دور الإعلام في مواجهة الأزمات وفي خَلقها

مما لا شك فيه ان الاعلام اصبح احد اهم الوسائل الكفيلة لتحقيق السلام والاستقرار ومواجهة الأزمات التي تمرّ بها المجتمعات فيما لو كان إعلاماً ايجابياً متوازناً، يصبُّ باتجاه خلق رأي عام واعي يؤمن بالتعايش والسلام.

وبالاتجاه المعاكس إذا ما كان الإعلام فوضوياً بلا ضوابطَ مهنيّة وشرفيّة، ويعتمد على نظرية تغذية الصراع فإن النتائج ستكون وخيمة على المجتمع، من حيث ان هذا النوع من الإعلام يجانب الحقائق ويضخّمها وينتقي منها ما يلائم سياسته ومنهجه، للحصول على مكتسبات مادية ومعنوية او تنفيذاً لأجندات معينة، من دون الالتفات الى مصلحة المجتمع ككل..

الأزمات غالباً ما تصدُر في بداية انطلاقتها عن طريق وسائل الإعلام، التي تركز على الأحداث المثيرة وغير المألوفة، فكثير من الوسائل الاعلامية تقوم ببث الاخبار وتصوير الاحداث من زوايا تحقق التأثير الكبير في المجتمع وصولاً الى حد زرع حالة الفزع والرعب بين المواطنين، سواء كان الحدث حقيقياً او مزيّفاً او مبالغاً به..

وجهة نظر اجتماعية

وللحديث أكثر عن دور الوسائل الإعلامية في خلق الأزمات في المجتمعات ودورها أيضا في معالجة الأزمات والتصدي لها، قال الباحث الاجتماعي عبد الستار محمد كريم" تترك الأزمات آثاراً عميقة على مختلف جوانب الحياة حتى بعد انتهائها، لذلك يجب على وسائل الإعلام المختلفة أن لا تتوقف عند نقل أحداث الأزمة وتفسيرها وتحليلها، بل يجب أن تأخذ الجدية وإحراز الدور الأساسي في العملية، من خلال الاشارة الى أساليب التعامل مع الأزمة وسبل الوقاية منها.

أضاف كريم" قد تواجه وسائل الإعلام احيانا مجموعة من المعوقات والمشاكل بالرغم من وضوح دورها الإعلامي وتوجَّه إليها أصابع الاتهام بأنها تقوم بالتركيز على بعض الموضوعات والقضايا لتحقيق مصالح للقائمين على تلك الوسائل ولا تعكس الواقع, وبعض الوسائل الاعلامية تخلق عالم يبدو للمتلقي حقيقياً، وقد يتقبل المتلقي هذا لكونه غير مدرك وهنا يجب على القائمين بعملية الاتصال كيفية مخاطبة اهتمامات الناس وقراءة أفكارهم، فمثلاً ما شاهدناه عند حصول أزمة (جنون البقر) أصيب الناس في وقتها بحالة فزع نتيجة عدم دقة المعلومات المنقولة عن المرض حيث أدى  تداول وسائل الإعلام لكلمة أبقار وكلمة جنون إلى جعلِ الناس يعتقدون أنهم سيصابون بالجنون! في حين ان هناك طرق للكشف عن المرض والوقاية منه ومعرفة كيفية الحصول على اللحوم الآمنة المصدر، وغير ذلك من المعطيات التي تكون وسائل الاعلام مسؤولة عنها تجاه المجتمع مسؤولية اخلاقية وانسانية."

وبيّن الباحث" ان هناك نوعان من أنواع المعالجة للأزمات منها المعالجة المثيرة: التي تميل الى التهويل والمعالجة السطحية وينتهي اهتمامها بالأزمة بانتهاء الحدث، وهي معالجة مبتورة تؤدي إلى التضليل والتشويه لوعي الجماهير، وتعتبر هذه المعالجة استجابة لما تفرضه اعتبارات السلطة في بعض الأنظمة، او احتياجات السوق الإعلامية التي تقوم بالتركيز على الوظائف التسويقية للإعلام، دون النظر إلى الوظائف التربوية او التثقيفية".

مشيراً الى ان" هناك أنواع من المعالجات للأزمات عن طريق الإعلام منها المعالجة المتكاملة وهي التي تتعرض للجوانب المختلفة للأزمة وتتسم بالعمق والشمولية والمتابعة الدقيقة التي تحترم كافة أطراف الحدَث.

تغليب الصالح العام

الإعلامي شهاب المنصوري يرى" إن الإعلام في العالم العربي لا يجب أن يكون صانعا للأزمات أو مصدَراً لها، كما أن الأدوار المنوطة بوسائل الإعلام في أوطاننا لا بد أن تتوافق وطبيعة الظروف المحيطة بنا، فضلاً عن السعي للبناء لا الهدم، وطرح القضايا الحقيقية دون افتعال قضايا وهمية واللعب بمشاعر المشاهدين وعقولهم، وتغليب الصالح العام على المصالح الضيقة، وهنا يستطيع الإعلام أن يدير الأزمات لا أن يصدرها ويقتات عليها".

أضاف المنصوري" ان الكثير من العلاقات التي تقيمها الدول مع بعضها تكون عن طريق وسائل الإعلام بالتنسيق بين السفارات والملحقيات المرتبطة بها، كذلك ان بعض الحروب تبدأ على شاشات التلفاز والوسائل الإعلامية قبل ان تبدأ على ارض الواقع، وقد شنت بعض الدول حرباً إعلامية وأحرزت الانتصار من دون مواجهة عسكرية او خسائر حرب حقيقية، وذلك عن طريق خلق أزمات وبث الدعاية والإشاعات المزيفة والمغرضة التي تعمل على انهيار كيان الدولة وزعزعة أمنها واستقرارها وبث الرعب في نفوس المواطنين".

الاعتماد على الإثارة

الإعلامي عامر طه السعيدي" تحتوي بعض الأزمات على قصص إنسانية تجذب القارئ وتثير الفضول لديه في التعرف على تفاصيل تلك الأزمة، وهذا هو عمل الإعلام العربي الذي يختلف عن السابق، فالكثير من الوسائل الإعلامية تهتم بجذب اكبر عدد من المتابعين وبوسائل مختلفة قد تكون منافية للأعراف والسياق العام، فأصبحت الأزمات هي من تصنع جماهيرية المقدِّم الذي يرغب بالمزيد من الجمهور، وكذلك القناة التليفزيونية أو الصحيفة، على اعتبار أنه كلما زادت الإثارة زادت نسبة المشاهدة، وبالتبعية زاد إقبال المعلِن عليها، وفي حال وجود أخطاء فلا بأس في أحسن الأحوال من الاعتذار، أو حتى التعديل دون تنويه أو اعتذار، فالقارئ أو المشاهِد سريع النسيان نتيجة لكثرة الأحداث المتعاقبة".

أضاف السعيدي" أن بعض الصحف والوسائل الإعلامية في عالمنا العربي تلعب على مشاعر الجماهير في كل الحالات، سواء كانوا على صواب أم خطأ، وهنا تفقد الوسيلة دورها التنويري والتوجيهي والإرشادي، وقد تعمل على انتزاع النصوص من سياقها وتقدمها للجمهور وأحيانا تعمل على تعظيم بعض الحالات الفردية وتقدمها كظاهرة لإشاعة حالة من الإحباط العام، وهذا النوع من الأزمات هو الأخطر على المشاهد". 

بين تجنُّب الأزمة والإحاطة بها

بعض الأزمات لا يمكن تجنّبها بل يمكن الاحاطة بها ومعالجتها بالاسلوب الذي يؤمّن الخروج منها بأقل الخسائر، وهذا ما ذهبَ اليه الناشط المدني عقيل محمد المسعودي الذي قال" يجب على المؤسسة الإعلامية ان تعطي اهتمامها بالأزمة منذ لحظة وقوعها وأن تتأكد من دور الكادر الإعلامي في مواجهة الأزمات، فلعملية الاتصال والعلاقات العامة دور كبير في مراحل ادارة الأزمات المختلفة، حيث تعمل على تهيئة الظروف الإعلامية المناسبة لمعالجة الأزمة والخروج منها وإعادة الأمور لطبيعتها".

أضاف المسعودي" من المهم أن ندرك أن بعض الأزمات لا يمكن تجنبها بل يجب العمل على احتوائها في مهدها، وتتحمل وسائل الإعلام حكومية كانت ام أهلية مسؤولية ترسيخ سياسة إعلامية تتعامل مع الأزمات من منطلق موحد ومتكامل، وبعدة أساليب أخلاقية وحضارية تتكافأ مع الغايات المراد تحقيقها، من استرداد حقوق مشروعة او الحفاظ على ثقافتها او غيرها من الغايات".

المرجعية الدينية تحذّر

وحذرت المرجعية الدينية العليا من خطورة استخدام وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في التلفيق والتضليل وخلق الأزمات، حيث أكدت في خطبتها ليوم الجمعة 25/جمادي الاولى/1440هـ - 1/2/2019م" ان الافتراء وتلفيق الأخبار ونشرها والقول بغير عِلم كلها مخاطر تهدد المنظومة الأخلاقية والتعايش المجتمعي".

موضحةً ضرورة توخّي الدقة والأمانة والحذر في النَشر لأن عدم انتهاج الدقة والأمانة يُنتِج في حالات كثيرة مواقف تسقيطية للشخصية الاعتبارية للآخرين، وهو ما لا يرتضيه ديننا الحنيف بأي شكل من الأشكال..

تحقيق: سلام الطائي

تحرير: صباح الطالقاني