في يومها العالمي.. المرأة العربية رائدة في العطاء

البروفيسور علي عبد فتوني / لبنان

بدأت الكتابة عن المرأة في المنطقة العربية بالمطالبة بإتاحة فرص التعليم لها ، والتخفيف من القيود الإجتماعية المفروضة عليها ، وتعمقت المطالب الإجتماعية بعد أن ساهمت النظرة إليها بتحجيم دورها وجعلت منها إنساناً ضعيفاً ، ذا مكانة إجتماعية في الدرجة الدنيا ، فهي لا تجرؤ على الإفصاح عن شخصيتها وما يجول في ذهنها.

 لكن هذه العادات والتقاليد لم تقف عقبة أمام التيار الداعم لحقوق المرأة ، لأنها خرجت الى ميدان العمل ، وشاركت الرجل في العديد من الحقول والأعمال ، لا سيما في حقلي الشؤون الإجتماعية والتربوية.

 في أوائل القرن العشرين بدأت قضية المرأة تستجمع الزخم الكافي ، ودخلت الصحف والمجلات الى ساحات الحراك بين الفئات المختلفة ، تتصارع حول قضية المرأة.

حيال ذلك، بدأ العمل لإنشاء مدارس تهتم بتعليم الفتاة ، وبدأت مشكلة المرأة تتخذ أبعادها الإجتماعية ، وإستعد أنصار تعليم الفتاة للرد على الإتهامات عبر الكتب والصحف والمجلات مما ساهم في إنخراط المرأة في العديد من مجالات العلم والعمل ومشاركة الرجل في عملية البناء الإجتماعي.

على ضوء ما تقدم ، تبين أن المرأة العربية إستطاعت أن تلعب دوراً محورياً في نهضة المجتمعات ، وأثبتت من خلال هذا الدور قدرتها على التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات ، فكان حضورها لافتاً في مختلف جوانب الحياة ، وإصرارها على مساندة الرجل دليل على كونها عنصراً هاماً وأساسياً في إحداث عملية التغيير في المجتمع . 

ومن الدلائل التي تشير الى المكانة التي وصلت اليها المرأة العربية ، مشاركتها في المؤتمرات الدولية النسائية ، حيث شاركت  في مؤتمر النساء في شيكاغو عام ١٨٩٣، كما شاركت في مؤتمر السلم العام في باريس عام ١٩٠٠، وكذلك شاركت في المؤتمر العالمي في الأستانة عام ١٩١١.

وخلال الحرب العالمية الأولى ( ١٩١٤ - ١٩١٨ ) ، أقدمت المرأة العربية على لون من الجهاد ، كالإعتناء بالجرحى ، ثم انتقلت الى المعمل لسد الفراغ الجزئي الناتج عن نقص الأيدي العاملة من الذكور الذين تركوا المعامل والمصانع والحقول للإسهام في الحرب.

وبدأت التجمعات النسائية الإنطلاق من شعارات إصلاحية إجتماعية ، أبرزها مساعدة الفقراء من خلال جمعيات نسائية والقيام بأعمال تعاونية في المدن والقرى. ففي سنة ١٩١٤، تأسست جمعية يقظة الفتاة العربية بإشراف نخبة من السيدات هدفها الأول إنشاء المياتم ، وفي سنة ١٩١٩، أنشأت جمعية الشفقة الأرثوذكسية في لبنان غايتها مساعدة الفقراء ، ودفع أجور بيوتهم وأقساط مدارسهم وتجهيز البنات ، وتأسست سنة ١٩٢٤ جمعية النهضة النسائية ، إهتمت بادىء الأمر بشؤون الصناعة الحرفية  ثم نقلت إهتمامها  الى بناء المستوصفات. وسنة ١٩٣٣، قامت السيدة نازك بيهم في لبنان بإنشاء نقابة المرأة العربية العاملة  ، التي ترمي الى الإطلاع على كل ماله علاقة بقضايا المرأة التي تعمل ، من حيث تطبيق قانون العمل ، والمساواة في الأجور أو تحديد ساعات العمل والفرص المرضية والولادة.

وخلال مسيرة الكفاح الوطني من أجل الإستقلال والنضال في سبيل الحرية والسيادة الوطنية والعدالة المساواة ، برزت مناضلات في كل أرجاء المنطقة العربية ، حيث خضن غمار الكفاح الوطني ونلنَ قسطهنَ من عواقبه من سجن وتعذيب ، وسقط العديد منهن شهيدات الواجب الوطني ، فظهرت قافلة من المناضلات والشهيدات من كل الأقطار العربية تسجل بطولة المرأة العربية ومشاركتها للرجال في الدفاع عن الوطن.

بالإضافة الى ذلك ، تمتعت النساء بقدرات خاصة بهن سمحت لهن بالقيام بمهام سرية ، كانت تمثل صعوبة على الرجال في المنطقة العربية.

ومع تصاعد الحركات المطلبية ، تزايدت مساهمة المرأة العربية في العمل السياسي المتشعب ، ونظمت المسيرات والمظاهرات والإعتصامات ، وطالبت بمنح المرأة حقوقها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية.

ولا بد من القول ، أن الحركات والنهضة في المنطقة العربية كان لها الأثر الإيجابي في بروز المرأة العربية ، حيث نشطت الحركة النسائية بعد أن إرتفع عدد المتعلمات ، منهن الطبيبات والمحاميات والصحافيات ، وغيرهن ممن نلن شهادات الليسانس والماجستير والدكتوراه.

والجدير ذكره ، أن الجمعيات النسائية ساهمت في نهضة المرأة وإعلاء شأنها ، وعقدت مؤتمرات ، ورفعت إحتجاجات ، وكتبت بيانات ، وشعرت معظم النساء بواجبهن ، فلم تنطلق حركة وطنية في المطقة العربية إلا وللمرأة فيها نصيب بارز.

وينبغي الإشارة الى أن  المرأة العربية قدمت الكثير من الأعمال الرائدة والهامة في بيتها والمجتمع ، وتنوعت الأدوار التي أدتها وتؤديها في الأسرة بين الأم والزوجة وربة البيت ، ولهذا تعد المرأة العربية عنواناً للتنمية المستدامة ، واللبنة الاساسية التي تساهم في بناء المجتمع.

ومن المهم أن ندرك أن المرأة هي الحاضنة لجميع الأفراد الذين ينتمون إليها ، ولا يمكن أن يحدث إستقرار إجتماعي ودفء في نسيج الأسرة الا من خلال المرأة ، لأنها تلعب دوراً كبيراً في التماسك الأسري.

وفي السياق ذاته ، فإن المرأة العربية إستطاعت أن تثبت دورها ومكانتها النبيلة التي نالتها بجدها ونشاطها ، تبني وتنظم ، وتشترك مع الرجل في بناء كيان الأمة وتنظيمه ، وهندسة المجتمع ، بالرغم من أنها أصعب أنواع الهندسة قاطبة ، لأنها تتطلب دقة البصر والبصيرة ، ونباهة الفكر وفطنته ، وهذا ما يؤكد أن البلاد العربية لا تفتقر الى نساء يعملن للخروج الى ميدان النشاط العام ، وهناك محاولات تزداد يوماً بعد يوم تبشر بتهيئة طليعة ممتازة في الصفوف النسائية.

وقد أشارت إحصائيات اليونيسكو الى أن ما نسبته ٣٨ في المائة من العاملين في البحث العلمي في الدول العربية هم من النساء ، وقد تصدرت تونس الدول العربية بنسبة ٤٧ في المائة ، تليها مصر ٤٢ في المائة ،  ثم السودان ٤٠ في المائة ، والكويت ٣٨ في المائة ، والجزائر ٣٥ في المائة ، والعراق ٣٤ في المائة ، والمغرب ٣٠ في المائة ، وسلطنة عمان ٢٥ في المائة ، والأردن ٢٣ في المائة ، في حين لم تتوفر معلومات عن باقي الدول العربية الأخرى.

أما على صعيد  دور المرأة العربية في سوق العمل ، فعلى الرغم  من الجهود الملموسة التي تهدف الى تحسين وضعية المرأة ، والمكاسب التي حققتها في سوق العمل خلال العقود الأخيرة ، إلا أن الأرقام لها رأي آخر ، كما تشير الإحصاءات والتقارير الدولية ، ومنها الأرقام الصادرة عن منظمة العمل الدولية ، حول المساواة بين الجنسين وعدم التمييز ، فقد بلغ معدل مشاركة المرأة العربية في سوق العمل حوالي ١٨ في المائة فقط ، وهو المعدل الأدنى في العالم مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ ٤٨ في المائة ، وعلى النقيض من ذلك ، تتجاوز معدلات مشاركة الرجل في سوق العمل نسبة ٧٧ في المائة ، مقابل المتوسط العالمي ٧٥ في المائة.

وفي سياق متصل ، فإن تواجد النساء في المناصب الإدارية  دون المعدل المطلوب عالمياً ، حيث أن نسبة ١١ في المائة فقط منهن  يشغلن مناصب إدارية مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ ٢٧ في المائة ، على الرغم من إرتفاع عدد النساء الحاصلات على شهادات عليا في العديد من الدول العربية . ووفقا" لبيانات منظمة اليونيسكو هناك ما يقارب ٥٧ في المائة من خريجي المدارس والجامعات العربية  المتفوقين في العلوم والرياضيات والهندسة من الإناث ، رغم ذلك تعاني المرأة العربية أدنى معدلات المشاركة في القوى العاملة في مجال الإدارة.

وفي السياق ذاته ، نشير الى أن المرأة العربية تسعى الى مزيد من الوجود الفعلي في الحياة البرلمانية ، وزيادة نسبة تمثيلها في البرلمانات العربية ، رغم ذلك مازالت نسبة  تمثيلها أدنى النسب في العالم حيث تمثل حوالي ١٨ في المائة ، مع الأخذ في الإعتبار التفاوت فيما بين الدول العربية في هذا الصدد.

ومن هذه الزاوية نشير الى نسبة مشاركة المرأة العربية في البرلمان  بناء على إحصاءات سنة ٢٠٢٠ على النحو التالي.

الإمارات العربية ٥٠ في المائة ، العراق ٢٦ في المائة ، الجزائر ٢٥ في المائة ، تونس ٢٤ في المائة ، المغرب ٢٠ في المائة ، مصر ١٥ في المائة ، سوريا ١١ في المائة ، قطر ٩ في المائة ، الكويت ٦ في المائة ، لبنان ٤ في المائة.

أما على مشاركة المرأة في الحياة السياسية والحزبية ، تسجل المنطقة العربية أقل مشاركة على مستوى العالم ، وتمثل المرتبة الأدنى في مؤشر الفجوة بين الجنسين بمعدل ١٥ في المائة فقط ، بالرغم من أن المرأة تمثل نصف المجتمع ، وتتمتع بالعديد من الحقوق ، وتعيش حالة من النضج لما تقدمه لها المجالس  والمراكز المعنية بشؤون المرأة من دورات تدريبية ، ومؤتمرات وندوات وكتب ونشرات تهدف الى النهوض بالمرأة ، وتمكينها من تعزيز مشاركتها في الحياة العامة.

وقد أشادت جامعة الدول العربية بالإنجازات التي حققتها المرأة العربية على كافة المستويات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتعليمية والبيئية ، تقديراً لدورها الكبير والمشهود في العمل على تحقيق التنمية المستدامة وبناء السلم المجتمعي. ومع ذلك  إتسم دور المرأة العربية بالوهن والمحدودية ، ويرجع ذلك الى تبني الحقوق والمساواة كمبادىء نظرية فقط لا تتعدى الشعارات ، والدليل على ذلك عدم تقبل المرأة في المجال السياسي والحزبي مما أصاب مشاركتها بحالة من التهميش ، أضعف دورها في صياغة التشريعات والقوانين ، وعدم إعطائها الدور الفاعل في التمثيل والتعبير عن إرادة المجتمع.

على ضوء ما تقدم ، تجدر الإشارة الى المؤتمر العالمي الرابع للمرأة ، عقد في الصين عام ١٩٩٥، وأقر بضرورة مشاركة المرأة في عملية صنع القرار وتولي المناصب السياسية والإدارية وغيرها ، وقد إلتزمت العديد من الدول في العالم ، وكذلك شددت منظمة المرأة العربية التابعة لجامعة الدول العربية  على ضرورة تمثيل المرأة تمثيلاً سياسياً معادلاً لثقلها في المجتمع العربي ، وأن تفعل  مشاركتها السياسية عبر إيجاد وعي عام في المجتمعات العربية  بأهمية دور المراة ، وحيوية مشاركتها في الحياة السياسية.

وقد بذلت بعض الدول العربية  جهداً لتضمن المساواة بين الجنسين في الدساتير والسياسات ، بما في ذلك توفير نظام المحاصصة ، وهو ما يعتبر إستثناء وليس قاعدة ، رغم ذلك مازال وضع المرأة العربية أقل بكثير من إمكانية الوصول الى المناصب القيادية السياسية ، والمشاركة في عملية صنع للقرار من خلال السلطات الرئيسية الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية.

وفي مطلق الأحوال ، لا بد من التأكيد على أن المرأة العربية بلغت في هذه الأيام مرحلة متقدمة على كافة الصعد ، وحازت على بعض الحرية ، وأصبح لها الحق أن تبدي رأيها وأن تناقش وتعارض ، ولم يبق في معظم البلاد العربية من نواحي الحياة إلا والمرأة تقوم بدور هام فيها ، سواء كان ذلك في السياسة والإقتصاد أو القطاع العام أو الثقافي ، والتربوي والتعليمي .

وعندما تفاقمت الأزمات في البلاد العربية دخلت المرأة الى جانب الرجل في كافة القطاعات رغم تحملها صنوف العراقيل ، وتمكنت بفضل أيمانها بدورها من جني الثمار التي نلمسها في إتجاه فكرها وما تقوم به ، حيث كان ولا يزال لها الأثر البارز والملموس في المجتمعات العربيةوفي خضم أزمة كورونا ، برز دور المرأة العربية بشكل لافت في المواقع المتقدمة بشكل شجاعة ، بالإضافة الى دورها في طليعة الذين يطالبون بالعيش الكريم والحرية والعدالة الإجتماعية ، ووقفت في الساحات العربية تندد بالفساد السياسي والمالي والإقتصادي والإداري ، وتتلقى الضربات الموجعة في سبيل حقوق الشعوب العربية.

وقد أثبتت المرأة العربية قدرتها على التغيير الإيجابي في المجتمع ، فحضورها البارز في مختلف جوانب  الحياة وإصرارها على الوقوف بجانب الرجل دليل على كونها عنصراً أساسياً في إحداث عملية التغيير في المجتمع ، ودورها لا يقل أهمية عن دور الرجل حيث لم تتوان عن خدمة وطنها ، وتقديم التضحيات من أجله حالها حال الرجل ، الى جانب دورها المهم في تغيير بعض العادات والتقاليد ، المفاهيم الخاطئة المؤثرة سلباً على المرأة وتفعيل دورها.

على ضوء ما تقدم ، نؤكد أن المرأة العربية جزء لا يتجزأ من المجتمع ، ترقى بتقدمه وتتراجع بتأخره ، ومشاركتها في كل مفاصل الحياة عاملاً أساسياً لتحقيق العدالة والشفافية ، وأن التغيير الذي تسعى له المجتمعات مرهون بشكل كبير بواقع المرأة ومدى تمكنها من القيام بدورها في المجتمع.