الباحث صباح محسن كاظم: ما يكتب في مواقع التواصل الاجتماعي عبارة عن خواطر وهواجس ذاتية لا تغني ولا تسمن من جوع

حوار: فضل الشريفي

تترهل مواقع التواصل الاجتماعي  وتتخم صفحات الكتب بوجبات لم تنضج في مطابخ الفكر جيدا وجل هم طباخيها الذين لا يتمكنون من صنعتهم هو التباهي والبروز الإعلامي ذلك هو التوصيف الذي يلامس واقع الكتابة .

الكتابة التي توسم بالإبداعية والتي تمتنع عن الانقياد الا لفارس خبر قيادها اضحت اليوم في متناول من جردها من صفتها حتى غدت هزيلة سقيمة تترنح بين الحين والاخر وتعجز عن بلوغ المقصد، هذا الانحدار الشديد في واقع الكتابة الادبية وكذا الصحفية التي تتصل باختها وتنهل من نميرها اصبح ظاهرة واضحة وخلل يستدعي المعالجة.

الموضوع طرحته " الروضة الحسينية" على طاولة البحث مع ناقد وكاتب ومؤرخ لمع نجمه في الأفق العربي والعالمي، عضو إتحاد الأدباء والكتاب العراقيين ،ونقابة الصحفيين العراقيين، عضو إتحاد المؤرخين الدولي، وردت سيرته في الموسوعة الحرة، اختير مؤخرا ضمن أهم 100 شخصية عربيا انه الناقد صباح محسن كاظم سعيد الأجود.

ـــ يكتسح كم هائل من النشر بشتى أنواع المعرفة  مواقع التواصل وعالم الكتب هل تجد ما يكتب يستحق القراءة ؟   

ـــ من نافلة القول:  إن التعاطي مع الكتابة كفعل ثقافي وحضاري ومعرفي يتطلب الخوض بغمار التجربة من خلال التعمق بالقراءة، والإطلاع على تاريخ الإنسانية من بواكير الحضارة إلى عصر العولمة، فالكتابة هي  المخاض وليس الترف أو تزجية الوقت بل إستثمار للعقل، والفكر بأقصى مدى لإيصال المعرفة من خلال الحفريات، والبحث، والتقصي .. حقيقة القول لا أجد ذلك في مواقع التواصل الإجتماعي ، بل هناك خواطر وهواجس ذاتية لا تغني ولا تسمن من جوع، مع هذا الكم الهائل من النشر، هناك طاقات شبابية واعدة بكل الأجناس الإبداعية من مقالة، ودراسة، وبحث، أو  بمجالات الفنون بكافة  أشكالها، الأداء المسرحي، الموسيقى، الفن التشكيلي ، هؤلاء طاقات شبابية تستحق الإهتمام من النقاد ومن المؤسسات وينبغي دعمها ماديا ومعنويا.

ـــ نجد نكوصا ابداعيا في الادب والصحافة الى ماذا تعزوه ؟

ـــ تقف وراء هذه النكوص عوامل تتمثل في العزوف عن القراءة، هدر الوقت، وعدم توظيفه فيما ينفع بزيادة الوعي، والمعرفة، بقراءة التأريخ، والفلسفة، وعلم الإجتماع، وعلم النفس، والنقد، الإبتعاد عن الهوية والجذور، الإنشغال بالزيف البراق، والإعلام الترفيهي، من مسلسلات مدبلجة، أو برامج هابطة سريعة تضحك على الذقون، ومع كل هذا التراجع تجد العراق يحصد الجوائز الابداعية في كل المجالات الثقافية عربيا، هنالك أسماء عالمية لها بصمة كبيرة بمجالات الطب، الفيزياء، الفلك حتى التصميم  والراحلة زها حديد خير شاهد.

ـــ التغيرات السياسية جرفت الناقد والمبدع بعيدا عن اداء دورهما هل تتفق مع هذا الرأي؟

ـــ لا ريب ان التغيرات السياسية لها انعكاسات على الأنشطة الاجتماعية.. والاقتصادية.. والثقافية وبذلك تحولت الثقافة السائدة من ثقافة أحادية مؤدلجة إلى نوافذ مشرعة يدخلها الهواء الفاسد والنقي، أحادية مؤدلجة تعطل الطاقات الإداعية  فيما تعتبر التعددية حافزا على الإنتاج، والتنافس للأفضل، الواقع العربي ملتبس متشابك بين إستراتيجيات عالمية تبحث عن مصالحها، وبين العولمة، وهبوب رياح عاتية تقتلع القيم والمثل التي نشأت عليها الأجيال لتستبدلها باللهاث وراء الموضة، بدلا من الاهتمام بالجوهر والمعارف، ليس بالضرورة الجميع تجرفه بل هناك الراكز بعمق الوعي الروحي وهو الثابت الذي يمضي قدما نحو التفوق العلمي والثقافي لينهل من رموزه الروحية الدينية والفكرية جذوة العطاء، كما إنه يتوائم مع الحداثة والتطور، وعدم السقوط بوحل العولمة والنكوص الثقافي، مسؤولية النقد تقييم وتقويم وتصويب وتصحيح المنجز الثقافي ومتابعته لإنضاج التجارب، والتأثير بمواطن الجمال، والثيمات الفنية، وقدرات المبدع بتوظيف اللغة والخيال بإنتاج نص يختلف يسمو بالروح يستل من هموم الذات، والهم الجمعي موضوعاته مبتعدا عن النرجسية والذاتية ،تجاوزا مقولة الفن للفن ليكون بانعكاس لهموم المجتمع، وليشكل ظاهرة معيارية معاصرة من خلال تأثيره بالوجود، وتواصله مع إرهاصات، وصيرورة النهضة، وليس النكوص.. والتراجع.. أو السطحية بالطرح التي تنتج التجهيل، وضياع الأجيال.

ـــ توجه الانتقادات بشأن الغاية من اقامة المسابقات الادبية والمعرفية وهناك من يشكك بنزاهة نتائجها ما تعليقك؟

ـــ طالما توجه الانتقادات صوب المسابقات، بالانحياز أو الأقصاء بالتحيز، والتسويف بدخول تأثيرات خارجية لمنح أديب ما جائزة معينة او تكريما معين للإساءة لوطنه، ومواقفه وعقيدته، بالطبع الدوائر والمؤسسات المشبوهة تدفع بمن يسيء للمقدس كما نجد في سليمان رشدي وغيره.. هنالك مسابقات فيها لجان فحص حقيقية علمية بكفاءة عالية  في رصد المنجز وتقييمه بإستحقاقه الإبداعي دون الإنحياز مطلقا، المسابقات حافز للمبدع بحفرياته الجمالية، والفكرية والأدبية، والفنية بإشتراط أهمية ما ينجزه دون التأثير المسبق والأولويات التي تنعكس بالنتائج .

ـــ ماذا عن منح هوية الانتساب لاتحاد الادباء هل تجري وفق الضوابط ودون تأثير المحسوبية؟

ـــ أود ان اوضح ان اتحاد الادباء يعد من أكثر المؤسسات الثقافية حرصا على عدم منح الانتساب لمن لا يستحق.

ـــ النقد مهمة بالغة الصعوبة وفي الناقد سمات ومؤهلات تمكنه من الخوض  في هذا المضمار ما تلكم السمات؟

ـــ لابد لمن يريد أن يزاول النقد الإطلاع الواسع على المدارس النقدية من الكلاسيكية، والإنطباعية، والسريالية والتفكيكية وكل النظريات الحديثة في النقد الغربي فضلا عن الرؤى العربية من الجرجاني، الجاحظ وكل الإشكاليات الفلسفية ،تحولات الثقافة بكل مفاصل التاريخ من عمق التاريخ الأوربي إلى مدارس الحداثة لإكتشاف وبيان المنجز، فالحداثة تعني التجريب المستمر في الادب والفن وداخل اللغة ومتون النصوص، الأدب الاشتراكي يمثل قفزة بالمنجز عن العصور التي سبقته ويلقي بظلاله على ما بعده و هناك مقولة طالما استشهد بها لرولان بارت في كتابه لذة النص (كل عرض كتاب هو قراءة  نقدية لتوضيح المضامين الجمالية).

ـــ ما توصيف المثقف وكيف يكون فاعلا في محيطه؟

ـــ هنالك أكثر من 250 تعريفا للثقافة تبتدأ من تعريف الثقافة لغة والذي يتصل برأس الرمح وتثقيفه اي تقويمه وتعديله إلى مقولة غرامشي بأنه الفاعل الذي يتلمس هموم المجتمع والتعبير عنها .. إن دور المثقف العراقي برز في اوائل النهضة العربية خلال مطلع القرن الماضي مستمدا ومستلهما من المنجز الحضاري السومري ريادة الكتابة والفن لكن احيانا يمر بنكوص وسبات بسبب الدكتاتوريات والعنف ومثارم السلطة وقد خسر العراق جراء ذلك أهم مثقفيه وعلمائه وهنالك من طالته يد الارهاب بعد سنة 2003 , لم يكن المثقف العراقي سلبيا لكن  أحيانا القهر ، التهميش، اللامبالاة من الحكومات تعيقه، تحجمه.

ـــ أين هو المثقف اليوم عما يحصل في المحيط العربي وما المهام الموكلة له بوصفه صوت المجتمع؟

ـــ إن تسارع الاحداث في الساحة العربية ومخاضات التحول، فضلا عن الاستعمار لها تأثيرها كما يعبر عن ذلك ادوارد سعيد ببحثيه (الإستشراق) او (الإمبريالية والثقافة)، أعتقد إن مسؤولية المثقف هي التنوير، التبصير، التذكير، إنتشال المجتمع من الخرافات، والأساطير، والتعلق بالميثولوجيا، والوهم، الجميع  مسؤولون عن الإرتقاء بالوعي، والقيم، والجمال، والهوية الوطنية، والدفاع عن المهمشين والفقراء والدفع بتعزيز التنمية الإجتماعية .الإقتصادية لتحقيق العدالة الاجتماعية.

ـــ تم اختيارك مؤخرا ضمن أفضل 100 شخصية عربية بمصر وفرنسا ماذا يمثل لك ذلك؟

ــ أعد هذا الاختيار تتويجا للثقافة العراقية، والحضارة السومرية، سعيد بذلك حقا، أن يصل التكريم من دول أخرى، يخلو من الحسد، والرياء الداخلي، ويحفزني على المضي عربيا والذي يصب بالتالي بخدمة العراق المقدس.