تكامل الذكر والأنثى في الحياة.. دراسة موجزة في تكامل الجنسين ونقد الاتجاهات الشاذة الحديثة
سماحة السيد محمد باقر السيستاني
إن أحد الأسس الفطرية المهمة للحياة الإنسانية والنوع الإنساني هو التنوع البشري الرائع المنقسم إلى الذكر والأنثى، وتكاملهما في هذه الحياة من خلال الاقتران الزوجي الأسري، وتوزيع اقتضاءات الأسرة على الجنسين وفق الملائمات الفطرية مع تكونهما الجسدي والنفسي والسلوكي ومشاركتهما إنجاب الأولاد.
إلا أن هذا الأساس تعرض في العصر الحاضر لتحدٍ خطير من خلال اتجاهات ونظريات متعددة انتشر تسويقها باسم العلم والأدوات العلمية.
ومن أبرز تلك النظريات نظريتان:
١ - نظرية تحور معنى الذكورة والأنوثة ـــ وهما أمران معروفان للإنسان منذ نشأة الإنسانية ــــ بادعاء أنهما لا يتمثلان في التنوع الفطري الجسدي والوظيفي والنفسي والسلوكي للإنسان، بل هما يعبّران عن انطباع الإنسان عن نفسه.
فإذا رأى الذكر جسديا أنه أنثى كانت هويته أنثى سواء احتفظ بخصائصه الجسدية الذكرية، أم سعى إلى تغييرها، فله أن يتأنّث ويظهر ويتصرف ويتزوج كأنثى تماماً ويكون بين الإناث في اجتماعهن، وعلى الأسرة والمجتمع أن يتقبله ويتعامل معه كذلك رغم خصائصه الذكرية الكاملة، وكذلك الحال في الانثى!.
بل يجوز أن يختار الشخص ان يكون ذكرا وأنثى في آن واحد، او يكون حالة وسطى بمزيج من المظاهر والسلوكيات الذكورية والأنثوية حسبما يشاء!
وقد عبر عن مورد الانطباع المغاير للجسد عن الذات بالتحول الجنسي، كما عبر منذ حين عن الهوية التي يختارها الشخص لنفسه -سواء كان موافقا لجسده ام لا- بالنوع الاجتماعي او الجندر.
٢- نظرية أخرى تنقض تكامل الذكر والأنثى في الحياة كما تقتضيه الفطرة الإنسانية بادعاء أنّ الميول الشاذة (المماثلة) هي ميول طبيعية، وأنّ الاقتران الشاذ بالمماثل يمثل خيارا للزواج على حد زواج الذكر والأنثى!.
فهاتان نظريتان تبرران السلوكيات والاقترانات والميول الشاذة، وتعتبرها امورا طبيعية وخيارات مقبولة ومشروعة على حد الخيار السائد في المجتمع البشري من تمايز الجنسين وتكاملهما في الحياة.
وقد حدثت هاتان النظريتان في هذا العصر في بعض الأوساط العلمية على أساس أنهما من جملة معطيات العلم الحديث!.
ومن الملفت انه يجري تسويقهما ثقافيا واجتماعيا بقوة واندفاع بالغ في المجتمعات البشرية من خلال جميع الامكانات المتاحة المحلية والدولية من الجوانب المالية والقانونية والسياسية والاعلامية والثقافية والتربوية .
والواقع أن هذه النظريات تمثل انتكاسة كبيرة في الفكر الإنساني المعاصر، بل تقهقر غريب لما يطرح باسم العلم وعجز كبير عن رصد البديهيات الفطرية الإنسانية التي يدركها عامة العقلاء الراشدين وفق ما يجدون بوجدانهم و يشهدونه بالخبرة العامة، وقد وقع من قبل التنكّر لمبادئ بديهية أخرى باسم العلوم الإنسانية.
كما ان تسويقها في المجتمع الانساني عمليا يمثل تحديا خطيرا للانسانية في احد أهم ركائزها وبناها في وجودها وديمومتها وقيمها واخلاقها ونظمها الأسري والاجتماعي.
وهذه دراسة موجزة تتضمن توضيح تكامل الذكر والأنثى في الحياة وفق القواعد العامة الراشدة للتفكير المبنية على مبادئ خمسة
١ ٠ الإدراك السليم.
٢ ٠ الفطرة الإنسانية الجسدية والوظيفية.
٣ ٠ الفطرة النفسية والسلوكية.
٤ ٠ الضمير الإنساني الذي يمثل الهدي الملائم للإنسان ويحدد ما يحسن وما يقبح منه.
٥ ٠ الحكمة الصائبة التي ترعى الصالح الإنساني.
هذا مع دراسة الموضوع وفق هذه المبادئ في المستوى الفطري، وفي المستوى العلمي المعتمد على العلوم ذات العلاقة بهذه المبادئ، من جهة وجود ابعاد للموضوع ذات علاقة بكل واحد من هذه المبادي الخمسة.
كما تضمنت الدراسة توضيح بداهة مبدأ التكامل بين الجنسين في الدين بداهة بالغة لا مزيد عليها، فإنه ملء تعاليم الدين ونصوصه في ذِكْر الذكر والأنثى وأحكامهما، على أنّ الدين يضمن التأكيد على أن هذا التكامل مطابق مع المبادئ الفطرية والأخلاقية والحكمية.
وكنت قد اعددت دراسة اكثر تفصيلا من بعض النواحي قبل ثلاث سنوات عندما بلغني استفحال هذه النظريات في اوساط الجاليات الاسلامية في بعض بلاد المهجر، وحدثت ظروف حالت دون إنهائها، وقد حدث في هذه الايام سعي بليغ إلى نشر هذه الافكار الخاطئة في داخل البلاد الاسلامية، فاهتممت بايجاز البحث مع بعض الاضافات ليكون اسهل تناولا.
وقد اعددت هذا البحث في الأصل لإلقائه كمحاضرات على طلبة الجامعات ولكن حالت الظروف عن إلقائها، ولذلك اكتفيت بنشرها وذلك ليكون مذكِّرا لمن عُني بالتبصر في الموضوع ومحفزاً لمعاني الرشد والفطرة والأخلاق والحكمة في المجتمع الإنساني بشكل عام وفي المجتمع الديني على وجه خاص.