العنف الأسري ضد الأطفال.. تمهيد لمستقبل خطير

يقوم عادل وهو أب لخمسة أطفال بضربهم، كلما اخطأوا في أي أمر كان, معتقداً ان هذا التصرف يعد احد انواع التربية لأطفاله، غافلاً عما اذا كان هذا التصرف له سلبيات كثيرة على نفسية الطفل قد تصل الى تشويهات جسدية واضحة للعيان.

ويعد عادل واحداً من آلاف اولياء الامور الذن يستخدمون العنف ضد ابنائهم، حسب احصائيات دولية عن العنف ضد الاطفال في مختلف دول العالم.

ما هو العنف الأسري ضد الأطفال؟

وضع الباحثون والمختصون اكثر من وصف او تعريف للعنف ضد الاطفال فقد عرفه البعض على انه: العنف الجسديّ، أو النفسيّ، أو الجنسيّ، أو اللفظيّ، الذي يُمارس على الطفل ويُؤدّي إلى آثار وتبِعات سيئة جداً على الطفل، من الجانبين النفسيّ والجسديّ، وتكون آثاره عميقةً جداً، وقد تستمر للمستقبل مُحدثةً تشوهاتٍ بدنيةً وروحيةً للطفل مدى الحياة، وقد تُؤدي في بعض الأحيان إلى الوفاة، وهي ظاهرة مُنتشرة في جميع أنحاء العالم، وقد يتعرّض لها الطفل في المنزل، أو المدرسة على يد أحد أفراد أُسرته أو من أشخاص غُرباء.

الاسرة.. المسؤول الاول

تعد الاسرة نواة المجتمع فإذا كانت تربي وتعلم أبناءها بشكل سليم وصحيح فلا شك ان هذه التربية تنعكس على المجتمع ككل فيصبح المجتمع واعيا ومتعلما ومستقرا واذا حصل العكس فانه يؤدي الى دمار وضياع المجتمع.

في هذا الشأن يقول الدكتور محمد عزت كاتبي في بحثه بعنوان (العنف الأسري الموجه نحو الأبناء وعلاقته بالوحدة النفسية) المنشور في  مجلة جامعة دمشق إن: الطفل والمراهق هما نتاج الأسرة ومسؤوليتها الكبيرة بدءا بتوفير المسكن الكريم وليس انتهاء بالتعليم، فالمراهق يحتاج لأسرة لا تؤمن له الحاجات الفسيولوجية فحسب بل يحتاج لأسرة تؤمن له حاجاته النفسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية من خلال التواصل الإنساني معهم وليس من خلال التعامل القائم على الشتم والتحقير والضرب والإهمال والعزلة الذي يفقد الأسرة أهميتها باعتبارها مكانا للحب والسلام والدعم العاطفي فتكون مصدرا للعديد من المشاكل التي يتعرض لها المراهقون، حيث إن الأسرة بهذه الحالة يمكن أن تكون أكثر خطورة على الأطفال والمراهقين من أي مكان آخر.

ويضيف كاتبي في بحثه أن: العنف الأسري الموجه نحو الأبناء ينطوي على العديد من العواقب والآثار التي تأخذ أشكالا عديدة جسدية وصحية ونفسية، ومن أهم هذه العواقب ومن أكثرها خطورة العواقب النفسية للعنف الأسري الموجه نحو الأبناء كونها قد لا تكون ظاهرة بشكل واضح ولكون آثارها تمتد إلى بقية حياة الفرد.

العنف حالة وراثية

مما لا شك فيه ان الطفل الذي يتعرض للعنف في الاسرة يجعله عدوانيا في المستقبل وأكثر استخداما للقوة مع ابنائه مستقبلا اي ان الامر يصبح وراثياً في كثير من الاحيان , وبحسب قول مدير معهد الطب النفسي في مستشفى هامبورغ الجامعي ميشائيل شولته ماركفورت في مقابلة مع "وكالة الأنباء الألمانية" أن "المناخ الأسري السيئ يوفر عوامل خطورة كثيرة تنذر بسلوكيات نفسية غير عادية وذلك ينعكس على التطورات العدوانية لهم أكثر مما ينعكس على الاضطرابات النفسية".

وأوضح أن: عدم قدرة من هم في مرحلة الطفولة على التكيف مع المحيط الاجتماعي وقبول قواعده يمكن أن يؤدي بسرعة لتصرفات اجتماعية غير طبيعية ولا يبشر بخير بالنسبة لسلوك هذا الفرد في سن البلوغ، ولكن من الممكن في الحالات البسيطة أن يتحسن ذلك في سن البلوغ, مضيفاً أن: الطفل الذي يتعرض لمناخ غير ملائم داخل أسرته قد يجعله عدوانيا في سن البلوغ ، وقد يستمر هذا التصرف فترة طويلة أثناء فترة البلوغ إذا تكرر في فترة الطفولة".

أسباب العنف

ذكرت معظم الدراسات وكثير من الباحثين ان  للعنف اسباباً كثيرة أبرزها:

1-أسباب اقتصادية: ان الظروف الاقتصادية الصعبة تلعب دوراً مهما في انتشار ظاهرة العنف الاسري ضد الاطفال، حيث  أكدت دراسة "أن إيذاء الأطفال يحدث بصورة أكبر في الأسر ذات الدخل المنخفض عما هو في الاسر ذات الدخل العالي".

2- العادات والتقاليد: فالكثير من ابناء المجتمع العربي بشكل خاص تحكمه العادات والتقاليد المجتمعية لابراز الدور القيادي للرجل دون غيره من افراد الاسرة ويستخدم العنف كوسيلة لقيادة للاسرة, وتبين  الباحثة الاجتماعية أحلام سعيد في تصريح صحفي الى (المدى برس) إن " لثقافة المجتمع، والعادات والتقاليد السائدة دورا كبيرا في إدامة ظاهرة العنف الأسري، إذ ان العادات والتقاليد، رسمت المجتمع بطابع ذكوري، وجعلت السيطرة للرجل، ما انعكس على المرأة والطفل".

3ـ ضعف الروابط الأسرية بين الأسرة الواحدة: حيث دعا أخصائيون اجتماعيون ونفسيون في أبحاثهم إلى الحذر من المخاطر الجسيمة التي يسببها العنف الأسري على وحدة الأسرة والمجتمع, مبينين أن العديد من حالات العنف الأسري كانت سبباً في تفكك الأسرة ونشوب الخلاف بين الزوجين أو انفصالهما, وعدت جرمًا يخالف الشرع القويم, والسلوكيات والقيم الحميدة التي حثّ عليها ديننا الإسلامي.

4ـ  ارتفاع عدد افراد الاسرة: فكلما زاد عدد افراد الاسرة يتعرض الطفل للعنف بمختلف اشكاله, فقد اوضح الاستاذ (أنس عباس غزوان) في بحثه بعنوان (العنف الأسري ضد الأطفال وانعكاسه على الشخصية): إن اغلب الأسر التي تمتاز بارتفاع عدد إفرادها ربما يؤثر ذلك سلباً على الطفل ويجعله أكثر عرضة للعنف وبكافة أنواعه.

5ـ إدمان أحد أفراد الأسرة للكحوليات: فلا شك ان للمخدرات والكحول آثاراً سلبية على المجتمع والاسرة وأحد هذه الآثار استخدام العنف ضد الاطفال.

6- أسباب اجتماعية: مثل التفكك الأسري، الخلافات الزوجية، كبر حجم الأسرة وإدمان المخدرات مما يؤدي إلى تشرد وضياع الأطفال.

7- المفاهيم الخاطئة حول أساليب التنشئة: والتي تقوم على افتراض أن "التنشئة الصالحة" تقتضي استخدام قدر من العقاب الجسدي أو اللفظي، إلى جانب غياب الوعي بأساليب التنشئة السليمة.

الحد من الظاهرة

ان لكل مشكلة أو ظاهرة حلولاً للقضاء عليها او الحد منها وأن قضية العنف الاسري ضد الاطفال من القضايا التي وضع الاسلام حلولاً لها، كما جاء في احاديث وردت عن اهل البيت فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: ((أدّب صغار بيتك بلسانك على الصلاة والطهور, فإذا بلغوا عشر سنين فاضرب ولا تجاوز ثلاثاً)), وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (الولد سيد سبع سنين، اتركه سبعا، وعلّمه سبعا، وأدّبه سبعا).

اعداد: محمود المسعودي