتلك الفتوى المباركة التنوع الثري من الآثار الايجابية، التي فجّرت مكامن الايمان في قلوب الرجالK فهبَّ الآلاف شيباً وشباباً لتلبية النداء.. نداء العزة والكرامة والنخوة، وتحققَ ما تحقق من دويّ انتصارات وصلت أصدائها لأقاصي العالم، ليثبت العراقيون ان النداء الروحي والايماني قد هزّ اركان الارهاب وزلزل الارض تحت أقدام عصابات داعش وصولاً الى تحرير كل الاراضي التي دنّستها أيادي الارهاب النجسة..

لقد ساهمت هذه الفتوى في اظهار مكامن الولاء لأهل البيت عليهم السلام وللوطن، وأعطتنا صوراً حقيقية من معاني الايثار والتضحية والثبات والارادة.. تلك الصور التي افتقدناها منذ زمن طويل.

انطلاق الفتوى الخالدة

انطلقت فتوى الدفاع عن العراق من ارض كربلاء المقدسة، فقال ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (14/شعبان/1435هـ) الموافق (13/6/2014م) في خطبة صلاة الجمعة الثانية من الصحن الحسيني الشريف:

إن العراق وشعبه يواجه تحدياً كبيراً وخطراً عظيماً وإن الارهابيين لا يهدفون إلى السيطرة على بعض المحافظات كنينوى وصلاح الدين فقط بل صرحوا بأنهم يستهدفون جميع المحافظات ولا سيما بغداد وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف، فهم يستهدفون كل العراقيين وفي جميع مناطقهم، ومن هنا فإن مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم هي مسؤولية الجميع ولا يختص بطائفةٍ دون أخرى أو بطرفٍ دون آخر.

وأكد الكربلائي" إن التحدي وإن كان كبيراً إلاّ أن الشعب العراقي الذي عرف عنه الشجاعة والإقدام وتحمّل المسؤولية الوطنية والشرعية في الظروف الصعبة أكبر من هذه التحديات والمخاطر".

وأضاف الكربلائي" أنه لا يجوز للمواطنين الذين عهدنا منهم الصبر والشجاعة والثبات في مثل هذه الظروف أن يدبَ الخوفُ والاحباطُ في نفسِ أيِّ واحدٍ منهم، بل لا بد أن يكون ذلك حافزاً لنا للمزيد من العطاء في سبيل حفظ بلدنا ومقدساتنا".

ودعا الكربلائي القيادات السياسية الى ترك الاختلاف والتناحر ولاسيما خلال هذه الفترة العصيبة وحثّهم على توحيد مواقفهم ودعمهم واسنادهم للقوات المسلحة ليكون ذلك قوة إضافية لأبناء الجيش العراقي في الصمود والثبات، موضحا انهم ـ أي القيادات السياسية ـ أمام مسؤولية تاريخية ووطنية وشرعية كبيرة.

مؤكداً" ان دفاع أبنائنا في القوات المسلحة وسائر الأجهزة الامنية هو دفاع مقدس، ويتأكد ذلك حينما يتضح أن منهج هؤلاء الارهابيين المعتدين هو منهج ظلامي بعيد عن روح الاسلام، يرفض التعايش مع الآخر بسلام ويعتمد العنف وسفك الدماء وإثارة الاحتراب الطائفي وسيلة لبسط نفوذه وهيمنته على مختلف المناطق في العراق والدول الأخرى.

وأوصى ممثل المرجعية الدينية أبناء القوات المسلحة قائلاً" اجعلوا قصدكم ونيتكم ودافعكم هو الدفاع عن حرمات العراق ووحدته وحفظ الأمن للمواطنين وصيانة المقدسات من الهتك ودفع الشر عن هذا البلد المظلوم وشعبه الجريح".  

ثم قال" في الوقت الذي تؤكد فيه المرجعية الدينية العليا دعمها واسنادها لكم فانها تحثكم على التحلي بالشجاعة والبسالة والثبات والصبر وتؤكد على إن من يضحي بنفسه منكم في سبيل الدفاع عن بلده وأهله وأعراضهم فإنه يكون شهيداً إن شاء الله تعالى. 

وأضاف" المطلوب أن يحث الأبُّ ابنه والأمُّ ابنها والزوجة زوجها على الصمود والثبات دفاعاً عن حرمات هذا البلد ومواطنيه. 

وتابع" إن طبيعة المخاطر المحدقة بالعراق وشعبه في الوقت الحاضر تقتضي الدفاع عن هذا الوطن وأهله وأعراض مواطنيه وهذا الدفاع واجب على المواطنين بالوجوب الكفائي، بمعنى أنه إذا تصدى له من بهم الكفاية بحيث يتحقق الغرض وهو حفظ العراق وشعبه ومقدساته يسقط عن الباقين".

وأكد" من هنا فإن المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الارهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية".

واختتم ممثل المرجع الأعلى حديثه قائلاً" إن الكثير من الضباط والجنود قد أبلوا بلاءً حسناً في الدفاع والصمود وتقديم التضحيات فالمطلوب من الجهات المعنية تكريم هؤلاء تكريماً خاصاً لينالوا استحقاقهم من الثناء والشكر وليكون حافزاً لهم ولغيرهم على أداء الواجب الوطني الملقى على عاتقهم".

خطبة النصر

وبعد ثلاث سنوات ونصف من انطلاق الفتوى المباركة، وبتاريخ (26/ربيع الأول/1439هـ) الموافق (15/12/2017م) تحققَ النصر الناجز، ليُعلن ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي خطبة النصر من منبر الصحن الحسيني الشريف، والتي جاء فيها:

"بعد ما يزيد على ثلاثة أعوام من القتال الضاري وبذل الغالي والنفيس ومواجهة مختلف الصعاب والتحديات انتصرتم على أعتى قوة ارهابية استهدفت العراق بماضيه وحاضره ومستقبله، انتصرتم عليها بإرادتكم الصلبة وعزيمتكم الراسخة في الحفاظ على وطنكم وكرامتكم ومقدساتكم، انتصرتم عليها بتضحياتكم الكبيرة حيث قدمتم انفسكم وفلذات اكبادكم وكل ما تملكون فداءً للوطن الغالي فسطرتم اسمى صور البطولة والايثار وكتبتم تاريخ العراق الحديث بأحرف من عزّ وكرامة، ووقف العالم مدهوشاً أمام صلابتكم وصبركم واستبسالكم وايمانكم بعدالة قضيتكم حتى تحقق هذا النصر الكبير الذي ظن الكثيرون أنه بعيد المنال ولكنكم جعلتم منه واقعاً ملموساً خلال مدة قصيرة نسبياً، فحفظتم به كرامة البلد وعزته وحافظتم على وحدته ارضاً وشعباً، فما اعظمكم من شعب".

وأوضح ممثل المرجعية قائلاً" ايها المقاتلون الميامين.. يا ابطال القوات المسلحة بمختلف صنوفها وعناوينها، ان المرجعية الدينية العليا صاحبة فتوى الدفاع الكفائي التي سخّرت كل امكاناتها وطاقاتها في سبيل إسناد المقاتلين وتقديم العون لهم، وبعثت بخيرة ابنائها من اساتذة وطلاب الحوزة العلمية الى الجبهات دعماً للقوات المقاتلة وقدمت العشرات منهم شهداء في هذا الطريق... لا ترى لأحدٍ فضلاً يداني فضلكم ولا مجداً يرقى الى مجدكم في تحقيق هذا الانجاز التاريخي المهم.. فلولا استجابتكم الواسعة لفتوى المرجعية وندائها واندفاعكم البطولي الى جبهات القتال وصمودكم الاسطوري لما تحقق هذا النصر المبين".

وأضاف" اننا اليوم نستذكر بمزيد من الخشوع والاجلال شهداءنا الابرار الذين روّوا ارض الوطن بفيض دمائهم الزكية، فكانوا نماذج عظيمة للتضحية والفداء، ونستذكر معهم عوائلهم الكريمة: آباءهم وامهاتهم وزوجاتهم واولادهم واخوتهم واخواتهم، اولئك الاعزة الذين فجعوا بأحبتهم فغدوا يقابلون ألم الفراق بمزيد من الصبر والتحمل، ونستذكر بعزة وشموخ اعزاءنا الجرحى ولا سيما من أصيبوا بالإعاقة الدائمة وهم الشهداء الاحياء الذين شاء الله تعالى أن يبقوا بيننا شهوداً على بطولة شعب واجه أشرار العالم فانتصر عليهم بتضحيات أبنائه".

وتابع الكربلائي" نستذكر بإكبار وامتنان جميع المواطنين الكرام الذين ساهموا في رفد ابنائهم المقاتلين في الجبهات بكل ما يعزز صمودهم، حيث كانوا خير نصير وظهير لهم... ونستذكر بشكر وتقدير كل الذين كان لهم دور فاعل ومساند في هذه الملحمة الكبرى من المفكرين والمثقفين والاطباء والشعراء والكتّاب والاعلاميين وغيرهم.

وختم ممثل المرجعية العليا بالقول" نقدم الشكر والتقدير لكل الاشقاء والاصدقاء الذين وقفوا مع العراق وشعبه في محنته مع الارهاب الداعشي وساندوه وقدّموا له العون والمساعدة سائلين الله العلي القدير أن يدفع عن الجميع شر الاشرار وينعم عليهم بالأمن والسلام..."