الدراما بين الارتقاء بالمشاهد و الانحدار به

هل ترتقي الدراما بالمشاهد وتجعله يكوّن وعياً ينعكس على ثقافته ويقوم سلوكه مما يجعله فاعلا في مجتمعه؟ وهل تقدم له المتعة والتسلية بما لا يتعارض مع الذوق والاخلاق ام انها تنحدر به الى حد تذويب هويته وانسلاخه من كيانه الانساني؟ تتوقف الاجابة عن هذه الاستفهامات برأي المختصين على القائمين على انتاج المسلسلات والأفلام والمشتركين في صناعتها ومدى وعيهم وثقافتهم والتزامهم الديني والاخلاقي.

للفن دور مهم وبارز في تفعيل الثقافة والمعرفة والإبداع

وبهذا الصدد يذكر نقيب الفنانين في كربلاء الدكتور علي الشيباني "ان للفن دور مهم وبارز في تفعيل الثقافة والمعرفة والإبداع والجمال والمواقف الشريفة والطيبة لدى المتلقي ويأتي ذلك عبر التطبيقات الفنية التي يقدمها الفن في كل الحقول الفنية, وهذه المهمة مناطة بالفنان نفسه, موضحا "الفن هو احلام الفنان وتصوراته وتطبيقاته العملية, واذا كان الفنان بمستوى عال من الثقافة والوعي والابداع فانه حتما سيخلق حالة جديدة مبتكرة تنحو صوب الثقافة الحقة النافعة والمثمرة, وبخلاف ذلك فان الفنان المعني في الجانب المعرفي والثقافي تراه ينتج اعمال فنية لا ترتقي بالمتلقي الذي يرجوه المجتمع, وهنا نؤكد على مهمة الفنان في عملية الخلق والابداع ليسجل معروفا طيبا في ذاكرة المجتمع".

ويتابع نقيب الفنانين حديثه "تزدهر الدراما حينما تستقر أحوال البلاد من النواحي الامنية والاقتصادية وسائر النواحي الاخرى وهذا يجعل كل مرافق الحياة تتجه نحو خلق حياة سوية متوازنة اساسها المحبة والاخلاص والتضحية والوعي والفضيلة وبخلاف توفر هذه الامور سوف تتراجع الدراما وربما تنتهي تماما واذا بقي منها شيء فانه سيقدم الاسفاف والتردي" .

الكتابة الهابطة والإنتاج الضعيف وعدم الاقناع هي سمات الفن في البلد حاليا

وذكر رئيس اتحاد الكتاب والادباء العراقيين في كربلاء سلام البناي "ان مع تراجع دور العرض السينمائي والعروض  المسرحية - في العراق خاصة - تفرّد التلفزيون باستقطاب المشاهدين عبر ما يتم بثه من برامج متنوعة أو أعمال فنية ؛ ومنها الأعمال الدرامية التي تناقش وتتطرق الى موضوعات اجتماعية مهمة، وقد نجحت بعضها بنسبة ضئيلة جدا في ايصال رسالة ايجابية للمتلقي، بينما فشلت أعمال أخرى كثيرة من خلق ألفة بينها وبين المشاهد كونها بعيدة كل البعد عن الواقع ولا تسهم في معالجة المشكلات المطروحة بطريقة مقنعة على وفق المعايير والأهداف النبيلة لصناعة الدراما ، بل سقطت في فخ الاسفاف والتهريج وغياب المحتوى فأظهرت ضعفا في أغلب جوانب العمل بسبب ضعف الانتاج وسوء اختيار القصص والروايات ومعالجتها دراميا بطريقة احترافية، وهذا مؤسف جدا لكون العراق لديه أدباء وكتاب سيناريو وروائيين وقصص لهم بصمتهم وتأثيرهم في جوانب الادب الابداعية".

 ولفت الاديب البناي الى "امكانية استثمار ما يكتبه المبدعون من كتّاب السيناريو والروائيين وتحويله الى اعمال درامية ذات نفع وفائدة ومتعة تحفز المشاهد ليكون عنصرا ايجابيا في صناعة الحياة، لكن يبدو ان الكتابة الهابطة والانتاج الضعيف والرتابة وعدم الاقناع في الاداء أصبحت سمة من سمات الفن لذلك نشعر بالإحباط إزاء ما يعرض من أعمال درامية لا ترتقي الى سمعة البلد وتاريخه المشرف؛ فهناك موضوعات كثيرة يمكن معالجتها دراميا وتقديمها للمشاهد ؛ فالفن وخاصة الدراما من أكثر الأعمال الفنية التي تؤثر في توجيه الرأي العام ومحاربة الظواهر السيئة بطريقة لائقة وتعزيز الايجابيات بأدوات ناصعة النوايا".

متابعة الدراما الدخيلة قد تقود المراهق الى ممارسة السلوكيات السيئة او الانتحار

وترى الاستشارية في مركز الارشاد الاسري شهلاء داود الدهش ان " الدراما تؤثر على الاطفال والمراهقين والازواج ويتجلى تأثيرها على الطفل بإصابته بالأمراض النفسية وامراض التوحد وتظهر عليه السلوكيات الخاطئة والاضطرابات اما تأثيرها على المراهق فقد يكون هذه التأثير فاعلا ويؤدي بالمراهق الى الانتحار, ونسبة حالات الانتحار في تزايد لاسيما ان المراهقين في مرحلة انتقالية يتحولون فيها من مرحلة الطفولة الى مرحلة الشباب وبهذا تظهر عليهم اضطرابات نفسية وجسدية وبمشاهدتهم للدراما الدخيلة على مجتمعنا نرى التأثير الواضح على المراهقين من خلال سلوكياتهم السيئة كتعاطي الكحول والسكائر والشذوذ الجنسي والمخدرات وصولا الى الانتحار".

ونوهت الاستشارية الى ان "خطورة بعض المسلسلات التركية والهندية وغيرها من مسلسلات تكمن بما تحمله من مضامين وثقافات كما انها تصل الى اكثر من مائة حلقة وبهذا تشد المشاهد ويتفاعل مع الافكار واللقطات المعروضة مما يثير اعجابه وتترسخ في ذهنه تدريجيا وبالتالي تجرفه بعيدا عن بيئته ومعتقده وقد تؤدي به الى مصير سيء كما ذكرنا آنفاً".

وواصلت حديثها "إذا تطرقنا الى الزوجين والعلاقة بينهما نلاحظ وجود مشاكل كبيرة جدا في هذه العلاقة بسبب الاستخدام السيء للإلكترونيات او الانترنيت او بسبب ما يعرضه التلفاز من برامج او دراما أثرت على العلاقة الزوجية وادت الى تفككها, ونلاحظ ان نسبة الطلاق العاطفي عالية جدا والسبب يعود الى ما اشرنا اليه قبل قليل". 

علينا ان نصنع فلترا في داخل الفرد العراقي يمرر الأعمال الدرامية الجيدة فقط

ويذهب الاستشاري في مركز الارشاد الاسري الدكتور عبد عون عبود الى ان "الدراما جانب حياتي مهم وبوصفها  جزء من الفن، والفن بأنواعه مهم جدا لكونه يتيح للموهوب او الفنان تنمية قدراته وامكاناته والتعبير عن الواقع بطرح مواضيع جادة قد تكون هذه المواضيع في المجال السياسي والاقتصادي او الديني وغيره، مشيرا الى ان "عملية التأثر والتأثير قائمة خصوصا في العراق الآن لأن الدولة قبل عام 2003 كانت تعيش نظاما دكتاتوريا لا يسمح لمحطات التلفاز ان تبث هموم ومشاكل المجتمع وقضاياه والدراما حينها كانت محددة ومسيسة".

ويتابع الاستشاري الدكتور عبود حديثه متسائلا "في ظل ما تعرضه الدراما الغير ملتزمة كيف نحمي الفرد العراقي من بعض القيم والتقاليد التي لا تنسجم مع الدين الإسلامي ومع تقاليدنا وأعرافنا الاجتماعية؟ مضيفا "البعض يدعو الى مقاطعة هذه الدراما وهذا ليس حلا, وعلينا ان نصنع فلترا في داخل الفرد العراقي وصانع الفلتر قد يكون الأب والأم في تربيتهما وتنشئتهما للأجيال ويمكن ان تكون المؤسسات الدينية ورجال الدين او المعلمين من صناع هذا الفلتر، وهذا الفلتر واجباته ان يستقبل ويمرر ما هو  مفيد و لا يشكل خطرا على الشخص خصوصا اننا نرى شبابنا الآن يقلد الآخرين في زيهم وفي عاداتهم وافكارهم".

ويحذر الاستشاري من خطورة ما تعرضه بعض القنوات من مسلسلات قائلا "ان موضوع الدراما يجب ان يدرس بشكل جيد لأننا نلاحظ المسلسلات التي تظهر في بعض القنوات تشوه وتسيء الى الشخصية العراقية, ونحن نريد ان تصور الدراما الوجه الحسن والصورة الجميلة للشعب العراقي، فالشعب العراقي يحمل الكثير من القيم النبيلة كالكرم والشجاعة والنخوة وغيرها من القيم وعلى الدراما العراقية ان تبرز هذه القيم لكي لا يعزف المشاهد عن الدراما المحلية ويتجه نحو  الدراما الأخرى.

تحقيق: عماد بعو ــ تحرير: فضل الشريفي