الحرب المعلوماتية اشدّ فتكاً من السلاح

 حوار: فضل الشريفي  ــ محمود المسعودي

شهد الواقع الصحفي في العراق بعد عام 2003 تغيرات جذرية حيث  انتشرت وسائل الإعلام بشكل لافت وتعددت خطابات هذه الوسائل بتعدد توجهاتها وميولها، ومصادر تمويلها وتباينت ثقافاتها ووعيها، ويرى المختصون ان هذا الواقع تكتنفه العديد من الاشكالات والعوامل ولعل من بينها العوامل السياسية والاقتصادية.

وللخوض في تفاصيل هذا الواقع وللبحث عن حلول ومعالجات لمشكلاته التقى مركز الاعلام الدولي مع رئيس قسم الصحافة في كلية الإعلام – جامعة بغداد أ.د شكرية كوكز السراج. 

•  بداية ما مفهوم الأمية الإعلامية وما مسبباتها وعوامل انتشارها؟

- هي افتقار المتلقي لأساسيات التلقي الواعي لمضامين الإعلام ، او هي الانسياق غير الواعي وراء ما تضخه وسائل الإعلام من مضامين ، أي التسليم بمضمونها باعتباره حقائق ومسلمات وعدم رصد التحيز أو الأدلجة الكامنة في تلك المضامين.

•  هل يمكن ان نقول ان معظم مؤسساتنا الصحفية والإعلامية تعاني من أمية إعلامية تؤثر على فحوى الرسالة الاعلامية؟

- على المستوى العام ، يمكن القول ان بعض المؤسسات تعاني هذه الظاهرة نظرا لافتقار نسبة معينة من صحفييها لسمات الشخصية الناقدة واتصافهم بالعاطفية والاندفاعية ، مع الاخذ بنظر الاعتبار افتقار هذه الفئة لثقافة التحري والتقصي العميق النابع من الشك المنظم ازاء كل ما يحيط بهم، فترى البعض يسارع لاقتناص تصريح ما او صورة ما ويشيعها مستثمرا مواقع التواصل الاجتماعي،  ونظرا لصفته المعنوية فإنه يكون مصدرا معتبرا للكثير من متابعيه، ولك ان تتخيل التكملة في حال كانت المعلومات المتداولة غير حقيقية او مفبركة.

•  للأمية الإعلامية مخاطر عديدة فهل لكِ ان توضحيها لنا؟ وما تبعاتها الآنية والمستقبلية؟

- حجم الخطورة كبير، فلو افترضنا ان احد العابثين وضع صورة ما لحدث له علاقة بالسلم المجتمعي او الامن الغذائي او ما شابه مما له مساس مباشر بحياة المواطنين وسلامتهم ولنفترض انه لانهيار وشيك في سد ضخم، وتم تداولها على نطاق واسع دون تحقق المؤسسة او الصحفي او المدون من صدقية هذه الصورة التي سرعان ما انتشرت وباتت حديث القاصي والداني، فكم من المدنيين سيكونون عرضة للذعر؟ وكم من القطاعات الاقتصادية ستتضرر؟ لنسلم بأن الحرب المعلوماتية باتت اشد فتكا من أي سلاح يستخدم ضد الفرد والجماعة.

•  هل للعمل الصحفي ابجديات ينبغي توافرها للانطلاق في صناعة رسالة إعلامية واضحة المضمون ماهي؟

- الحياد والموضوعية والدقة من ابجديات الصحافة ومسلماتها، فلا يمكن ان نقول عن فلان انه صحفي او إعلامي دون الاتصاف بالوعي الكافي في التعامل مع المعلومة باعتبارها سلاحا ذا حدين يمكن ان يتحول الى اداة تدمير اذا ما اسيء استخدامه، هذا الامر يحتم علينا اتباع المبادئ الاساسية في العمل الصحفي والمستندة للدقة والموضوعية والحياد والمصداقية ... الخ .

  • وهل تعمل المؤسسات الإعلامية بهذه الابجديات وتتجاوزها في سبيل مواكبة الإعلام العالمي؟

ــ ان مستويات الصدقية والحياد في مؤسساتنا تتفاوت نسبيا تبعا لأجندة المؤسسة على المدى الطويل وتعاطيها التكتيكي مع الملفات الآنية ، كما ان المستويات تتفاوت احيانا بسبب تدني ثقافة القائمين على تلك المؤسسات ومن ينوب عنهم.

•  نرى ان الكثير من الذين يزاولون العمل الصحفي يستسهلون العمل فهل للصحفي مقومات وسمات محددة تمكنه من خلق عملية اتصالية هادفة وخطاب إعلامي رصين؟

ـ هناك مواصفات يجب توافرها في الصحفي والمشتغل بالإعلام عموما وهي :

- الثقافة العامة

- الوعي بأهمية العمل الإعلامي وخطورته

- التمكن من الادوات الاساسية (اللغة، الاسلوب، المظهر العام اذا تطلب الامر ظهورا على الشاشة ، حسن السيرة والسلوك)

- التحلي بالمسؤولية الاخلاقية للعمل في الإعلام

- المعرفة الكافية بالنصوص القانونية ذات العلاقة

- الايمان بأن الإعلام مسؤولية قبل ان يكون حرية

•  ما العوامل التي تعرقل اداء  المؤسسات الصحفية او تحد من عملها؟

- العامل السياسي: وذلك اثر قيام صناع القرار بمحاولة تدجين الصحافة وشراء صوتها لتبييض صورة الحاكم او حزبه.

- العامل الاقتصادي: يتمثل في نضوب تمويل المؤسسات الصحفية اثر الأزمات الاقتصادية التي تضرب البلدان بين الحين والآخر ما يهدد مصير الصحفيين ويجعلهم عرضة للتسريح او تخفيض الاجور .

- العامل القانوني: يتثمل بغياب المظلة القانونية الحامية للمؤسسات والصحفيين لتأدية عملهم بالشكل الامثل.

- العامل الاجتماعي: يتمثل بالأعراف والعادات المجتمعية التي تحول احيانا دون نشر موضوع معين  له مساس بحياة المواطنين وسلامتهم من قبيل الممارسات المجتمعية والقبلية الخاطئة وما الى ذلك.

- عوامل مهنية : تتمثل بغياب القدرة الكافية لدى القائم بالاتصال على ادارة العملية الإعلامية ، أي نقص الكفاءة.

•  ما المعالجات الممكنة والشافية لمشكلة الأمية الإعلامية؟

- قيام المؤسسات الإعلامية الكبرى بإجراء دورات تثقيفية لتطوير مهارات العاملين على المؤسسات الصحفية.

- زج الصحفيين في دورات معايشة في المؤسسات الرصينة للتدرب على آليات العمل الاكثر نضجا وحرفية.

- قيام منظمات المجتمع المدني بدورها في التوعية وتثقيف المجتمع على اهمية التفكير الناقد وضرورته ازاء المضامين الوافدة في عصر الدفق المعلوماتي.

•  هل للعمل الصحفي او المهنة الصحفية سمات معينة تميزها عن غيرها من الوظائف والمهن والمهام ام لا وكيف؟

- نعم بالتأكيد، فالصحفي محام ومدع عام باسم الشعب واغلبيته المسحوقة وصوت لمن لا صوت له ، ومن هنا يجب ان يعي خطورة موقفه واهمية دوره في كشف الفساد ورد الظلم وانتزاع الحقوق.

ومما تقدم يجب ان يكون الصحفي على مستوى جيد من الكفاءة  والاحتراف المهني والدراية التامة بالبيئة المحيطة ومخاطرها وعلى وعي عال بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه.

 

المصدر: مجلة الروضة الحسينية