ممثل المرجعية العليا في اوربا: الإمام السجّاد هو المؤسس الأول لمدرسة أهل البيت في المدينة المنورة

عزّى ممثل المرجعية الدينية العليا في أوربا، العالم الإسلامي بشهادة الإمام زين العابدين (ع)، قائلاً إنه (ع) هو المؤسس الأول  لمدرسة أهل  البيت في المدينة المنورة.

وجاء حديث السيد مرتضى الكشميري، في ذكرى شهادة الإمام علي بن الحسين (ع) الذي كانت ولادته في 5 شعبان 38هـ وشهادته في 25 محرم 95هـ، وله من العمر 57 عاما، عاش منها مع جدّه أمير المؤمنين سنتين في الكوفة، ومع ابيه (ع) عشرون سنة، وكان عمره الشريف يوم كربلاء 22 عاما وهو يومئذ متزوج من ابنة عمه فاطمة بنت الحسن (ع) وله ولد منها هو الامام الباقر (ع) الذي كان عمره ثلاث سنوات، وعاش بعد شهادة أبيه الحسين (ع) 35 او 40 سنة وهي فترة إمامته.

وقد تفوق (ع) على أهل عصره علما وعملا وخلقا بشهادة التاريخ واعتراف العلماء، وبروزه وسبقه في العلم والعبادة والسخاء وكافة الفضائل ومكارم الأخلاق.

فعن عن عبد الله بن الحسين بن الحسن قال (كانت أمي فاطمة بنت الحسين عليه السلام تأمرني أن أجلس إلى خالي علي بن الحسين فما جلست إليه قط إلا قمت بخير قد أفدته أما خشية لله تحدث في قلبي لما أرى من خشيته لله أو علم قد استفدته منه).

وعن الزهري وهو من علماء ذلك العصر قال (كان علي بن الحسين افضل هاشمي ادركناه).

وعن ابن حازم وسفيان ابن عيينه وهما من كبار ذلك العصر قالا (لم ير احدنا افضل من علي بن الحسين، وما راينا هاشميا افضل وافقه منه).

وعن اهل المدينة عامة انهم قالوا (ما فقدنا صدقة السر الا بفقدنا زين العابدين).

وعن سعيد بن المسيب انه قال عندما توفي علي بن الحسين (حضر جنازته البر والفاجر، وحزن عليه الصالح والطالح، ومشى الناس كلهم خلف جنازته حتى لم يبق احد يحضر الصلاة في المسجد ذلك اليوم).

ومن ابرز المظاهر التي اتسمت به حياته في تلك الفترة تأسيسه لمدرسة أهل البيت (ع) التي مارس نشاطه فيها من منزله في المدينة المنورة ثم تحول إلى مسجد رسول  الله صلوات الله عليه الذي كان مركزاً لمدرسته، ومعهداً لتعليم طلّابه، ونقطة انطلاق لتدريب تلامذته، لبثّ العلوم الدينيّة إلى العالم، وإلى الأجيال الصاعدة، فكان يلقي محاضراته وبحوثه على العلماء والفقهاء، وكانت تلك البحوث تتناول العلوم الإسلاميّة المهمّة والحسّاسة، منها علم التفسير، وعلم الفقه، والحديث، والفلسفة، وعلم الكلام، وقواعد السلوك، والأخلاق.

كما كان يلقي في كلّ جمعة خطاباً عامّاً جامعاً على الناس، يعظهم فيه، ويزهّدهم في الدنيا، ويرغّبهم في الآخرة. وكان الناس يحفظون كلامه ويكتبونه، وقد التفّ العلماء والفقهاء والقرّاء حول الإمام (ع)، لا يفارقونه حتّى في سفره إلى حجّ بيت الله الحرام، يستمعون إلى حديثه، ويسجّلون فتاواه، ويدوّنون ما يمليه عليهم من علوم ومعارف وحكم وآداب. وقد تخرّج في مدرسته مجموعة كبيرة من فطاحل العلماء والفقهاء، الذين اشتهروا بالرواية عنه (ع). منهم على سبيل المثال: أبان بن تغلب، والمنهال بن عمرو الأسديّ، ومحمّد بن مسلم بن شهاب الزهريّ، وسعيد بن المسيّب، وأبو حمزة الثماليّ، وسعيد بن جبير، ويروى أنّ سفيان بن عيينة، ونافع بن جبير، وطاووس بن كيسان، ومحمّد بن إسحاق، قد أخذوا عن الإمام السجّاد (ع) بعض الأحاديث، وغيرهم.

وقد أحصى الشيخ الطوسيّ في رجاله، وغيره من أصحاب التراجم، أكثر من مائة وستّين من التابعين والموالي، كانوا ينهلون من معينه، ويروون عنه في مختلف المواضيع، وعدّوا منهم: سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، ومحمّد بن جبير بن مطعم، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، ويحيى بن أمّ الطويل، وأمثال هذه الطبقة من أعلام الصحابة والتابعين.

وأنشأت في عصر الإمام (ع) مدرسة التابعين، وهي أوّل مدرسة إسلاميّة افتتحت في  يثرب بعد مدرسة أئمّة أهل البيت. وقد عنت هذه المدرسة بعلوم الشريعة الإسلاميّة، ولم تتجاوزها، أمّا مؤسّسوها وأساتذتها، فهم: سعيد بن المسيّب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد. ومن الجدير بالذكر أنّ بعض هؤلاء العلماء كانوا ممّن تتلمذ على يد  الإمام زين العابدين (ع)، وأخذوا عنه الحديث والفقه.

وعلى أيّ حال، فلم تعرف الأمّة في ذلك العصر عائدةً أعظم، ولا أنفع من عائدة الإمام (ع) عليها، وذلك بما أسّس في ربوعها من مدرسته العلميّة، وبما فتح  لها من آفاق الفكر والعلم والعرفان.

وخلّف (ع) تراثاً عظيماً أهمّه:

أ- الأحاديث

وقد جاء في طبقات ابن سعد، أنّ عليّ بن الحسين (ع) كان ثقة مأموناً، كثير الحديث، عالياً، رفيعاً، ورعاً.

وقال الشيخ المفيد في الإرشاد: وقد روى عنه فقهاء العامّة من العلوم ما لا يحصى كثرةً، وحُفظ عنه من المواعظ والأدعيّة، وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيّام ما هو مشهور بين العلماء، ولو قصدنا إلى شرح ذلك لطال به الخطاب، وتقضّى به الزمان.

ب- الصحيفة السجّاديّة

المعبّر عنها (إنجيل أهل البيت) و زبور آل محمّد ويقال لها (الصحيفة الكاملة) أيضاً، وقد اهتمّ العلماء بروايته، وعليها شروح كثيرة، وهي من المتواترات عند الأعلام، لاختصاصها بالإجازة والرواية في كلّ طبقة وعصر، ينتهي سند روايتها إلى الإمام أبى جعفر الباقر (ع)، وزيد الشهيد ابني عليّ بن الحسين، عن أبيهما عليّ بن الحسين.

وذكر فصاحة الصحيفة الكاملة عند بليغ في البصرة فقال: خذوا عنّي حتّى أملي عليكم، وأخذ القلم وأطرق رأسه، فما رفعه حتّى مات.

ج- رسالة الحقوق

وهي تحتوي على توجيهات وتعليمات وقواعد في السلوك العامّ والخاصّ، من أدقّ ما يعرفه الفكر الإنسانيّ.

وقد جاء في آخرها، قول الإمام (ع) (فهذه خمسون حقّاً محيطاً بك، لا تخرج منها في حال من الأحوال، يجب عليك رعايتها والعمل في تأديتها، والاستعانة بالله  جلّ ثناؤه على ذلك، ولا حول ولا قوة إلّا بالله، والحمد لله ربّ العالمين).

إنّ رسالة الحقوق التي نظمها الإمام زين العابدين (ع)، تدلّ على اهتمام الإمام بكلّ ما يدور حوله في المجتمع الإسلاميّ، وعنايته الفائقة بسلامته النفسيّة والصحيّة، ورعايته لأمنه واستقراره، وحفاظه على تكوينته  الإسلاميّة.

وإذا نظرنا إلى ظروف الإمام (ع) من جهة،  وإلى ما يقتضيه تأليف هذه الحقوق، من سعة الأفق وشموليّته من جهة أخرى، وقفنا على عظمة هذا العمل الجبّار، الذي صنعه الإمام قبل أربعة عشر قرناً.

إنّ صنع مثل هذا القانون في جامعيّته، ودقّته وواقعيّته، لا يصدر إلّا من شخص جامع للعلم والعمل، مهتمٍّ بشؤون الأمّة، ومتصدٍّ لإصلاحها فكريّاً  وثقافيّاً، واقتصاديّاً، واجتماعيّاً، وإداريّاً، وصحيّاً، ونفسيّاً، ولا  يصدر- قطعاً- من شخص منعزل عن العالم، وعن الحياة الاجتماعيّة، ولا مبتعدٍ  عن السياسة وأمور الحكم والدولة! ولذلك فإنّا نجد الرسالة تحتوي على حقوق  مثل: حقّ السلطان، وحقّ الرعيّة، وحقّ أهل الملّة عامّة، وحقّ أهل الذمّة،  وغيرها ممّا يرتبط بأمور الدولة والحكم وتنظيم الحياة الاجتماعيّة، إلى  جانب الشؤون الخاصّة العقيديّة والعباديّة والماليّة، وكلّ ما يرتبط بحياة  حرّة كريمة للفرد وللمجتمع الذي يعيش معه، ومثل هذا لا يصدر ممّن يعتزل الحياة الاجتماعيّة.

الى جانب نشاطه العلمي نشاطه الاجتماعي الذي كان منه مساعدة الفقراء والمحتاجين والمستضعفين، فكان يوصل اليهم ما يحتاجون اليه دون ان يعرفوه، ويقضي حوائجهم قبل سؤالهم ليؤنس بذلك نفوسهم ويحفظ ماء وجوههم، وكان من عادته يقبّل السائل حين يعطيه فيقول له مرحبا بمن حمل زادي الى دار الاخرة.

متابعات: سلام الطائي
المصدر: موقع شفقنا بالعربي