ذكرى النصر على داعش.. الملحمة التي انطلقت من حرَم الإمام الحسين في كربلاء

تحقيق: فضل الشريفي- صديق الزيرجاوي

- دعمت العتبة الحسينية المقدسة كافة الفصائل المقاتِلة، فكانت تسيِّر في اليوم الواحد أكثر من 100عجلة مخصصة للدعم اللوجستي الى المقاتلين في مختلف قواطع العمليات في المحافظات.

- انضمَّ الى لواء علي الأكبر أكثر من 500 مقاتل من تكريت، مع فوج قبيلة شمَّر، فأصبح اللواء نسيجٌ وطني متكامل يقاتل تحت عنوان الدفاع عن الوطن والمقدسات.

- كانت المواكب الحسينية والأهالي والميسورين خير عَون ومدد للمقاتلين وحافزاً لهم للاستمرار في القتال حتى النصر.

منذ انطلاق فتوى الدفاع الكفائي في حزيران عام 2014 لم تدّخر العتبة الحسينية المقدسة جهداً في دعم واسناد المقاتلين والنازحين على حد سواء، فكانت تدعم المقاتلين على الجبهات لضمان استمرار وديمومة زخم المعركة، كما ارادت ان تكون لها اليد الطولى في تحقيق النصر الذي انطلقت فتواه منها.

لقد تبنّت العتبة الحسينية المقدسة مبادرات انسانية متعددة لإغاثة النازحين الذين أفلتوا من قبضة تنظيم داعش الارهابي لتوفر لهم ما وسعها من متطلبات العيش الكريم ومستلزمات الحياة الضرورية، فسيّرت في هذا الجانب العشرات من القوافل الاغاثية والانسانية على الرغم من الازمة المالية التي مرّت بها ولا تزال.

ومع احتفال العراقيين بالنصر الذي تحقق على التنظيم الارهابي داعش بسواعد المتطوعين الغيارى والقوات الأمنية وجدنا ضرورة للتذكير بما قدمته العتبة الحسينية المقدسة خلال 3 سنوات ونصف من الحرب ومن ثم الانتصار الناجز على عصابات الارهاب.

لجنة عليا للدعم اللوجستي

مسؤول شعبة التبليغ الديني في العتبة الحسينية المقدسة الشيخ فاهم الابراهيمي تحدثَ قائلاً" بتوجيهات المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف، أوعز المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة بتشكيل خلية عمل تعمل ليلاً نهاراً على دعم المقاتلين في ساحات القتال، ودعم النازحين ايضا في المناطق التي تدور فيها الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي".

وأضاف أن" العتبة الحسينية المقدسة قامت بنقل مئات الأطنان من المواد الغذائية والطبية والملابس والبطانيات وحتى المساعدات المالية الى الاخوة المقاتلين والنازحين، كما جهزت العتبة المقدسة عددا كبيرا من أهالي الفلوجة الذين أُحرقت بيوتهم بأجهزة كهربائية ومنزلية كالطباخات والثلاجات والغسالات والمبردات والمدافئ".

وأشار الابراهيمي الى ان" العتبة الحسينية المقدسة انشأت مخيماً للنازحين في ناحية حمام العليل جنوب الموصل يضم 360 خيمة كبيرة، وجهّزته على مدى اكثر من عام بالمواد الغذائية والطبية، كما نظّمت مواكب ثابتة لغرض طبخ الطعام وتوزيعه على النازحين".

وتابع أن العتبة الحسينية " تبنّت موضوع تسهيل اجراءات عودة النازحين الى المناطق المحررة بالتعاون مع قيادة العمليات المشتركة، وهي مستمرة بإرسال قوافل المؤن والأغذية والمساعدات الانسانية لأكثر من 5 آلاف نازح في ناحية العلم شمال تكريت، بالتنسيق مع الحاجّة أم قصي المعروفة بـ "طَوعة العصر" لجهودها الفذة في انقاذ العشرات من أبناء العراق الذين فرّوا من مجزرة سبايكر التي ارتكبها تنظيم داعش بحق المئات من شباب معسكر سبايكر.."

ولفت الابراهيمي الى" ان العتبة الحسينية دعمت كل الفصائل بدون استثناء ولم يقتصر دعمها على فصيل معين، فكنّا نُسيِّر في اليوم الواحد اكثر من 100 عجلة مخصصة للدعم اللوجستي الى المجاهدين في مختلف قواطع العمليات وفي جميع المحافظات، ابتداءاً من جرف النصر وليس انتهاءً بتحرير الحدود العراقية السورية".

للمواكب الحسينية دور أيضاً

مسؤول الشعائر والمواكب في العتبة الحسينية المقدسة مازن الوزني تحدث عن دور المواكب الحسينية في تحقيق النصر فقال" منذ الساعات الأولى لانطلاق فتوى الدفاع الكفائي وجهنا نداءً الى المواكب الخدمية للتوجه الى معسكرات التدريب لدعم المقاتلين أثناء التدريب، ثم وجهنا نداء آخر للمواكب للتوجه الى قواطع العمليات العسكرية لتقديم الدعم اللوجستي من الماء والغذاء والأغطية والملابس وكل ما يحتاجه المقاتلون لإدامة زخم المعركة".

أضاف الوزني أن" المواكب الحسينية والأهالي الميسورين كانوا خير عون ومدد للمقاتلين وحافزا لهم على الاستمرار في القتال، ومع تصاعد وتيرة المعارك كانت المواكب الخدمية والجماهير تصعّد من دعمها وامداداتها للمقاتلين ابتداء من جرف النصر الى مناطق صلاح الدين والانبار والموصل والحويجة والحدود مع سوريا".

وأشار الوزني الى" ان جميع المواكب الخدمية شاركت بتوفير الدعم اللوجستي للمقاتلين من جميع محافظات العراق من البصرة الى دهوك، كما لا ننسى دورهم في اغاثة النازحين بعد توجيهات المرجعية الدينية العليا، ولا زالت آثار المواكب وأسمائها ومواقعها شاهدا حيّاً على مشاركتها في دعم المقاتلين والنازحين".

تشكيلات عسكرية لمواجهة التنظيمات الارهابية

وفي جانب الدعم العسكري قال مسؤول علاقات (لواء علي الأكبر) احمد الخفاجي" بعد اطلاق فتوى الدفاع الكفائي من حرم أبي عبدالله الحسين على لسان ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي كانت العتبة الحسينية سبّاقة في دعم الجيش العراقي والقوات الأمنية، اثر وقوع بعض المناطق في قبضة الارهابيين الدواعش، من ثم تطور الموضوع بعد ذلك الى تشكيل جديد مستقل بإسم لواء علي الأكبر عليه السلام".

وتحدث الخفاجي عن بداية تشكيل اللواء فقال" بدأنا بـعدد محدود من خدّام الامام الحسين عليه السلام منتسبي العتبات المقدسة، ثم تدفق المقاتلون من كل محافظات العراق وبالخصوص المحافظات الجنوبية والفرات الأوسط من البصرة والناصرية والعمارة والديوانية والحلة والكوت وبغداد، وكذلك انظمَّ الينا الاخوة من ناحية العلَم في تكريت بعد انتهاء عمليات منطقة الدور بأكثر من 500 مقاتل، يقودهم الحاج ابو اعزاز، وكذلك فوج شمّر، فأصبح لواء علي الأكبر عبارة عن نسيج وطني متكامل يقاتل تحت عنوان الدفاع عن الوطن والمقدسات".

وعن الشخصيات السبّاقة في تشكيل اللواء قال الخفاجي" كان في طليعة التأسيس الحاج قاسم مصلح ومعه جمع كبير من خدّام الامام الحسين عليه السلام في طليعتهم الشهيد مسؤول الحركات اللواء عبد الكريم الحسناوي رحمه الله ، والشهيد البطل المقدم احمد زيني، وهم خيرة القادة الامنيين ذوي الخبرة وكذلك كثير من القيادات وضحايا البعث الصدامي من الجنوب، من الذين انضمّوا الى تشكيلنا، وهم متطوعون سابقون في العتبة الحسينية، حيث كانوا يتشرفون بخدمة زوار الإمام الحسين عليه السلام في ما مضى".

تحرير جرف النصر والانتقال الى مرحلة الهجوم

وانتقل الحديث مع الخفاجي لاستذكار أُولى العمليات العسكرية ضد داعش فقال إن " أول عملية بدأت للّواء في منطقة جرف النصر جنوب غرب بغداد، وسُمّيت "عملية عاشوراء" وقد تحقق في هذه المعركة النصر الكبير وكان جزء مهم منهُ للواء علي الاكبر".

وعن دور مكتب علاقات اللواء قال الخفاجي" كان لنا الشرف الكبير بمواكبة علاج الجرحى ورعاية ذوي الشهداء وتقديم الخدمات لهم، اضافة الى متابعة الشؤون الادارية بالتنسيق مع اللجنة الموجودة في ادارة اللواء، ونحن بدورنا كنا موجودين في الميدان لتلبية كل ما يحتاجه المجاهد من لحظة اصابته او الاخلاء من ارض المعركة الى تماثله للشفاء التام، وبلغت حالات ارسال الجرحى للعلاج خارج العراق بحدود 200 حالة، وتضمنَ ذلك اصدار جوازاتهم ورعايتهم داخل المستشفيات المحلية في العراق وخارجه من خلال التنسيق مع المندوبين، وكل هذا تم بتمويل خاص من العتبة الحسينية المقدسة، من خلال المتبرعين والداعمين والأموال التي تصل من الحكومة".

قيادة جديدة ورؤية عسكرية متخصصة

آمر لواء علي الاكبر، اللواء علي الحمداني تحدّثَ عن أُولى المعارك التي خاضها اللواء عقب تحرير ناحية جرف النصر فقال" عندما تحرّكَ اللواء الى مدينة بلد في تكريت، انضمَّ اليه فوج "سبع الدجيل" فقاتل في هذه المنطقة وبعد أن تم تحريرها بالكامل توجهَ الى منطقة السجلة ومن ثم الى سامراء، حيث كانت مناطق الضلوعية وسامراء وآمرلي واجزاء كبيرة من محافظة صلاح الدين محاصرة من قبل عصابات داعش، ولا يوجد فيها مقر للقيادة سوى قاعدة سبايكر التي كانت محاصرة كذلك".

وعن الدور الانساني للّواء خلال معارك التحرير قال الحمداني" في معارك تحرير منطقة المزرعة التي هي احدى نواحي صلاح الدين فتحَ اللواء مستشفى ميداني للأهالي، وقام بإعادة تشغيل محطة مياه الشرب، واعادة الكهرباء الى منطقة البعيجي، ومساعدة دوائر الكهرباء في جوانب كثيرة لإعادة الحياة الطبيعية الى تلك المدن".

وأضاف آمر اللواء أن" بيجي كان فيها كثير من النساء التي تراجع المستشفى وبالتنسيق مع أهالي منطقة المزرعة تمكّنا من جلب طبيبة نسائية، وفي نفس الوقت قُمنا بتوزيع الماء والطعام على الاهالي لأن الظروف كانت قاسية في المدينة التي تحررت للتو- آنذاك- من قبضة داعش وتمر بأزمة في كافة النواحي".

وتحدث الحمداني عن اليوم الاول من تكليفه آمراً للّواء" في أول يوم كلفت به رسمياً بقيادة اللواء خرجت في جبال مكحول وتفقدت القطعات وكانت قطعات بسيطة جداً، عبارة عن سريتنا (سرية الهاونات) ومَدافع الـ 106 لسرية الإسناد، وفصيل من فوج قبيلة شمّر بالاضافة الى فوج عاشوراء".

وأكد" ان الدور الاكبر في تحقيق النصر كان لفتوى الدفاع الكفائي التي أطلقتها المرجعية العليا، فهي  التي  زرعت الثقة في النفوس ومنها بدأ اصحاب العقيدة لا يبالون بالموت، ورفعت مستوى الإقدام والشجاعة".

وعن دور اللواء في عمليات تحرير الفلوجة قال الحمداني" كان واجبنا في الفلوجة هو تحرير حي الجولان والازركية، وقد كانت المواجهة كبيرة إلا انه ونتيجة للرمي المكثف من قلبنا على العدو أجبرناه على ارتداء ملابس النساء والهرب باتجاه نهر الفرات، وبعد ساعات تمكّنا من الوصول الى النهر، ثم تطهير منطقة حي الجولان والازركية وصولاً الى أيسر نهر الفرات بشكل كامل".

قصص انسانية..       

وسردَ اللواء الحمداني نموذجاً لمواقف انسانية رافقت عمليات التحرير قائلاً" بدأنا ننقل العشرات من الأطنان كدعم لوجستي من الحنطة والرز وتوجهنا الى المناطق المحررة لتوزيع المواد الغذائية على الأهالي والنازحين لأنهم كانوا في وضع مزري جداً، وخاصة في منطقة الشرقاط حيث طالبَ الأهالي بمساعدتهم لتحرير منطقتهم، وقد تم تحرير الشرقاط بالتعاون مع بقية القطعات العسكرية، وجسّدنا في هذه العمليات وصايا المرجع الأعلى السيد السيستاني(دام ظله الوارف)، حيث وجدنا أسعاراً خيالية للمواد الغذائية، فقُمنا بالاتصال بمسؤول الإغاثة في مكتب السيد السيستاني فأرسل 5000 سلّة غذائية، فيما تم ارسال مئات الأطنان من الحليب والسكر والزيت والشاي من قبل المتولي الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، وبدأت الطوابير تقف على مقر لواء علي الاكبر لاستلام المساعدات الغذائية".

واستدرك" لكننا لم نقبل بوقوف الأهالي في طوابير طويلة على مقر اللواء حِفظاً لكرامتهم، فأرسلنا على الوكلاء وزوّدناهم بالمواد الغذائية ليوزعوها بدَورهم على الاهالي، فضلاً عن تزويدنا لمستشفى المدينة بالغاز والأدوية وسيارة اسعاف، والتنسيق بشأن تسهيل دوام الأطباء والموظفين، سعياً لإرجاع الحياة الى طبيعتها".