مستشار قانوني لدى الأمم المتحدة: التعايش السلمي قضية جوهرية تعكس فهماً مختلفاً تماماً عن الأفكار التكفيرية

تعد قضية التعايش السلمي قضية محورية تخص جوهر تشكيل المجتمعات عموماً في كل مكان وزمان، ويتمدد صداها إن كان ايجابياً او سلبياً ليؤثر في الآخرين ويتدخل في تكوين طبيعة العلاقات بين الأفراد والأمم على حد سواء.

في حديثه لمركز الاعلام الدولي المستشار القانوني لدى الأمم المتحدة الفرنسي بيير ايمانويل يقول،  إن "قضية التعايش السلمي هي بالفعل قضية جوهرية، حيث شهدنا في السنوات الأخيرة وخصوصاً في العراق وسوريا وبعض الدول في الشرق الأوسط بصورة عامة كيفية تطور الفكر التكفيري (الإرهابي) وتأثيره على الاوضاع، ونقول أن من يدعي الاسلام والالتزام بتعاليمه عليه أن يتعمق في كتابات الإمام علي ابن الحسين السجاد".

ويوضح ايمانويل، لأنها "تعكس فهماً مختلفاً تماماً للأفكار التكفيرية، ونراه في رسالة حقوق الانسان في الجزء الخمسون تحديداً يتكلم حول حقوق الأقليات الدينية في الإسلام، والتي من الممكن اعتبارها من الناحية النظرية على انها أقليات أثبتت وبرهنت التسامح الديني ضمن اطار الاسلام

ويرى أن "هذه الرسالة أمر مهم يجب أن يُترجم الى العالم كله، لترسيخ ضمان الحقوق السياسية والاجتماعية والفردية، وكذلك الحقوق الدينية للأشخاص الذين ينتمون للطوائف المختلفة".

وعن الافكار المستلهمة من رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، يشير ايمانويل إلى، أن "رسالة الحقوق تحتوي على نص مهم، وفي نفس الوقت أجده نص في غاية البساطة والانتظام في صياغته ومحتواه، فهو يحتوي على تعاليم أخلاقية موجهة إلى كل البشر، وكل ما يتعلق برسالة الحقوق من علاقات اجتماعية وعلاقة الفرد مع ربه او زوجته أو أبيه أو مع شريكه".

ويضيف ايمانويل، "لقد وجدتُ انها علاقات مقدَّمة بعرض سماوي يتماشى مع الأخلاق، وينسجم مع كل ما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية والسياسية وعلاقة النظراء في الدين او في الانسانية".

وبالرغم من أن هذا النص قديم إلا أن العمل جاري ببعضه ويمكن تحديثه وتطويره من خلال الباحثين والعلماء المختصين بشأن العلاقات الانسانية والتعايش والقانون الدولي، وفقا له.

وبشأن رؤية الاعلام والمجتمع الفرنسي للأحداث التي يتعرض لها الإسلام والمسلمين، يقول المستشار القانوني لدى الأمم المتحدة، "في الواقع هذا الموضوع معقّد لأن وسائل الاعلام والرأي العام الفرنسي يمتلك معرفة محدودة جداً عن حقيقة الإسلام، وما يتعرض له من تشوهات من قبل بعض المؤسسات التكفيرية التي تدعي الاسلام".

ويكمل "أما بالنسبة للمجتمع الفرنسي فهم يمتلكون فهم مشوش بشكل كبير وليس لديهم القدرة على الإحاطة بشكل جيد بهذه الأوجه المختلفة، بحيث عندما يشاهدون الجرائم التي ارتُكبت من قبل داعش في العراق لا يستطيعون الحكم بشكل صحيح على هذه الاعمال ويقفون متحيرين في هل انها تطابق مفاهيم الاسلام او ان هذا الشيء بعيد عن الاسلام!".

ويندرج ذلك، حسب ايمانويل، "ضمن المفاهيم الغريبة والمتطرفة، خاصة ان في فرنسا عدد من المسلمين يقدر بالملايين، ونتيجة للظروف التاريخية والعرقية تجدهم اكثر عرضة للتوجهات التكفيرية، ولهذا السبب تجد عدد من المسلمين الفرنسيين غادروا من اجل المشاركة في العمليات القتالية في سوريا مع صفوف داعش! لذلك الفكر الراسخ لدى الشعب الفرنسي عن الاسلام فكر مشوش ولا يحظى بالفهم المناسب لحجم التحديات التي يتعرض لها الاسلام والمجتمع الاسلامي من قبل هذه المجموعات المتطرفة التي تدعي الاسلام".

وعن دور فتوى السيد السيستاني في التعايش السلمي والحفاظ على الاسلام، يقول المستشار الاممي، "من المعروف ان هذه الفتوى صدرت من المرجعية الدينية العليا في العراق، وساهمت بشكل كبير في تحشيد الطاقات من اجل استرجاع الأراضي التي كانت تسيطر عليها عصابات داعش الارهابية، وما شاهدناه من أعداد كبيرة لمتطوعي الحشد الشعبي من مختلف الطوائف التي هبت لتحرير الموصل وبقية الاراضي العراقية، يرجع الى الأثر الكبير الذي تركته هذه الفتوى في نفوس وواقع العراقيين".

ويمضي بقوله "بعد تحرر العراق من عصابات داعش، فإن الرأي العام الفرنسي لم يتجاهل هذه الفتوى بل كانت محط اهتمام من خلال ما تناقلته وسائل الاعلام المختلفة مع إلقاء الضوء على دور العتبات المقدسة في تقديم الدعم للقوات المتطوعة وجهود نشر التعايش السلمي بين العراقيين".

وبشأن مشاركتة في مهرجانات العتبة الحسينية والانطباع الذي تولّد عنده، يقول ايمانويل، أن "هنالك شيئان يتوجب نقلهما الى المجتمع الفرنسي، الاول هو انه يمكننا الذهاب إلى العراق بأي وقت لأن الصورة الموجودة في أذهان الفرنسيين ومعظم الأوربيين هي صورة مشوشة، بفعل ما تتناقله وسائل الاعلام من ان العراق بلد غير مستقر امنياً.

ويؤكد المستشار القانوني للأمم المتحدة، "أقول بصراحة إلى هؤلاء الناس ان العراق بلد مستقر، ويمكننا الذهاب والتنزه في كافة المحافظات، التي تمتلك ارث تاريخي وثقافي لاسيما وأن العراق منبع الحضارة، وسيتم نقل هذه الصورة الواقعية من امن وأمان وتكاتف بين الشعب "

"الامر الثاني الذي" يقول بيير ايمانويل،  اننا سنعمل على توضيحه هو" دور العتبات المقدسة، التي تعتبر نموذجا للتعايش والاستقرار، وأما على الصعيد الجغرافي فالعراق يحظى بمكانة اقتصادية كبيرة واعتقد ان هذه هي اللحظة المناسبة للشركات الفرنسية لأن تقوم بالاستثمار والمشاركة بإعادة الإعمار بعد توقفها لسنوات."

ويعتبر الإسلام الدين الثاني في فرنسا، وتتراوح نسبة المسلمين وفقا لتقديرات غير رسمية بين 3% وبين 5-8%، تشير أغلب التقديرات أن عدد المسلمين في فرنسا يترواح بين 5 إلى 6 ملايين. في حين قدرت وزارة الداخلية الفرنسية أعدادهم بـ 4.5 مليون.

تحرير: عامر الشيباني