تحديات التكنولوجيا الحديثة

البروفيسور علي عبد فتوني / لبنان

تحول العالم المعاصر الى قرية إتصالية ، ويعرف  " بعالم المعرفة " ، وأصبح عالماً يعي ذاته ويسيطر على مصيره بعد أن تقدمت التكنولوجيا ، وكذلك التحديات التي تحيط بها ، ودخلت التكنولوجيا معظم تفاصيل الحياة بدرجة فاقت كل التوقعات ، وقدمت العديد من التسهيلات في معظم المجالات ، وعادت بالأمر الإيجابي على حياة الإنسان، وأصبحت الكرة الأرضية بمثابة الحي الصغير الذي لا يخفى على سكانه أي شيء مما يجري بمحيطهم .

وقد قال عبد الخالق عبدالله في هذا المجال: " يصعب الحديث عن العالم المعاصر دون الإشارة الى دور وتأثير المعارف العلمية والتكنولوجية في الحياة المعاصرة ، فهذا العصر هو بحق عصر التكنولوجيا الذي أصبح مصدر قوة الإنسان " .

ففي هذا العصر إستطاع الإنسان أن يحقق حلمه بالخروج الى عالم الفضاء ، بفضل ما قدمته التكنولوجيا للناس من وسائل وطرق ، وساهمت بحل المشكلات البشرية المختلفة ، وخاصة في الوقت الراهن نظراً لما يمر به من حالة تغيير مرتبطة بكم المعلومات الموجودة ، التي أحدثت تغيرات إجتماعية واسعة أدت الى تطوير وسائل الإتصال ، وظهور التمايز الثقافي للطبقات الإجتماعية والجماعات الحضرية والريفية .

لقد كانت التكنولوجيا سبباً في تسهيل الإتصال بين الناس حيث ساعدت على توفير وسائل نقل مختلفة ، وطرح أساليب جديدة ، حتى أصبحت التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس اليومية ، ولا يمكن تخيل البقاء بدونها لأنها دخلت في كل الأمور الأساسية في حياة الشعوب .

ويمكن القول أن هذا العصر بحق عصر التكنولوجيا الذي أصبح مصدر قوة الإنسان ، وهو بلا منازع عصر المعارف العلمية وعصر التنمية ، ولا يمكن لأية أمة أن تصبح قوة إستراتيجية إلا بالإعتماد على المعارف العلمية والتكنولوجية ، لأن المعركة التي يخوضها العالم اليوم هي مواجهة علمية تقنية ، ولا ريب أن هذه المعركة لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية .

والجدير ذكره، أن أهم سمة تتسم بها المجتمعات في الوقت الحاضر هي سمة التغيير الذي يسببه التقدم العلمي والثورة التكنولوجية التي تعيشها البشرية في حضارتها المعاصرة ، علماً أن هذه المجتمعات تختلف في سرعة التغيير ونوعية الإتجاهات.

فالمجتمعات في الدول  " النامية "  تصارع بيئتها الطبيعية بطرق بدائية ، وتكنولوجيا قديمة لا تتيح لها سيطرة كاملة أو شبه كاملة على أزماتها ، ولا تقوى على إستغلال ما فيها من موارد مادية وطبيعية ، وثروة بشرية ، ولا يستقيم فيها التوازن بين سرعة النمو السكاني ودرجة التقدم الإقتصادي ، ولذا يسير فيها التغيير بطيئاً ، في حين نجد أن المجتمعات  المتقدمة تسيطر على بيئتها بطرق متطورة وتكنولوجيا حديثة ، مستغلة مواردها الطبيعية والبشرية على حد سواء لخدمة التنمية المجتمعية .

إن الدول المتقدمة مكتفية ذاتياً ، وبناء على إحصائيات مؤشر التنمية البشرية تم تصنيف هذه الدول وتطورها من خلال المستوى المعيشي المرتفع ، وإجمالي الإنتاج المحلي ، والرفاهية ، وتقديم الخدمات الصحية ، والنقل والمواصلات والإتصالات ، والبيئة التعليمية ، والظروف المعيشية والسكنية ،  وجود تقدم في الصناعة المحلية وبنية تحتية لتكنولوجيا المعلومات ، بالإضافة الى الإنتاج عالي الجودة ، أعطاها أفضلية على الدول النامية .

ومن هذه الزاوية يمكن الإشارة الى أن العلاقة بين المعارف العلمية والتكنولوجية  المتطورة علاقة جدلية ، فالتكنولوجيا  مرتبطة بخطط التنمية القومية للمجتمع ، والإسراع بالتنمية يرفع من المستوى الإقتصادي والثقافي والإجتماعي للشعوب ، بينما الأمية وإنعدام الوعي تساوي تخلفاً وإعاقة في خطط التنمية والتقدم الوطني.

علاوة على ذلك ، يشير الإقتصاديون الى أن تنمية الموارد البشرية شرط ضروري لتحقيق التقدم الإقتصادي والإجتماعي ، ذلك لأن هناك حقيقة خلاصتها ، أنه إذا كان لا يتأتى لبلد تنمية موارده البشرية فإنه لا يستطيع أن ينمي أي شيء آخر يذكر سواء تمثل هذا في بنيان سياسي وإجتماعي حديث ، أم في الشعور بالوحدة الوطنية ، أم في بلوغ مستويات أعلى من الرفاهية المادية .

إزاء ذلك نقول، أن التطور التكنولوجي يعمل على إزالة الكثير من العوائق النابعة من التقاليد  " البالية " لدى الشعوب ، والتي تعوق حركة التطور الإجتماعي والإقتصادي ، وتعوق مسيرتها ، لأن تحلي الشعب بالعقلية العلمية العملية يعتبر دافعاً قوياً للتنمية على الصعد الإجتماعية والثقافية والإقتصادية ، ويصبح التأثير أمراً بالغ الأهمية في عصر تنطوي فيه هموم الشعوب جمعاء على المشكلات الحياتية .

ولذلك من المهم ان ندرك ، أن التكنولوجيا دفعت البلدان الصناعية نحو مرحلة ما بعد التصنيع في تاريخ نموها وتقدمها ، وهي عملية تطورية ساعدت عليها سلسلة حلقات : الحكومة ، التعليم ، والصناعة .

في إطار ما تقدم، نؤكد  أن ما تحتاجه الدول النامية هو الرد على تحديات العصر ، لأن قانون الحياة في جميع مستوياتها  يفترض أن يكون رد الفعل في مستوى الفعل كي يستمر التطور ولا تنقلب المقاييس ، فيحل ما هو أدهى من الدمار والتخلف ، ويتعذر عند ذلك القيام من العثرة الى البناء الجديد . ومن ناحية أخرى ، فإن وضع إستراتيجية لتنمية الموارد البشرية شرط لا غنى عنه لتحقيق ما تصبو إليه الشعوب النامية من النمو الإقتصادي السريع ، والتخطيط لمواكبة التطور العلمي والتكنولوجي .

نخلص الى القول ، أن المعارف العلمية ‐التكنولوجية هي أكثر من أداة تغيير الحاضر الى المستقبل لأنها تشكل وسيلة قوية للحفاظ على التطلع نحو الغد الأفضل ، وعلى رصدها يقوم التوازن الحقيقي بين الأجيال في المجتمع الواحد ، وفي المجتمعات المتشابهة ، وإستطراداً في العالم  .

وفي سياق متصل، على الدول النامية أن تعلم أنه للإفادة من المعارف العلمية والتكنولوجية يجب أن تضع المرتكزات والأهداف والمبادىء لنظام التعليم الجديد ،  والتركيز على القيم الإجتماعية والسياسية في المجتمع ، وعدم إكتساب التكنولوجيا عن طريق إستيرادها جاهزة بإعتقاد أن ذلك سيمكنها من إقتصاد الوقت والنفقات ، فهذه الخطوة ستعمق تبعيتها للدول المنتجة لهذه التكنولوجيا ، بالإضافة الى ذلك فإن معالجة التخلف التكنولوجي للدول النامية لا تتوقف عند إبرام إتفاق تجاري مع الدول الكبرى ينظم نقل التكنولوجيا ، لأن هذا الإتفاق لا يمثل وسيلة لتسهيل معالجة الازمات الداخلية .

إنطلاقاً من ذلك ، المطلوب من هذه الدول أن تعمل للوصول الى نوع من التكامل العقلاني لمواجهة كافة التحديات والنظر الى المستقبل من زاوية المشاركة في مجالات الإقتصاد والتنمية والتعاون التجاري ، لأن التحديات تفرض العمل بروح التعاون والتعاضد والتفاهم ، وبذل الجهود للنهوض بالتنمية التكنولوجية التي تتطلب تحسين مستوى نظام التعليم ،  والإنفاق على البحث العلمي ،ودعم الإبداع والإبتكار والإختراع ، وبهذا تكون الدول النامية تستعمل عنصر التكنولوجيا بشكل إيجابي ، ما ينعكس  إيجاباً على تطورها وتحصينها وتقدمها .